في حكم المال المُكْتسَبِ مِنَ التأمين على الحياة
السؤال:يتعلق بالنظام الجزائري
أُصيبَ أبي بمرضٍ فيَئِسَ الأطِبَّاءُ مِنْ بُرْئِه؛ فأَلَحَّ عليه أصدقاؤه ليُوَقِّعَ على أوراق التأمين على الحياة؛ فوَقَّعَ على جهلٍ منه وبدون عِلْمِنا، وعند وفاتِه أنكَرْتُ على أهلي هذا الأمرَ فلم يكترثوا بما قلتُه، فأخذوا النقودَ وأَتَمُّوا بها بناءَ مسكنٍ لنا وانتقلوا إليه، وبَقِيتُ أنا في بيت جدِّي، فنبَّهَني بعضُ الإخوة إلى أنَّ ذلك قد يُؤدِّي إلى قَطْعِ الرَّحِم، فأرَدْتُ السؤال:
ـ هل بإمكاني الانتقالُ إلى هذا المسكن الجديد معهم، مع العلم أنِّي طالبٌ جامعيٌّ؟
ـ هل يمكنني أَنْ أَسْتغِلَّ الأموالَ التي نحصل عليها مِنْ كراء الدكاكين في هذا المسكن الجديد؟
ـ كيف يمكن استدراكُ هذا الخطإِ لكي يصبح مسكنًا حلالًا؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ عقد التأمين التجاريِّ بجميعِ صُوَرِه ـ بما في ذلك التأمين على الحياة بكافَّة أقسامه ـ لا يجوز؛ لاشتماله على غررٍ كبيرٍ مُفْسِدٍ للعقد، وتضمُّنِه للرِّبَا والميسرِ وبيعِ الدَّيْن بالدَّيْن؛ ولهذا فهو مُحرَّمٌ ـ شرعًا ـ فيدخل في عمومِ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨].
وأصحابُ أبيك وأهلُه وعائلتُه لم يفعلوا به خيرًا إِذْ أوقعوه في الخطيئة في آخِرِ حياته، سواءٌ كانَتْ نواياهم حسنةً أو سيِّئةً؛ ولهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»(١).
هذا، وإذا كان غالِبُ المسكن وأَكْثَرُه مِنْ حلالٍ فإنه بالإمكانِ الانتقالُ إليه للحاجة أو عند الاضطرار؛ لأنَّ «مُعْظَمَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ» فيجري الغالبُ مجرى الكُلِّ؛ وعليه فالواجبُ على مَنِ استعمل المالَ المحرَّمَ التوبةُ مِنْ عمله وتصرُّفِه، ومِنْ شرط التوبةِ التخلُّصُ مِنَ المال الحرام.
ونظرًا لِتعذُّرِ وجودِ المقدار المعلوم الواجبِ إخراجُه في الحال؛ فإنَّ الأمر يستدعي تخصيصَ نصيبٍ مِنْ مدخول الدكاكينِ على وجه الاستمرار بقصد الإخراج، حتَّى يَفِيَ بالمقدار الماليِّ المحرَّم الذي حَصَلَ عليه الوالدُ بعقدٍ باطلٍ غيرِ شرعيٍّ لتَبْرَأَ ذِمَّتُه، ويبقى ما بَقِيَ حلالًا ـ إِنْ شاء الله تعالى ـ.
ويُنْفِقُ المالَ الحرام في إصلاح المَرافِقِ العامَّةِ وفي مُخْتَلَفِ وجوه البِرِّ كإعطائه الفُقَراءَ والمَساكينَ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابُ مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجالسَ (٤٨٣٢)، والترمذيُّ في «الزهد» بابُ ما جاء في صحبة المؤمن (٢٣٩٥)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٣٤١).