مُرٌ هو طعم الفراق
لاسيما إن كان المُفَارَق ممن تحزن لحزنه وتسعد بفرحه، تألم لألمه وتشعر بجُرحه
يتركك ويذهب.. يبتعد، وتبقى وحيداً.
يسافر بعيداً.. وتبقى أنت مع ذكرياتك
تُذكرك به الأماكن التي تشاطرتموها سوية جيئة وذهاباً
هزلاً وجداً، بكاءً وضحكاً.
تذرف دموعك اشتياقاً له ولكن لا سبيل لعودته
أبداً
فقد ترك الدنيا بما فيها.. ومات
لا يشعر المرء بالتجربة حتى يخوضها
ولا يقدر صعابها ومعاناتها إلا من عاشها
وهكذا كُنت
لم يكن يغلبني التأثر حينما كنت أسمع بوفاة أحدهم
قد أتأثر قليلاً ولكنها لحظات
ثم يطوي النسيان ما كان وتعود المياه إلى مجاريها
ولكن عندما تخوض التجربة ويتوفى شخص قريب إلى قلبك
حينها تتألم وتبكي، وتشعر بقسوة الموقف
قسوة الفراق
ولكن هناك ما هو أقسى وأصعب وأمر من هذا الفراق
ففي هذه التجربة تفتقد شخصاً واحداً
ولكن ما العمل إن افتقدت الكل؟؟
ما العمل إن كنت أنا مكان هذا المتوفى؟؟
ما العمل حينما أموت أنا؟
حينما أترك هذه الدنيا
أترك أهلي وأحبابي، أترك أغراضي وأترك مكاني
أترك الجميع، أترك كل شيء
أترك منزلي لأوسد التراب
هذه المرة لن أفتقد شخصاً واحداً، بل سأفتقد الكل
ويا ليتها كانت كل المشكلة
المشكلة الحقيقية هي وماذا بعد؟؟
ماذا بعد هذا الفراق؟
ماذا بعد أن يتركني الجميع، لأكون مكان أحد الذين كنت أسمع بوفاتهم
ولم أفكر يوماً أني سأكون أحدهم
أكون ميت
وحيد في قبري، مع أعمالي
عشتُ متعلق بالرجاء ونسيتُ الخوف
فهل تنقذني أعمالي؟
هل كانت خالصة؟ أم أني كنت أهدف من خلالها المدح والثناء من الناس؟
هل أديت حق الله عليّ وطلبت رضاه أم أني طلبت رضا الناس؟
هل سيتذكرني أحدٌ يدعو لي بالرحمة وأن يخفف الله عني؟
هل سيتذكرني أحدُ.. أم سينسونني بعد لحظات كما كنت أفعل؟
نتعلق بالحياة كثيراً ونتشبث بكل ما فيها
ونتناسى ونتغافل عن حقيقة أننا في يوم من الأيام سنموت
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }العنكبوت57
<BLOCKQUOTE>يقول علي رضي الله عنه:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت ... أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها .. إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه ... وإن بناها بشر خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها . . ودورنا لخراب الدهر نبنيها
أين الملوك التي كانت مسلطنة .. حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائن في الآفاق قد بنيت . .. أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
لا تركنن إلى الدنيا وما فيها . . . فالموت لاشك يفنينا ويفنيها
لكل نفس وان كانت على وجل ... من المنية آمال تقويها
المرء يبسطها والدهر يقبضها ... والنفس تنشرها والموت يطويها
إنما المكارم أخلاق مطهرة .. الدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها .. والجود خامسها والفضل سادسها
والبر سابعها والشكر ثامنها .. والصبر تاسعها واللين باقيها
والنفس تعلم أني لا أصادقها ... ولست أرشد إلا حين أعصيها
واعمل لدار غداً رضوان خازنها ... والجار أحمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها ... والزعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبنٌ محمضٌ ومن عسل .. الخمر يجري رحيقاً في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفة ... سبحُ الله جهراً في مغانيها
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها .. بركعةٍ في ظلام الليل يحيها</BLOCKQUOTE>هل أنا على استعداد لهذا الرحيل؟
هي يبلغني زادي.. أم أنه لا يكفي لينقذني من العذاب؟
هل ألهتني الدنيا عن هذه المهمة؟
{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197
كلنا سنموت فلنتزود لهذا الموت قبل أن نفاجأ به
ولحظتها ليس ينفع الندم
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185
هل انتبهتم للآية؟
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز
فهذا هو الفوز، وهذه هي الحياة.. متاع الغرور
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأنعام32
جعلنا الله وإياكم من الفائزين في الدنيا والآخرة
وأن يوفقنا وإياكم لصالح الأعمال، وأن ينقذنا وإياكم من النار
وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاه