تتذكر عندما كانت ضربات قلبها تكاد تنطق باسمه حتى ليكاد الجميع يعرف بحبها له وولها به، لم تكن هي وحدها المتيمة به في فترة خطبتهما، هو الآخر كان يهيم بها. كان كلاهما يفهم الآخر من نظرة عين واحدة. وكان كلاهما يحرص على إرضاء الآخر ولو كان الأمر على حساب ذاته. في السنة الأولى من الزواج، استمرت تلك المشاعر مع بعض المشاحنات البسيطة بين الحين والآخر، لكنها كانت مشاحنات من النوع الذي يحدث بين أي زوجين. شيئا فشيئا باتت تنظر إليه، فلا يعير نظراتها اهتماما، ترتدي أحلى ما عندها في انتظار كلمة إطراء، فيطلب منها إعداد كوب من الشاي، تحاول أن تبثه عواطفها وإحساسها بإهماله لها، فيشيح عنها بوجهه متصفحا بعض أوراق عمله، وهو يؤكد أنها حبه الأول والأخير. بمرور الوقت تبدلت مشاعرها هي الأخرى لتنصب على أولادها، الذين باتوا في مراحل مختلفة من التعليم، وتسعى بكل جهدها التوفيق بين مذاكرتهم وتمرينات النادي وغيرهما. ومع الوقت، أصيب حبهما بسكتة قلبية فشلت فيها كل المحاولات لتنشيطه وإعادة الحياة إليه، السؤال الذي فرض نفسه حينها: هل كانا واهمين بالحب في فترة الخطبة، أم أنهما لم يعرفا كيف يحافظان على مشاعر الحب؟.
هذه حالة واحدة لا تختلف عن حالات الآلاف من الأزواج الذين يبدؤون حياتهم بقصة حب ملتهبة المشاعر ساخنة الأحاسيس، وما هي إلا أشهر قليلة حتى تنطفئ جذوتها ويحل محلها برود قاتل. البعض يلقي باللوم على التعود، فكل من الزوجين بات يرى الآخر كل يوم ويعرف عن الآخر كل شيء، وبالتالي اختفى الغموض الذي كان يحيط بعلاقتهما ويمنحها نبضها، والبعض يرى أنها الصدمة التي تتبع عملية الاكتشاف الحقيقي لشخصية الآخر وميوله، والبعض الثالث يرى أن ما نؤمن به من مشاعر الحب ليست سوى أوهام نحيا بها بسبب بعد الحبيب وعندما يصير في متناول اليد ينتهي كل شيء. ويدلل الفريق الأخير على رأيه بمقولة ساخرة مفادها أنه لو قدر لأبطال قصص الحب الخالدة الزواج، لما استمر الحب بينهما ساعة واحدة وما خلدهما التاريخ. «مشكلة المحبين الذين تنتهي قصص حبهم بالزواج، أنهم ينظرون للزواج على انه الغاية وليس الوسيلة».. هكذا بدأ الدكتور ممتاز عبد الوهاب، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، حديثه متابعا: «كل طرف في فترة ما قبل الزواج يبذل قصارى جهده لإضفاء السعادة على من يحب، فيمنحه العاطفة والاهتمام والتركيز والمشاركة، وهي قواعد أساسية يقوم عليها الحب، لكن بعد الزواج، يظن كل طرف أنه قد حصل على خطاب ضمان معتمد تعارف الناس على تسميته بوثيقة الزواج، تعيق محاولة أي طرف من الهروب من الطرف الآخر، متناسين أن الهروب قد يكون معنويا وفكريا قبل ان يكون جسديا. من هنا تتراجع العاطفة لتحل محلها العادة»، يضيف: «عندما يفقد كل طرف الرغبة في إرضاء الآخر ويرى أن اهتماماته مجرد أمور خاصة به فقط، لا بد أن يحدث الانفصال النفسي بين الزوجين وأن يموت الحب لا بالسكتة القلبية، لكن برصاصة في القلب، على رأي المبدع توفيق الحكيم».
من ناحية أخرى، يرى بعض علماء النفس أن السبب يعود إلى اعتقاد البعض أن العلاقة الحميمية بين الأزواج هي الهدف الرئيسي من الزواج، وهو ما أكدته دراسة أجراها البروفيسور سيندي هازان، الأستاذ بجامعة كورنيل بنيويورك، منذ عدة سنوات على عينة تضم 5 آلاف رجل وامرأة ينتمون إلى 37 ثقافة مختلفة على مستوى العالم المتقدم والمتخلف. الدراسة كانت عبارة عن مجموعة من الاختبارات النفسية والبيولوجية لقياس مستوى الحب بين كل اثنين متحابين. النتيجة كانت أنه لا يوجد حب يمكنه الاستمرار مدى الحياة، حيث أكدت الدراسة أن الحب لا يعيش مع العلاقة الحميمية إلا لمدة أربع سنوات كحد أقصى، ثم يموت بعدها. بينما يبقى حسن المعاشرة والود. يذكر أنه ومنذ نحو العامين تقريبا، كان الباحثون في لندن كوليدج قد أكدوا من خلال إحدى الدراسات، أن الحب أعمى، لأن الوقوع فيه يؤثر في دوائر رئيسية في المخ. كما توصل الباحثون إلى أن الدوائر العصبية، التي ترتبط بالتقييم الاجتماعي للأشخاص الذين نتعرف عليهم، تتوقف عن العمل عندما يقع الإنسان في الحب، وهو ما يفسر أسباب تغاضي بعض الأشخاص عن الأخطاء أو الصفات غير المرغوب بها فيمن يحبون، وهو التأثير، أو الغشاوة التي قد تزول مع مرور الوقت ليكتشف كل طرف حقيقة الآخر ويكون إيذانا بانتهاء الحب.
بعيدا عن تلك الدراسات التي قد تكون صادمة للبعض، يرى الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن الحب بين الزوجين يشبه إلى حد كبير رصيد الإنسان من المال الذي يضعه في أي بنك من البنوك. بمعنى انه كلما زاد رصيد كل طرف لدي الطرف الآخر، يستطيع كلاهما السحب على المكشوف. ويفسر الدكتور الرخاوي حديثه قائلا: «الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وكلنا نمر بحالات متباينة تتقلب بين الحين والآخر، حتى العواطف ليست ثابتة القيمة والمعدل. وهو ما تؤكده أغنية نانسي عجرم «يا طبطب وادلع يا يْقولي أنا اتغيّرت عليه». لكن الزوج أو الزوجة الذكية، هو من يضع في رصيد الآخر المزيد من اللحظات الحلوة التي تتجمع في النهاية إلى رصيد كبير. بعبارة أخرى، عندما تأتي اللحظات العجاف، يعتمد على مخزون الإنسان من تلك العواطف لكي تستمر الحياة من دون أن تفتر المشاعر بين الزوجين». ويشير دكتور الرخاوي إلى جزئية مهمة بقوله: «الرصيد الذي يضعه كل طرف لدى الطرف الآخر، لا يقتصر على الهدايا أو الخروج في نزهة أو دعوة عشاء، لكنه يشمل المشاركة في تحمل المسؤوليات وتلبية الاحتياجات النفسية والعاطفية لكل طرف، وتحمل لحظات الضعف والغضب التي قد يصاب بها أحد الزوجين في وقت ما».
العديد من الأزواج يتهمون الزوجة بعدم قدرتها على الإنصات الجيد، رغم أنها واحدة من أكثر الصفات التي تجذبه لها، المشكلة أنها غالبا ما تتظاهر بامتلاكها في فترة الخطبة، لتتخلى عنها بسرعة بعد الزواج، عندما يحدثها عن لعبة التنس، ترد عليه بحديث عن أصناف الطعام التي تفضلها والمشاكل التي واجهتها مع الأبناء. ومن بين النكات التي أطلقها المصريون، نكتة تقول انه في فترة الخطبة تصمت المرأة ويتكلم الرجل، وفي العام الأول من الزواج يصمت الاثنان وفي السنة السابعة يستمع الجيران لخلافاتهما!.
ويؤكد دكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس، أن من بين الأمور المهمة لاستمرار الحب بعد الزواج التغاضي عن عيوب الطرف الآخر وأخطائه الصغيرة، والتركيز على الميزات والايجابيات التي من شأنها خلق الاعتزاز بالآخر وبأهميته في الحياة المشتركة بين الزوجين، ففي النهاية لا أحد كاملا، خصوصا أن استمرار الحب بعد الزواج له أهمية كبيرة على الناحية الصحية للزوجين. كما تؤكد بعض الأبحاث الصادرة أخيراً، التي تفيد أن العلاقات الزوجية التي يسودها الحب والتفاهم ترفع نسبة المناعة في الجسم وتقلل من خطورة التعرض لأزمات قلبية، من خلال المحافظة على نسبة هرمون الضغط العصبي في مستوى منخفض. وأكدت الدراسة أن الكلمات الجميلة والأحاسيس الدافئة لها تأثير كبير في استمرار الزواج المثالي