ليكن لك كهف
كلنا يحزن ، ويألم ، وتضيق عليه الدنيا بما رحبت .
إما بفعل كبوة شديدة ، أو تجربة أليمة ، أو حتى بسبب زلة أو خطأ وقعنا فيه.
حينها يحتاج المرء منا لمساحة من الهدوء والسكينة يراجع فيها نفسه ،
عله يجد مخرجا أو فرجة تخفف عنه ألم أيامه وشدة ما يجد من الحزن و الهم .
هناك لحظة يا صديقي تحتاج فيها إلى أن تدخل كهف وجدانك لتعتكف فيه وقتا تراجع فيه حساباتك ،
وتُقيم خطواتك ، وتقرر ما يجب عليك فعله .
تحتاج أن تعتزل الحياة الهادرة للحظات ، تكاشف فيها نفسك وتكشفها ،
تُطمئن فيها روحك ، وتتابع فيها منحنى طموحاتك وأحلامك وأمانيك ،
تبكي فيها على خطئك وزلتك ،
وتعد فيها القرابين والأعمال الصالحة التي ستقدمها بين يدي خالقك كي يعفوا عنك .
يخبرنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن :
خذوا بحظكم من العزلة .
والعزلة نوعان ، نوع إيجابي والتي تكون بين وقت وآخر ، نشد فيها الأزر ونستمد منها الهمة ،
وعزلة سلبية نسقط فيها بغير إرادتنا ونبكي خلالها بكاء عديمي الحيلة ، ونجتر فيها أحزان الماضي وآلامه .
العزلة الأولى واجبة ومهمة ولا يجب أن نستهتر بها أو ننظر إليها بغير اكتراث ،
والعزلة الثانية بغيضة يجب أن تهرب منها وتسد الأبواب أمام هتافها الخادع المزيف .
أصحاب الكهف يا صاحبي اعتزلوا العالم وآووا إلى الكهف يشدون فيه من أزر بعضهم البعض ،
ويأخذون على أنفسهم المواثيق والعهود بألا يرضخوا تحت ضغط قومهم في النكوص عن الدين الحق ،
حينها نشر عليهم ربهم من رحمته ، وأعطاهم من لدنه مخرجا مما هم فيه .
أيضا الحبيب عليه الصلاة والسلام ، عندما أتعب قلبه ظلام الكفر والفسوق اتخذ لنفسه كهفاً ـ غار حراء ـ
خلا فيه إلى نفسه يتأمل بعمق اضطراب الحياة وضلال بني البشر ،
فكانت فترة العزلة هذه أهم الفترات في حياته عليه الصلاة والسلام ،
وفيها نزل عليه الأمر بالتكليف ، وبدأت مرحلة النبوة .
والله عز وجل ينتظر منا أن ندخل كهف نفوسنا ،
يريدنا أن نسير بين أزقة الروح ودروب النفس لنكشف ونصارح ونقرر ما يجب علينا فعله .
فالجأ إلى كهفك كما فعل أولوا العزم والرسل وأصحاب الرسالات العظيمة ،
لينشر لك ربك من رحمته ، ويجعل لك من لدنه مخرجا .
إشراقه :
العِزُّ في العزلةِ لكنهُ ... لا بُدَّ للناسِ من الناسِ
منقول