شتّان بين الجدل السطحي والحوار الفكري
1- الإنسان كائن متسائل لهذا فهو مجادل بالفطرة.. والجدال أبسط أنواع الحوار لأنه أداء سطحي إجرائي وليس فكريًا.. ففي الجدال أنت لا تبحث عن الحقيقة وإنما عن نقض قول الطرف الآخر.. كما أنه بلا غاية لذا فهو بلا نتيجة.. يقابله الحوار الذي له غاية وهي البحث عن المساحات المشتركة من مصالح وأهداف لبناء تفاهم مشترك يقود إلى التكامل والتعاون أو على الأقل التعايش.
2- الحوار والجدال منهجان فكريان.. وشكلان من أشكال التواصل الإنساني وطرق التفكير والفهم والتفسير والتأويل والفحص والمحاكمة والمزاحمة والمماحكة وموقف الضد واشتقاق التصورات وإصدار الأحكام.. كما أن الحوار أو الجدال لا يتم أحدهما إلا بوجود طرف آخر.. ولا يقوى أي منهما إلا إذا احترم كل من الطرفين قدرة الآخر.. وإذا كان الحوار محاولة للاتفاق والبحث في المساحات المشتركة فإن الجدال محاولة للاختلاف والبحث في مناطق الخلاف.. ويتفق الحوار مع الجدال في أنهما يقومان على مهارة طرح الحجج والبراهين وبلاغة العرض وتكتيكات الطرح.. مع الاحتفاظ للحوار بسبب الوجود فالأصل في الكلام الحوار.. والاحتفاظ للجدال بأسبقية الوجود.. على أساس أن الإنسان تعلم التفكير المخطط في مراحل متأخرة من تاريخه.
3- الجدال تلقائي حي مباشر لهذا يدفع للتفكير خارج الصندوق والمعتاد.. ويقود للاكتشاف والتشخيص وإضاءة الزاوية التي تم إغفالها.. كما أنه يشحن الحوار بالطاقة فهو إحدى وسائله.. أما في الحوار يتفق المتحاوران على الغاية من الحوار وأهدافه.. ويستفيد الطرفان من الأفكار التي تولدت من الحوار.. أي أن كل طرف يمكن أن يتبنى الأفكار المطروحة داخل الحوار فهي فكرة المتحاورين معًا.. أما الجدال فهو تناظر وتقابل يغلب عليه التنافر والتضاد.. كل له فكرة غير متفق عليها من الآخر.. كما أن تكتيكات الجدال وخطواته تنحو منحى التفخيخ والتصيد وتسفيه الرأي الآخر.
4- الحوار مفتوح قابل للتمديد في زمنه وللتجديد في موضوعه وفي أهدافه وغاياته.. بينما الجدال مغلق على الموضوع ذاته ومقفل أمام أي تجديد أو تمديد..
ولأن المصلحة تحرك الحوار والنقد يحرك الجدال يكون الحوار هادئًا بينما الجدال متوترًا..
أيضًا الحوار كل أما الجدال فجزء..
ونتيجة الحوار التفاهم ونتيجة الجدال التنافر..
كما أن المجادل موضوعه السطح والمظهر.. بينما المحاور موضوعه العمق والجوهر..
وإذا كان الجدال يقول على التشكيك وفتح الثغرات في قلب كل معرفة.. فإن الحوار يقوم على الموثوقية وتلمس أي معرفة في أي ثغرة..
لذلك تكون نتيجة الحوار دائمًا التعايش ونتيجة الجدال غالبًا الفتنة.
5- الحوار يقنع العقول المفكرة.. الجدال يهيج الغوغاء
----------
assakina
للكاتب : م .عبد المحسن بن عبد الله الماضي ــ الجزيرة