الحمد لله البر الرحيم، العليم الحليم؛ جعل البيت مثابة للناس وأمنا، وشرع شد الرحال إليه تنسكًا وتعبدًا، نحمده على ما هدانا إليه من المناسك، وما شرع فيها من الشعائر، ونشكره على ما أولانا من نعمه، وما غمرنا به من إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جواد كريم، عفو رحيم، يجزي بالحسنة أضعافها، ولا يجزي بالسيئة إلا مثلها، ويشرع مواسم البر ليتزود العباد من خيرها، ويحوزوا بركتها، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ حج بالناس حجة واحدة، فعظم الشعائر، وعلم أمته المناسك، وقال: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» (صحيح مسلم [1297])، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا هذه العشر المباركة؛ فإنها عظيمة عند الله تعالى، والعمل الصالح فيها أعظم منه في غيرها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: "وَلاَ الجِهَادُ؟" قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» (صحيح البخاري [969]).
أيها الناس: الطواف بالبيت شعيرة من أعظم شعائر المناسك، وهو ركن في الحج، وركن في العمرة، فلا حج إلا بطواف، ولا عمرة إلا بطواف، ولا تصح النيابة فيه، فالعاجز يطاف به محمولًا.
والطواف اختصت به الكعبة دون غيرها، كما اختصت بالصلاة إليها؛ فالطواف بها توحيد، والطواف بغيرها شرك، وعلة ذلك أن الله تعالى أمر بالطواف حول الكعبة فصار عبادة، ونهى عن الطواف بغيرها فصار شركًا، وأمر سبحانه الخليل عليه السلام ببناء البيت وتطهيره لهذه الغاية {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26] فنسب سبحانه البيت إليه، فالطائف يطوف ببيت الرب تبارك وتعالى، وكفى بذلك شرفًا وفضلًا، وفي مناسك الحج قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج من الأية:29].
وجاءت علة مشروعية الطواف منصوصًا عليها في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» (سنن أبي داود[1888]).
والتطوع بالطواف للقادم إلى مكة أفضل من نوافل العبادات؛ لأنه يتنفل بالعبادات في كل مكان، ولا يتأتى له الطواف إلا في البيت، فإن كان زحام تعبد بغير الطواف لئلا يزاحم أهل النسك.
والناس إزاء الطواف على أقسام ثلاثة:
فقسم أنكروه إما جهلًا وإما استكبارًا، وعدوه من تراث الوثنية، وهم غالب أمم الأرض من الكفار والعلمانيين العرب، وهم المنكرون للتوحيد، المحرومون منه، لا يؤمنون بالإسلام ولا بالقرآن.
وقسم يطوفون بالكعبة ويطوفون بغيرها من الأضرحة والقبور ونحوها، وهم كثير في البلاد الإسلامية، وهؤلاء خلطوا توحيدهم بالطواف بالبيت بشرك حين طافوا بما لا يجوز الطواف به.
وقسم هداهم الله تعالى للتوحيد، ونجاهم من الشرك، فطافوا بالبيت الحرام؛ امتثالًا لأمر الله تعالى، وتركوا الطواف بغيره؛ اجتنابا لنهيه عز وجل، وهم أكثر أهل الإسلام ولله الحمد والفضل.
إن الطواف بالبيت نعمة عظيمة لمن هُدي إليها، وأخلص فيها، ولا تتم هذه النعمة إلا باجتناب الطواف بغيره، وهذا الامتحان العظيم دال على التسليم لشرع الله تعالى، والانقياد لدينه، وامتثال أمره.
والطواف أنواع: فطواف للعمرة، وطواف للقدوم في الحج، وطواف للإفاضة وهو ركن الحج، وطواف للوداع، وطواف تطوع. وقد جاء في فضل الطواف حديثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ بِهَذَا البَيْتِ أُسْبُوعًا فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ» أسبوعًا: أي سبعة أشواط. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا يَضَعُ قَدَمًا وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً» (سنن الترمذي[959]).
ولا يصح الطواف إلا بأن يكون حول الكعبة، وأن يكون داخل المسجد، وأن يكون من وراء الحِجْر، وإذا كان للطواف وقت ففي وقته كطواف الإفاضة. وستر العورة شرط لصحة الطواف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» (صحيح البخاري[1622]). والطهارة شرط لصحة الطواف عند جماهير العلماء.
واختص طواف العمرة وطواف القدوم في الحج بالاضطباع فيهما وهو إخراج الكتف الأيسر في الإحرام، وبالرمل في الأشواط الثلاثة الأول منهما، وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وتحريك المنكبين، وكانت الحكمة منهما إغاظة المشركين، وإظهار القوة لهم، قال ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا" (صحيح مسلم[1266]). وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا" (صحيح البخاري[1644]).
وبقيت هاتان السنتان حتى بعد ذهاب سببهما؛ للتذكير بنعمة الله تعالى على المؤمنين إذ قواهم بعد الضعف، ولترسيخ إغاظة أهل الشرك في وجدان المسلم؛ ليتذكر وهو يطبق هاتين السنتين أن إغاظة المشركين أصل في ديننا، وأنها من التوحيد. قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: "فِيمَ الرَّمَلانُ الْآنَ، وَالْكَشْفُ عَنِ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أَطَّأَ اللهُ الْإِسْلامَ، وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم" (مسند أحمد[1/161]).
والطائف بالبيت يبتدئ طوافه بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله إن استطاع، يفعل ذلك طاعة لله تعالى، وتعظيمًا لأمره، لا تعظيمًا لحجر لا ينفع ولا يضر كما فعل الفاروق عمر رضي الله عنه فإنه جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" (صحيح البخاري[1597]).
وَيَقُولُ إذَا اسْتَلَمَهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (نبيل الأوطار[121/5]). وهذا الدعاء يؤكد مسألة التوحيد الكبرى وهي الامتثال والطاعة لله تعالى التي كانت فرقانًا بين التوحيد والشرك.
فإن لم يقدر على استلامه وتقبيله أشار إليه، كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ" (صحيح البخاري[1612]).
ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما السجود على الحجر الأسود. "فَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ يُسْتَلَمُ وَيُقَبَّلُ، وَالْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ، وَالْآخَرَانِ لَا يُسْتَلَمَانِ وَلَا يُقَبَّلَانِ، وَالِاسْتِلَامُ هُوَ مَسْحُهُ بِالْيَدِ". وفي ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:"لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ" (صحيح البخاري[1609]).
والسنة أن يقترب من الكعبة حال الطواف إلا إذا كان زحام ولا يستطيع الرمل فيبتعد ويرمل، فالرمل مع البعد أولى من تركه مع القرب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وَيُسْتَحَبُّ لَهُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوَهُ بِمَا يُشْرَعُ، وَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ سِرًّا فَلَا بَأْسَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَحْدُودٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِأَمْرِهِ وَلَا بِقَوْلِهِ وَلَا بِتَعْلِيمِهِ، بَلْ يَدْعُو فِيهِ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ دُعَاءٍ مُعَيَّنٍ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا أَصْلَ لَهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ طَوَافَهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ بِقَوْلِهِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة من الآية:201]، كَمَا كَانَ يَخْتِمُ سَائِرَ دُعَائِهِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ذِكْرٌ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ".
ويطوف سبعة أشواط من الحَجَرِ إلى الحَجَرِ، لا ينقص منها، ولا يزيد عليها؛ طاعة لله تعالى الذي شرع الطواف، ثم يصلي خلف المقام ركعتين، قال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: "قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (صحيح البخاري[1645]). والسنة أن يستلم الحجر بعد الركعتين خلف المقام إن قدر على ذلك.
وإذا أراد أن يتطوع بالطواف فيقرن طوافين أو أكثر لا يصلي سنة الطواف إلا بعدها جميعًا فلا بأس، فقد فعله جمع من السلف؛ لأن الطائف وهو يمشي ينشط على الطواف مرات عدة، فربما لو صلى لكل طواف بعد انتهائه منه ثقل ولم يطف مرة أخرى، وعلى من يطوف تطوعًا أن يراعي مسألة الزحام، فلا يضايق من يطوفون لأنساكهم.
وإن شك في عدد الأشواط التي طافها عمل باليقين وطرح الشك، فإن كان شكه بعد مفارقة المطاف فلا يتلفت إلى شكه.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا تعظيم بيته الحرام، وأن يمن علينا بفقه الأحكام، وأن يثبتنا على الإيمان إلى الممات، إنه سميع مجيب.
وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا شعائره في هذه الأيام الفاضلة {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].
أيها المسلمون: إذا أنهى الطائف طوافه فالسنة أن يصلى خلف المقام ركعتين، فإن كان زحام صلى في أي مكان خال من المسجد، ولا يضايق الطائفين، فإن كان الحرم ممتلئًا أو وقع منه حدث يحتاج إلى وضوء صلى ركعتي الطواف في بيته أو خيمته. ولا يلزمه أن يتوضأ ويرجع ليصليهما. ويعسر ذلك جدا وقت الزحام، فيتأذى ويؤذي غيره.
ومن صلى داخل الحِجْرِ كان كمن صلى داخل الكعبة؛ لأن جزءًا من الحجر هو من الكعبة.
والدعاء الجماعي في الطواف ينهى عنه؛ لأنه محدث، ويشوش على الطائفين، وخاصة مع رفع الأصوات به. والأصل في الدعاء أن يكون خفية، وأن يدعو الطائف بما يناسبه، وحاجات الناس تختلف {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55].
وتشتد حرمة المحرمات إذا وقعت في الطواف كإطلاق البصر في النظر إلى النساء، أو الكلام بمحرم كغيبة أو نميمة أو كذب، وكذلك تحرم الخصومة فضلًا عن المشاجرة، ويقع ذلك مع شدة الزحام؛ فعلى الطائف أن يجلَّ بيت الله تعالى من أن يحدث فيه حدثًا، أو يرفع فيه صوتًا، أو يقول هُجْرًا؛ فإن حرمة البيت عند الله تعالى عظيمة.
تلكم -عباد الله- عبادة الطواف التي شرف الله تعالى بها المسلمين فجعلها إلى بيته، وجعلها لإقامة ذكره، ودليلًا على توحيده عز وجل.
عبادة تشرف بها المؤمنون، واستنكف عنها المستكبرون، فحرموا ما فيها من عاجل الثواب وآجله.
عبادة اختصت ببيت الرب جل وعلا الذي بناه الخليل عليه السلام، وطهره من الشرك محمد صلى الله عليه وسلم، وحج إليه النبيون عليهم السلام.
عبادة الطواف عبادة جمعت جملة من العبادات القلبية والبدنية واللسانية؛ يظهر التوحيد في كل عبادة منها؛ ليطوف القلب والفكر في عظمة الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله مصاحبًا طواف البدن حول الكعبة؛ فالحمد لله الذي هدانا لعبادته، وعلمنا شريعته، ونسأله سبحانه أن يقبل منا ومن المسلمين، إنه سميع مجيب.
وصلوا وسلموا على نبيكم.
المصدر: مجلة البيان