صناعة السيوف عبر التاريخ
احتل السيف المكانة الأولى بين الأسلحة عند العرب قبل الإسلام وبعده حيث كانوا يعتبرنه أهم الأسلحة وأشرفها ففي المجتمع العربي القديم قيل في السيف إن العرب كانت تطعن به كالرمح وتضرب به كالعود وتقطع به كالسكين وتتخذه سراجاً في الظلمة وأنساً في الوحدة وجليساً في الخلاء ورفيقاً للسائر، وهو قاضي القتال وفيصل الحكم بين الرجال.
والسيف هو الذي يتسلح به المحارب ويعد أهم قطعة سلاح تمتلكه الجيوش في الماضي، ويحدد مسار المعارك متى ما وظف لذلك مع وجود الرجال المحاربين الأشداء. فكان هذا السلاح يعطي لحامله الهيبة والاحترام والوقار.
ولقد كان السيف خير زاد يتزود به الرجل المؤمن ويتسلح به أيام بناء نواة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بعد أن هاجر إليها الرسول الأكرم والصحابة المهاجرين من مكة المكرمة بعد اشتداد أذى قريش بالرسول وصحابته وتعذيبهم لمن آمن بدعوته وأتبعه وما تتطلبه الظروف السياسية والدينية للدفاع عن مقدسات الإسلام ونشر رايات التوحيد الإلهي فكان رمزاً للجهاد في سبيل الله، فحمل المسلمون الأوائل على عاتقهم هذه المسئولية الإلهية الكبيرة في نشر الدعوة الإسلامية في أصقاع الأرض وتطبيق الشرع المنزل على نبيهم محمد بالحث على الجهاد وإعداد القوة اللازمة لنشر الدين والمحافظة على المكتسبات الإسلامية حيث يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المنزل: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.
ولقد وقف السيف العربي والإسلامي على مر التاريخ الغابر شريفاً مدافعاً عن الحق ناشراً لعدالة السماء التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على النبي الأكرم محمد .
وأن التصور الإسلامي للحرب ليس للحرب فقط أو التسلط أو ممارسة الجور والظلم والطغيان أو سلب الناس حقوقهم أو اقتلاعهم من أماكنهم وأراضيهم، بل كان لنشر العدل والحق ونشر المبادئ الإسلامية السمحة التي تدعو للمساواة بين الناس على مختلف دياناتهم وانتماءاتهم العرقية[1] .
فكان للسيف مكانة رفيعة وعظيمة للإنسان العربي المسلم منحته التبجيل والإجلال لهذه القطعة من السلاح فبرع بالتفنن في صناعتها وزخرفتها وصياغتها، بل زاد وطور من أداة فاعليتها. وتفنن الإنسان العربي أيضا باستخدام الألفاظ وتعدد الأسماء المختلفة وأطلقها على هذه القطعة العزيزة عليه.
بداية استخدام الحديد وصناعه السيوف
كانت أول أدوات الحديد التي شكلها الإنسان والتي أمكن تأريخها كانت من أصل الشهب التي كانت تسقط من السماء على الأرض نظراً لخواص هذا الحديد التي تشبه خواص الصلب نظراً لوجود نسبة عالية من النيكل به. وهناك دلائل تثبت أن الإنسان قد أتقن عمليات الاًختزال بنار الفحم النباتي وأنتج أشياء بسيطة من الحديد من الماجنتيت والهيماتيت وذلك في مواقع ببلاد ما بين النهرين بالعراق مثل تل اسمان، وشجر برار، ومارى في سوريا والتي يرجع إلى تاريخ 2500 ق.م.
وقد أطلق السومريون على الحديد الطبيعي اسم معدن السماء وأطلق عليه المصريون القدماء نحاس اسود من السماء. وبدأت صناعة الحديد مع ظهور مملكة الحيثيين في الألف الثالث قبل الميلاد وتحكموا بسوقه ونبع من منطقة أرمينيا الغنية بخاماته. وقد صنع الحديد المطاوع منذ العام 1900 ق.م وما أن هل النصف الثاني للألف الثانية قبل الميلاد إلا وقد عرفت واستخدمت كل الأساليب التكنولوجية المعروفة أن ذاك مثل الكربنة، والتسقية، والتطبيع، وقد عرف ذلك العصر بعصر الحديد.
بداية صناعة السيف
لم تكن صناعة السيف في البداية تتم بالحديد الخالص بل كانت بالحديد والبرونز معاً منذ العام 1650 ق. م. وأقدم أداة حديدية مشكلة بالطرق عثر عليها وأمكن تأريخها هو خنجر صنع في مصر القديمة قبل سنة 1350 ق.م[2] .
وقد توالت صناعة الأدوات الحربية من الخناجر والسيوف بعد هذا التاريخ، وتطورت صناعتها وأشكالها وانتشرت انتشارا واسعاً في معظم البلدان والأمصار خصوصاً بلدان الشرق الأدنى كبلاد فارس وبلاد الشام والعراق والحجاز ومصر، وفي بلاد الأندلس بعد أن فتحها المسلمون، أما في منطقتنا فكانت القطيف على مر التاريخ كانت تصنع السيوف والدروع والرماح والتي فاقت كل صنعة فكانت تعرف بالرماح الخطية نسبة إلى بلاد الخط، وحتى وقت فترة الوجود البرتغالي بالمنطقة في القرن السادس عشر الميلادي (1527 م) كانت القطيف مشهورة بالتصنيع والتصدير لتلك الأسلحة.
أجزاء ومسميات السيف
1- الذؤابة
2ـ المضرب
3- الغرار - الظبه - الحد - الشفرة
4ـ الكل
5ـ الخلد ـ الصفحة
6ـ النسخ - السنبلة
7ـ الشاربان
8- القائم
9- السيلان
10ـ القبيعة
أسماء السيف
تزخر اللغة العربية بوجود العديد للأسماء المختلفة وتعدد المسميات الدالة على نفس الشيء وهذا يدل على عظمة وقوة اللغة العربية حيث تعود العرب أن يخلعوا على ما يحبون من طير أو حيوان أو جماد أسماء تقديراَ وتمييزاَ عن غيرها. فالسيف في اللغة الذي يطعن به، والجمع أسياف وسيوف وأسُيف، وأنشد الأزهري في الجمع:
كأنهم أسُيف بيض يمانية عضب مضاربها باق بها الأثرُ
وساف ضرِب بالسيف، وسايفه أي جهزة، والسياف هو صاحب السيف والضارب به وصانعة، والتضارب به يُسمى مُسايفة والمقاتلون: سيافة. ويرتبط اسم السيف في تراث الحروب والآداب الشعبية بالشرف على عكس الخنجر الذي يرتبط في الأذهان بالغدر والخيانة. و يوجد في اللغة العربية 300 أسم للسيف وكل أسم له معنى دقيق دال على ذلك ومن تلك الأسماء:
1- الصمصام وهو السيف الذي لا ينثني.
2- البارقة وهو السيف الذي له بريق.
3- الدالق السيف سهل الخروج من الغمد.
4- المشمل سيف صغير يشتمل علية الرجل بثوبه.
5- الصحيفة اسم للسيف العريض.
6- الحسام السيف القاطع أو الحاد وحسام السيف أي طرفه الذي يضرب به.
7- الارقد السيف غليظ المتن.
8- الدائر اسم للسيف الذي قدم عهدة بالقتال.
9- الدوان السيف الذي لا يقطع.
10- الساذج السيف الذي لا نقش على نصله.
11- المهند اسم للسيف الرقيق الحد [3] .
12- الهندي اسم أطلقته العرب على السيف يرجع إلى مكان صناعته.
13- البتار السيف القاطع وبتر الشيء أي قطعه.
14- الصارم السيف القاطع.
15- الخذام مخْذم وخَدام ُ سرعة القطع.
16- المنصلِِِ.
17- الفيصل.
18- القرضاب السيف الذي يقطع العظام.
19- اللج السيف المهول تشبيهاً بلُج البحر.
20- القاطع.
21- العضب السيف القاطع العضب الشيء المقطوع.
22- الرسوب السيف الذي يغيب أو يمضي في الضريبة [4] .
وأمة العرب والمسلمون هم اًَمة السيف والجهاد ومن مميزات سيوفهم القصير والخفيف وكانت تستخدم السيوف المستقيمة في أول عهدهم في العصر الجاهلي وصدر الإسلام ويظهر من خلال أشكال السيوف التي وردت على بعض المسكوكات مثل دينار عبد الملك سنة 77 هـ ودينار الطائع لله سنة 365 هـ وعلى بعض الأواني الخزفية والبرونزية وفي الصور الموجودة في مخطوطات عديدة حتى القرن العاشر الهجري وبعدها استخدم السيف المقوس. ومن مميزات السيف المقوس عن السيف المستقيم أن الأول عند البتر يكون أسرع حركة في الرفع والشد وهذا اقتضته طبيعة الكر والفر واستغرق هذا التحول عدة قرون، وقد تأثر السيف الإسلامي بعد القرن الخامس الهجري بالسيوف التي وردت مع قبائل المغول وهي قليلة الانحناء وتنتهي برأس مفلطح يحمل حداَ في الثلث الأخير من السيف.
وتقديراً لمكانه السيف في حياة العرب والمسلمين سميت أبنائهم به فهناك اسم سيف، سيفين، سيوفي، أو يضاف التعريف إليه مثل اسم السيافي. أو بعض الأسماء المركبة مثل أسم سيف الدولة، سيف الحق، سيف الدين، سيف الإسلام، وأيضا الأسماء التي أطلقتها العرب على أسماء السيف فهناك اسم مهند وأسم حسام، حازم، صمصام، مخذم، فيصل، بارق، وغيرها من الأسماء التي ذكرناها في تعريفنا بأسماء السيف. بل إن هناك أسماء مدن ومواقع في البلاد العربية والإسلامية تحمل نفس الأسماء.
وهناك قادة كبار في تاريخ الأمة العربية والإسلامية ارتبطت أسمائهم باسم السيف ومن أشهرهم:
• سيف بن ذي يزن البطل العربي في الجاهلية قبل الإسلام وهو احد ملوك مملكة حمير في جنوب الجزيرة العربية والذي عاش في الفترة من 516 - 574م والذي يعود له الفضل في طرد الأحباش من اليمن بعد أن استعان بكسرى الفرس.
• سيف الدولة الحمداني وهو أحد القادة المعروفين في أمارة الحمدانيين في حلب والذي أشتهر بحروبه مع البيزنطيين وحمى الثغور الشمالية لبلاد الشام في القرن الرابع الهجري.
• سيف الدين محمود سبتكين مؤسس الدولة الغزنوية 384هـ 994 م.
• صاحب الوزارتين (ذو الكفاءتين) أبن العميد، صاحب السيف والقلم في عهد الدولة البويهية متلازم مع عهد الشاعر أبو الطيب المتنبي.
• سيف الدين قطز ملك دوله المماليك في مصر سنه 658هـ حيث اشتد عودها وقويت في فترة حكمه ووقف الزحف المغولي بعد أن أجتاح العراق ودمر وأحرق البلاد والمكتبات وأنتصر عليهم في معركة عين جالوت سنة 660هـ واستعادت دولة المماليك جميع مدن الشام[5] .
• سيف بن زامل الجبري مؤسس إمارة الجبريين في الأحساء مع العقد الثالث من القرن التاسع الهجري حيث أطاح بأمارة أل جروان وأعلن نفسه حاكماَ على الأحساء والقطيف [6] .
وهناك صحابه وقادة عسكريين أطلق عليهم كنية باسم السيف كخالد بن الوليد حيث سمي سيف الله المسلول حيث فتحت على يديه بعض الأمصار الإسلامية وشارك في فتوح بلاد الشام
السيوف المشهورة عند العرب
• الصمصامة وهو سيف عمرو بن معد يكرب الزبيدي وهو من أنواع السيوف المجوهرة وفيه يقول الشاعر أبو الهول الحميري:
أخضر اللون بين حديه نور من فرند تمتد فيه العيون
وكأن الفرند الجوهر الجاري على صفحتيه ماء معين
وكان من أشهر السيوف العربية وقد وهبه لعامل الرسول في اليمن خالد بن العاص بعد إسلامه.
• المستلب سيف لعمرو بن كلثوم التغلبي
• القرين سيف لزيد الخير النبهاني الطائي.
• رسوب مفخم سيف للحارث بن أبي شمر الغساني [7] . وعليه قول علقمة فيه:
مظاهرٌ سريالي حدَيد عليهما عَقملا سُيوف مخدوم ورَسُوبُ
• ذو الوشاح سيف الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
• الألوق ذو القرط سيف خالد بن الوليد.
• المَلأ سيف سعد بن أبي وقاص. [8]
• ذو الفقار سيف الإمام علي وهو من اشهر السيوف الإسلامية على الإطلاق فقد غنمه المسلمون في معركة بدر الكبرى من العاص بن منبه السهمي وكان من نصيب الرسول وقد أهداة للإمام علي وهو من الجوهر الخالص وبه ثماني عشر فقرة [9] .
وقد تجلى هذا السيف وحامله في الحروب والغزوات الإسلامية اللاحقة خصوصاّ في معركة أحد والأحزاب وحنين، فكلمة لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي كلمة قالها جبرائيل سيد الملائكة وذلك في معركة أحد عندما واسى رسول الله بنفسه مواساة عجبت لها ملائكة السماوات وفيها يقول حسان بن ثابت:
جبريل نادى في الوغى والوقع ليس بمنجلي
والمسلمون بأسرهم حول النبي المرسل
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي
وكقوله في مكان آخر يقرن الشجاعة بعلي وآل هاشم ويشير إلى اسم السيف وهو العضب:
ذكرت القروم الصيد من آل هاشم ولست لزور قلته بمصيبِ
ألم يقتلو ا عمراً وعتبة وابنهُ وشيبة والحجاج وابن حبيبِ
غَدَاة دَعا العاصي عَلياً فراعَهُ بضربة عَضْب بلهُ بخضيب [10]
وتعد اشرف السيوف وأكرمها سيوف النبي الأعظم محمد حيث كان لديه أكثر من سيف وكان سيف الرسول الذي دخل به مكة المكرمة فاتحاً كان محلى بالذهب والفضة ومن السيوف التي يملكها سيف يدعى قلعي وسيف يدعى البتار وسيف يدعى الحتف وقد غنمها الرسول من بني قينقاع كما كان لديه سيف يدعى المخدوم وآخر يدعى الرسوب وأيضاً لديه سيف يسمى مأثور الفجار وسيف المعور وأخيراً العضب وفيه يقول الشاعر:
لهادينا في الأسياف تسع رسوب والمخدم ذو الفقار
قضب حتف والبتار عضب وقلعي ومأثور الفجار
فكانت معظم السيوف في الحجاز مما يجلب إليها بالتجارة من اليمن والشام وغيرها ولم تكن تخلو الحجاز من هذه الصناعة فقد اشتهر عن الخباب بن الأرت رضي الله عنه أنه كان قيناً بمكة يصنع السيوف وقد صنع يوماً للعاصي بن وائل السهمي سيوفاً فلم يعطه أجره فقد كان في المدينة جماعة كبيرة من اليهود اختصت بصناعة السيوف وغيرها من الأسلحة مستغلين بذلك احتقار العرب لمن يقوم بالحدادة، فاتقنوا هذه الصناعة وقد كانت كثير من السيوف المستعملة لدى كبار القوم في قريش مرصعة بالفضة والذهب زيادة في إكرامها.
وقد وصف سيف أبو جهل الذي غنمه المسلمون في معركة بدر بعد قتله بأنه سيف قصير عريض وقد حلي بحلق الفضة. وقد كان أهل الحجاز يعرفون صقل السيوف ويراعونها ويشحذونها بالحجارة وكذلك عرفوا أيضاً وأتقنوا سمها [11] .
السيوف غير الحربية
1 - سيف المبارزة: ويطلق عليه السيف الرياضي ونصله رفيع مثلث من الفولاذ الصلب ذو رأس مسطح ويستخدم في مباريات المبارزة الرياضية ويسمى سلاح الشيش ولا تفضي المباريات إلى القتل أبداً، وهي بهذا تختلف عن مباريات العصور الوسطى في القرن الثامن عشر الميلادي.
2 - السيف الكهربائي: أحد سيوف المبارزة الرياضية ويتصل مقبضه بجهاز كهربائي بواسطة شريط يسري فيه التيار الكهربائي كي ينير إذا لمس السيف الخصم وبالتالي تحتسب هذه اللمسة لصالح صاحب السيف.
3 ـ السيف الاحتفالي: سيف منحني النصل قليلا يستخدم عادة في المناسبات الرسمية والشعبية وفي الاحتفالات العائلية، وهو مازال منتشراَ في كل بلاد الخليج وبعض بلاد الشام والعراق ويمثل لهذه الشعوب جزءاَ من صميم التراث العربي التقليدي وأيضاَ في تزيين المجالس والأماكن الرسمية في بعض الدوائر بوضع السيف في مكان بارز للرؤيا أو في أماكن عرض.
4- سيف الإعدام: استعمل هذا السيف لإنزال العقاب بالآثمين ممن يرى الحاكم منهم مصدر للضرر أو القتلة [12] .
وكان أشهر السيافين مسرور سياف ألف ليلة وليلة الذي كان يعمل في بلاط شهريار. واستعمل هذا السيف في بلاد مختلفة من العالم ومن أشهر من اعدموا بالسيف الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد من أصحاب المعلقات في سنة 560م، والملكة أن في برج لندن بانجلترا عام 1536 م، ثم توقف استخدامه في جميع أنحاء العالم، أما في اليمن فقد توقف استخدامه مع نهاية الألفية الثانية بعد أن مات أخر سياف واستعين بوسيلة أخرى للإعدام، أما في المملكة العربية السعودية فما زال يستخدم في إقامة الحد على من يعبث بحقوق الآخرين أو العمل ضد صالح البلد ويتخذ السيف شعار الدولة على العلم السعودي.
5- سيف الانتحار: كان يستخدمه النبلاء والضباط (الساموراي) في اليابان للانتحار بطريقة الهارا ـ كيري ويتم ذلك بأن يضع المنتحر طرف السيف أمام بطنه ويسند مقبضه إلى الأرض ثم يلقي بثقله فوقه.
أنواع الجوهر
للجوهر ثلاثة أنواع رئيسية الجوهر الدمشقي -الجوهر الفارسي - الجوهر الهندي.
الجوهر الدمشقي:
يمتاز هذا الجوهر ببعض الخصائص أهمها التموجات الرائعة التي تشبه البقع الهندسية المحكمة، وألوانه المائلة إلى البياض، وعدم قبوله للصدأ ولينة ولدانتة، ويتكون من حبوب ناعمة متقاربة المسام رمادية اللون مع ميلها للبياض. وأطلق الأوربيون أسم الجوهر الدمشقي على كل هذه الجواهر ظناً منهم أنها تصنع جميعاً في دمشق، ومازالت هذه التسمية معتمدة في مراجع الأوربيين ومتاحفهم إلى الآن.
وظلت الجواهر الدمشقية تتمتع بصفاتها وشهرتها إلى أن استولى تيمور لنك على دمشق في القرن الخامس عشر الميلادي القرن التاسع الهجري فنقل معه أرباب الصناعات ثم كرر هذه الفعلة السلطان العثماني سليم الأول في القرن السادس عشر الميلادي القرن العاشر الهجري ونقل معه أصحاب وأرباب الفنون فتراجعت صناعة الأسلحة وتدهورت هذه المهنة وازدهرت في نفس الوقت في سمرقند وخراسان وتركيا، حيث يتوارث الأبناء من الآباء والأجداد هذه المهنة.
الجوهر الفارسي:
للجوهر الفارسي عدة أنواع يتميز بعضها عن بعض بأشكالها وألوانها ومنها جوهر كيرك نيردبان وهي جوهر الأربعين درجة، وجوهر قرة خراسان ويظهر على النصل في هيئة خطوط رقيقة رمادية أو سوداء اللون تبدو كشبكة صيد ملقاة على سطح الماء، وجوهر قرة طبان ويمتاز باللون الأسمر وبتموجات غير منتظمة وفي بعض الأحيان تتشابك مع هذه التموجات خطوط على شكل ألياف مبعثرة.
الجوهر الهندي:
يشبه الجوهر الدمشقي والفارسي ولكن شكل خيوط أسلاكه في العقد والخانات أرق وأرفع. وسيف الجوهر الهندي أصلب وهو من الأنواع الذي لا يعمل فيه المبرد إلا بعد عناء. وقد عرف العرب السيوف المجوهرة وجلبوها من أماكن صنعها ويقول فيها مالك بن حريم:
جللتة صارم الحديد كالـ ملح وفيه سفاسق لمع [13]
وأيضاً قول الطغرائي في لاميته يصف السيف الخالص من الجوهر فيقول:
وعادة السيف أن يزهى بجوهرة وليس يعمل إلا في يدي بطل
أنواع وطراز السيف
تنقسم السيوف الإسلامية كما ذكرنا إلى قسمين هما السيف المستقيم والسيف المقوس وأستعمل الأول ردحاً من الزمن في الجاهلية وبعد الإسلام، وهناك طرز عرفت بها السيوف منها:
1 ـ اليتاغان:
سيف ذو حد واحد مزدوج الانحناء، وخط النصل يتفق مع حركة معصم اليد أثناء الطعن، وهو لا يحتوي على واقية، ويمتاز بثقله الأمامي عند الطعن مما يساعد المقاتل على القطع الباتر السريع وقد انتشر استعمال اليتاغان بسرعة في البلاد الإسلامية، وأنتقل استخدامه إلى أوروبا بعد خضوعها للدولة العثمانية.
2ـ القليج:
ويمتاز بأن نصله يتحول قبيل الطرف إلى نصل ذي حدين بزاوية واضحة، وبأن طرفه يزداد حجمه تدريجاً، ليضمن زاوية قطع ممتازة لاختصاره طول النصل ليسهل استخدامه، ويلاحظ فيه الدمج بين السيف المغولي المسمى (كالاتشوري) والسيف التركي (اليتاغان). ونتج عن هذا الدمج الحصول على سلاح جيد للقطع والطعن معاً، وساد هذا الطراز في العهدين المملوكي والعثماني.
3ـ الشمشير:
سلاح ضيق النصل سميك ذو حد واحد، وتمتاز قبضته ببساطة تكوينها وخفتها، والواقية على شكل تقاطع، على أن مقبضه من أعلى القبيعة تتجه إلى الجنب فيكون في جملته شكل المسدس. وأستعمل في أغراض الحرب والصيد والقنص معاً. ويعتبر العصر الصفوي العصر الذهبي لصناعة الشمشير في بلاد فارس.
وهناك طراز أخر أسمه تالور وهو شبية بالشمشير الفارسي، وطراز يسمى خوندا وأستخدمه المغول المسلمون في شمال الهند. وقد أحتفظ السيف باستقامته في الأندلس وشمال أفريقيا [14] .
وتزخر متاحفنا المحلية بوجود عدة أشكال من هذه السيوف الإسلامية وكذلك في متاحف سوريا والعراق وإيران ومختلف البلاد الإسلامية. إلا أن متاحف اسطنبول وخصوصاً متحف طوبقو سراي يحتفظ بمجموعة كبيرة من السيوف وبعضها يعود إلى الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وعمل سلاطين أل عثمان إلى تزيين أغماد هذه السيوف وترصيعها بألا حجار الكريمة، بحكم سيطرتها وبسط نفوذها على معظم الأمصار الإسلامية.
ومن أنواع الجوهر وطرز السيف المذكورة صنعت السيوف في أماكن صناعتها وتميزت واختلفت عن بعضها ومنها:
1ـ السيف اليماني: سيف خفيف الوزن يمتاز بدقة صناعته، وجودة معدنه، وكان أكثر السيوف انتشاراً في جنوب الجزيرة العربية.
2 - السيف الهندي يجلب من الهند ويمتاز بشدة انحناءه إلى أعلى ودقة دؤابته.
3 - السيف الخراساني أو السيف الفارسي يصنع في إيران ويمتاز هذا النوع من السيوف بمتانته وثقل وزنه وقد انتشر انتشاراً واسعاً في وسط الجزيرة [15] .
4- السيف الشامي: ويصنع في بلاد الشام في بصرى وديوف بإقليم حوران ويمتاز بدقة صناعته وجوهره الخالص ويتسم بثرائه الزخرفي وتطعيمه بالجواهر والأحجار الكريمة والذهب.
5- السيف الروماني: يستخدم للطعن أكثر وهو سيف ثقيل وطويل وخالي من النقوش حيث استخدم في القتال وهو عملي أكثر بالنسبة للرومان خصوصاً مع بداية ما قبل الميلاد وما بعده وعى الأخص في بداية القرن الأول الميلادي مع فترة التوسع وبسط نفوذ الدولة على أجزاء واسعة من بلاد الشرق وبعض بلدان أوربا.
أشهر الصناع
من خلال تتبعنا لأشهر الصناع ممن قاموا بهذه الصناعة أو الحرفة لم تكن هناك أسماء كثيرة، ولكن بلدان عدة ومناطق كثيرة اشتهرت بهذه الصناعة وأتقنت وتفننت بها كما أشرنا من قبل، ولكن لا يعدوا أن هناك أسماء اشتهرت وفاقت شهرتها الأفاق. وكانت العرب تطلق كلمة قيوناَ على القائمين بهذه الحرفة، ومن هذه الأسماء سُريج وتسمى السيوف السرجية نسبة إلى صانعها سُريج أحد بني معرض بن عمرو بن أسد بن خزيم [16] .
وخباب بن الأرت في الجاهلية وفي الإسلام بعد إسلامه وقد عذب به، وأسد الله الإصفهاني وابنه عبد علي ويعتبر العصر الصفوي الذي عاش فيه العصر الذهبي لهذه الصناعة في بلاد فارس وقد بلغ صناعة سيف الشمشير غاية كماله على يديه وبموته تضاءلت وزالت مكانة فارس وشهرتها كمركز هام.
معلم مصري من الصناع الذين عاصروا السلطان القاجاري ناصر شاة قاجار. سلطان سيف مصري، عباسقلي، عجم أوغلو، الحاج سنقر، أسنه أحمد صاحب، الحاج محمد إبراهيم أغا [17] .
وقد نقشت على نصول السيوف بعض الكلمات وبعض الطلاسم لتحمي السيف من الضياع والحفظ في اعتقادهم أو رسوم للحيوانات وخصوصاً رسم الحيات والأسود.
وفي الفترة الإسلامية نقشت على النصول أسماء الخلفاء الراشدين أو الملوك أو أسماء السلاطين خصوصاً سلاطين الدولة العثمانية، أو بعض سور القرآن الكريم، أو الأدعية وأسماء أهل الكهف، ونقشت أيضاً أبيات من بطون الشعر العربي. والسيوف الفارسية كثرت فيها عبارة لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار وأسماء أهل البيت ، إضافة إلى اسم الطباع.
السيف والشعر
وقالوا في العرب أربعة أشياء: العمائم تيجانها والكرم حباها والشعر ديوانها والسيوف سيجانها فلذا نذكر بعض من الشعر والشعراء في الجاهلية وفي بعض العصور الإسلامية المختلفة حيث موضوعنا عن السيوف ونجزم بالقول إن العرب مما مر بهم من حروب وصراعات وتناحر شغلوا بالحرب كثيراً وأنهم تحدثوا عنها بأشعارهم حتى أصبح الحديث عنها موضوعاً أساسياً من موضوعات شعرها ففي العصر الجاهلي كان المجتمع يؤمن بالقوة إيماناً جعله من مقومات الحياة، وعنصراً أساسياً من عناصر البقاء، والحرب كانت ضرورة للحصول على العيش وتحقيق الكرامة والحرية وأصبحت غاية يفتخر بها فكانت القبائل العربية في الجاهلية قبل الإسلام تغير على جاراتها أو منافسيها على المرعى أو بسبب الثأر أو الرغبة في السيطرة والسبي فبرز الفرسان ودون الشعر تلك الحروب والغارات وخلدت ذكراهم بل طبعت بعضها في الذاكرة العربية ولا يمكن نسيانها أبداً خصوصاً إذا ارتبط أسم الفارس بالشجاعة والأقدام وروايته للشعر معاً فهذا عنترة بن شداد العبسي أحد أبرز الشعراء والفرسان في الجاهلية قبل الإسلام واحد أصحاب المعلقات فينشد في قلب المعركة حين تراءت له محبوبته عبلة فينشد قائلاً:
فلقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
في سنة 450م في عهد عمرو بن حجر الملقب بالمنصور ثارت قبائل معد بقيادة كليب بن وائل واستطاعت التخلص من حكم اليمن في يوم خزار وكان هذا اليوم من أعظم أيام العرب المشهورة في الجاهلية فقد انتصرت معد على قبائل اليمن ولم تزل لها المنعة حتى ظهور الإسلام وفيها قال السفاح التغلبي:
ضللنا من السهاد وكنا لولا سهاد القوم احسب هاديات
فكنا في ا لصباح على جذام ولخم بالسيوف مشهرات [18]
ومن أيام العرب المشهودة أيضاً يوم ذي قار حين طلب كسرى الفرس هند بنت النعمان بن المنذر من أبيها الزواج فرفض فجند كسرى الجنود وفتك بالنعمان وهربت هند إلى بوادي العرب فأجاروها وتجمعت القبائل العربية ورأس القوم عمرو بن ثعلبة الشيباني حين أجارت أخته هند فجمع كسرى جيش كبير ودارت المعركة المشهورة والتي كانت للعرب كلمتها فيها فأنشدت هند:
حافظ على الحسب النفيس الأرفع بمدججين مع الرماح الشرع
وصوام هندية مصقولة بسواعد موصولة لم تمنع
وأيضاً الشاعر الجاهلي المزرد بن ضرار الغطفاني كثيراً ما كان يفتخر بشجاعته ووصف سلاحة وذكر في أشعاره بعض أسماء السيوف وهذا موضوعنا فيقول:
من الملمس هندي متى يعمل حده ذرى البيض لا تسلم عليه الكواهل
حسام خفي الجرس حين تسله صحيفته مما تنقى الصياقل [19]
وأيضاً ذكر الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته فيقول:
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
فشعراء المعلقات قد تفاخروا بالنسب والحب والشجاعة والكرم وذكروا أسماء وصفات السيوف في معلقاتهم وكذلك الشعراء المعاصرين ذكروا في أشعارهم وقصائدهم أسماء وقطع السيف وليس لنا مجال للتوسع في ذلك. فمن الطبيعي أن يكون السلاح مما تحدث الفرسان عنه لأنه يمثل القوة التي يستندون إليها في حياتهم والعنصر الأساس الذي تعتمد عليه بطولاتهم فكان حديث الإعجاب به حديث كل ميزة وكل صفة وكل نَعْت نُعِتَ به.
وفي فترة الدولة العباسية وأوج عظمتها وقوتها في أيام المعتصم العباسي في واقعة فتح عمورية وحينما حذره بعض المنجمين بنتائج الحرب العكسية إلا أنه لم يأخذ برأيهم وأخذ باستغاثة امرأة حينما صرخت وامعتصماه يقول أبو تمام:
السيف اصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
وهذه الأبيات الشعرية كثيراً ما كانت تطبع على نصول السيوف الإسلامية.
ولا ننسى الشاعر أبو الطيب المتنبي في عهد الدولة الحمدانية في حلب التي استقلت عن الدولة العباسية في القرن الرابع الهجري وهو شاعر السيف والقلم بلا منازع وقد شغل الدنيا بشعره وحكمه ورددت أشعاره وحفظت قصائده فيقول في قصيدته العصماء:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ويقول في قصيدته التي يمدح فيها سيف الدولة الحمداني ويشير إلى صفات السيوف ويمزجها بالحكمة:
ومن طلب الفتح الجليل فإنما مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم
وفي العصر الإسلامي الوسيط يقول الشاعر ابن المقرب العيوني في شعره:
أبا الدهر أن يلقاك إلا محاربا فجرد له سيفاً من العزم قاضبا
وكقوله أيضاً في موضع آخر حيث يقول:
ونثرة اخضر الهند ذمتها إن السيوف المواضي تحفز الذمما
وفي الأندلس خارج الجزيرة العربية يقول الشاعر أبو الطيب الصالح الرندي وهو يصف السيف المشرفي كناية عن جودة حديده وصنعه والذي يصنع في مشارف بالشام:
يمزق الدهر حتماً كل سابقة إذا بنت مشرفيات وحرصان
وينتضي كل سيف في الفناء ولو كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
وهناك العديد من الشعراء لا يحصى عددهم في العصرين الأموي والعباسي والعصور اللاحقة ذكروا في أشعارهم اسم من أسماء السيف وقرنوه مرتبطاً بالشجاعة والرجولة والبطولة أو مرتبط بصد عدوان.
بل حتى وقتنا الحاضر مع ظهور الأسلحة الحديثة والفتاكة يشيرون في أشعارهم إلى السيف والرمح وهذا يدل على القوة والأصالة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم والتمسك بهذا الموروث عبر الأزمان وليس لنا هنا مجال في التوسع بذكر الشعر والشعراء وتناولهم لموضوعات الحرب والسيف والشجاعة ولو تناولنا هذا الموضوع لكتبنا مجلدات فيه وإنما اكتفينا بذلك على سبيل الدلالة والاستشهاد.
-------------------
[1] السيوف والدروع / مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض ص 31
[2] معجم المصطلحات الأثرية / محمد كمال صدقي، الرياض، 1988م ص 203
[3] المجلة الإسلامية - the Islamic magazine for Saudi Arabia radio
[4] لسان العرب أبن منظور
[5] عبد المجيد الخريجي ـ نايف الشرعان ـ الدينار عبر العصور ـ ص 201 دار العلم 1422هـ.
[6] عبد الرحمن بن عثمان الملا - تاريخ هجر ج2 ص616.
[7] الموسوعة العربية العالمية، الرياض: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، ط 1 1416هـ / 1996م، 389/13.
[8] الأسلحة الإسلامية ص 19.
[9] الموسوعة العربية ص 389.
[10] ديوان حسان بن ثابت - دار بيروت ص 39.
[11] الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسول - عبدالعزيز إبراهيم العمري 1985م ص 222-223.
[12] الموسوعة العربية العالمية - ص 392.
[13] أبو علي إسماعيل القالي ـ دار الأفاق الجديدة ـ بيروت 1980م.
[14] الأسلحة الإسلامية ـ ص21، 22.
[15] الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية - الحرف والصناعات ج3 ص 254.
[16] المفصل في تاريخ العرب - جواد علي - ج5 ص 423 ط1.
[17] الأسلحة الإسلامية ص 25.
[18] تاريخ هجر ص 453.
[19] الفروسية في الشعر الجاهلي - نوري حمودي القيسي ط1 1384م - التضامن بغداد.
------------------
المصدر
qatifoasis.com
السيد سعيد حبيب الصناع