هل تعالج الإصلاحات الاقتصادية في السعودية مشاكلها المالية؟شهد الاقتصاد السعودي أسبوعا مهما، فقد عمدت الرياض إلى خفض الانفاق العام، وتراجعت عن سياستها الخاصة بضخ النفط التي استمرت 18 شهرا لتخفض الإنتاج بواقع 350 ألف برميل.
وارتفعت أسعار النفط بنسبة 5 في المئة على ضوء هذه الأنباء، وكان رد الفعل مبالغ فيه بكل تأكيد. لكنه هذا التطور كان محل ترحيب من جانب الدول المنتجة للنفط. فهذه الدول تريد تحسنا في إيرادات حكوماتها التي تراجعت لـ18 شهرا.
ويشير التغيير في سياسات المملكة إلى أن الوضع المالي غير جيد. ويبدو أن سعي السعودية للحفاظ على حصة سوقية من خلال زيادة الانتاج والإبقاء على سعر النفط منخفضا عاد بنتائج عكسية.
ونظرا لعدم قدرتها على تحمل انخفاض الأسعار لفترة طويلة، فقدت السعودية نحو 180 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية، في الوقت الذي تبحث فيه عما يغطي عجزا هائلا في نفقات الحكومة.
وكانت القيادة السعودية، بتوجيهات من ولي ولي العهد محمد بن سلمان، منفتحة بشكل كبير بشأن مدى المشكلات.
وخلال مقابلة مع مجلة "بلومبيرغ" في أبريل/نيسان، تحدث كبير المستشارين الماليين للأمير محمد عن واقع قاتم يتمثل في أن الدولة تهدر 100 مليار دولار سنويا في شكل نفقات سنوية غير فعالة وصفقات تجارية غير واضحة المعالم، مضيفا أن الوضع سيتدهور "بحلول 2017" مالم تتخذ خطوة كبيرة لتغيير مجرى الأحداث.
يتعين على السعودية اتخاذ بعض الإجراءات المالية المؤلمة كي تصبح قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية. ويشمل ذلك إجراءات تتعلق بالاقتصاد وتطول العاملين في القطاعات الحكومية.
وثمة حاجة إلى خفض الانفاق الحكومي، كما يتعين رفع الدعم المفروض على البضائع والخدمات اليومية مثل الطاقة والمياه والوقود.
وأخيرا وليس آخرا يلزم خفض الانفاق على الرواتب، وهو ما يعني أن الناس إما أن تفقد وظائفها أو تفقد حوافزها المالية.
وبالنظر إلى أن المجتمع السعودي يبني ويعزز العلاقات الاجتماعية فيما يتعلق بتوفير الوظائف الحكومية، فسيكون لتسريح العمال مردود سلبي.
ويعني ذلك أن الرواتب الحكومية لابد من خفضها، وحددت الحكومة السعودية في يونيو/حزيران هدفا يقضي بخفض النفقات على الرواتب بواقع 24 مليار ريال (6.4 مليار دولار) سنويا بحلول عام 2020.
وليس من المستغرب أن يجري إصدار مجموعة من القرارات الملكية مساء الاثنين تقضي بخفض الرواتب بواقع 20 في المئة، وتقليص الأجازات مدفوعة الأجر والبدلات وأيضا خفض المكافآت.
وتتفق جميع هذه التخفيضات مع الرؤية الواسعة التي حددها الأمير محمد في وقت سابق من العام.
وتهدف الخطة المعروفة باسم "رؤية 2030" إلى وضع خطة كبيرة لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي والتنوع بعيدا عن صادرات المحروقات من خلال تشجيع السعوديين على الانضمام للقطاع الخاص وخصخصة أقسام في شركة أرامكو، عملاق إنتاج النفط الذي لا يزال عنصرا مهما في الدخل السعودي والإيرادات المحلية.
لكن على الرغم من جميع أهدافها السامية، فمن غير المحتمل أن يجري تطبيق الرؤية بالكامل، ومن المعقول أيضا افتراض أن رؤية 2030 ليست مصممة لعلاج المشكلات المالية السعودية.
تأثير اجتماعيإذا تحقق ذلك، واستطاعت الأسرة الحاكمة إقناع مواطنيها بأن أوقات الرخاء قد ولت، فسيكون الوضع جيدا في الوقت الراهن.
وتتمتع أسرة آل سعود بشعبية واسعة النطاق ودعم داخل نطاق المملكة، ولا يدخر الأمير الشاب وفريقه جهدا في التحذير من أن التقشف قادم على الأبواب.
لكن التحذير بشان إجراءات تقشف شيء، وتطبيقها شيء آخر.
فمع تطبيق المزيد من تدابير التقشف، يبدو أن الطبقة المتوسطة السعودية ستنضم إلى الطبقة "المتوسطة المضغوطة".
ومن المؤكد أن أصحاب الدخل المتوسط في السعودية هم من سيعانون خلال الأشهر والأعوام المقبلة.
وسيؤثر خفض الدعم والرواتب على هذه الشريحة المتوسطة أكثر من غيرها، بعبارة أخرى سيؤثر على أولئك الناس الذين لا يملكون سوى ما يكفي لنفقات المنزل وتعليم الأبناء.
ولذا، فإن ارتفاع الفواتير وتراجع الدخل في نهاية الشهر سيضغط بشدة على هذا القطاع المهم في الاقتصاد السعودي.
ومن خلال مراقبة الوضع من الخارج، يبدو أن خفض الانفاق العام المتضخم هو الشئ الصحيح عمله حاليا، وهو أمر طال انتظاره، غير أنه سيكون له تأثيره الاجتماعي الذي لا يمكن أن يتنبأ به أحد حاليا.
تتحرك السعودية نحو فترة صعبة يتعين خلال على مواطنيها قبول تراجع في الدخل مع الإبقاء على ثقتهم في أن الأسرة المالكة تقود البلاد نحو الاتجاه الصحيح.