تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1)

حي العباسية، من الأحياء الشهيرة في القاهرة، حيثُ توجد به أشهر الجامعات المصريّة، جامعة عين شمس، كمّا أنهُ يصِل بين غرب القاهرة وشرقها، ولكن هل تخيلتُ يومًا أنّ حي العباسية كانَ صحراء جرداء ثُم تحَول إلى حي الأثرياء ومهدًا للمنشأت العسكرية مع مرور الزمن.
كمّا شهدَ الحي قديمًا موقعة «الريدانية»، والتى وقعت أحداثها عام 1517 بين جيش المماليك الذين كانوا يحكمون مصر والسلطان العُثمانيّ، سليم الأول، والتي انتهَت بإنتصار العُثمانين وهزيمة المماليك بقيادة السلطان طومان باى. فيعرف الكثيرون اسم الموقعة دونَ معرفة أنّ «الريدانية» هى نفسها منطقة العباسية، فسُميت المنطقة التى كانت مُجرّد صحراء جرداء باسم «الريدانية» نسبةً إلى «ريدان الصقلي»، أحد أفراد حاشية الخليفة الفاطمي، العزيز بالله، وبعد هزيمة المماليك فيها ودخول العثمانيين منها للقاهرة، أًهملت هذه المنطقة، ثُم تغير اسمها إلى «الحصوة»، حتى أعاد اكتشافها «عباس الأول» ثالث حكام الأسرة العلوية.
«المصري لايت» تستعرِض معكُم حكاية حي «العباسية»، وفقًا لمّا رواه الكاتب، عباس الطرابيلي، في كتابِه «شوارع لها تاريخ»، وكتاب وصف مصر، ومخطوطات المقريزي التاريخيّة:
«العباسية».. من صحراء جرادء إلى مقرًا لقصر عباس حلمي الأول
تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) %D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84

تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) %D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84

كانت العباسية مُجرّد صحراء جرداء تطُل على شرق القاهرة، ومن المؤكد أنها أول ضاحية كانت على الطريق المؤدي إلى قريتي المطرية وهليوبوليس، أو واحات عين شمس، تلكَ هي العباسية التي التحمت الآن بالقاهرة نفسَها. بلّ وامتد العمران، ليمتد إلى الشرق أكثر حيثُ مدينة وإلى الشمال الشرقي، حيثُ هليوبوليس.
وضعَ أساس الحي، عباس حلمي الأول باشا، والي مصر الذي تولى الحكم بعد وفاة الوالي الثاني ابراهيم باشا في عام 1848، واستمرَ واليًا على مصر حتى عام 1854. فقد قررَ عباس الأول تشييد ثكنات عسكريّة للجيش المصري على حافة الصحراء، ووضعَ أسُس حي العباسية وشجع الناس على تعمير هذه المنطقة عن طريق منح الأراضي وتشييد مستشفى ومدرسة وقصر، وسارَ على منواله الوالي الرابع، سعيد باشا.
كانَ عباس يميل للعزلة و اختار أن يبني قصوره في المناطق الهادئة، فقام ببناء قصرًا ضخمًا في العباسية و لذلك سمي حي العباسية بهذا الاسم. وحكى المهندس «فرديناند ديليسبس» عن هذا القصر، قائلاً: «إنّ نوافذه بلغت 2000 نافذة، فهو مدينة كاملة فى الصحراء».
«العباسية».. مقرًا للمدارس والمُنشأت العسكرية
تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) K

تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) K

إلا أنّ الطفرة الأساسية كانت في عهد إسماعيل باشا، والذي أنشأ عدة مدارس عسكريّة فيها ونقلَ إليها مدرسة الضباط «المدرسة الحربية»، لكّي يُسهلّ على التلاميذ القيام بالتمرينات الحربية وضرب النار في الخلاء.
ففي عام 1863 أنشأ إسماعيل المدرسة التجهيزية بالعباسية، والتي نُقلَت بعد فترة إلى درب الجماميز عام 1868، وعُرفت بإسم «المدرسة الخديوية»، وفي نفس العام أنشأ مدرسة «المُبتديان» الإبتدائية التي نُقلَت بعدها إلى الناصرية ثُم إلى حي المنيرة، كمّا أنشأ مدرسة البيادة «المُشاة» عام 1864، وكان عدد تلاميذها عند الإنشاء 490 تلميذًا. ثُم مدرسة السواري «الفرسان» عام 1865، ومعها في نفس العام أنشأ إسماعيل باشا مدرسة الطوبجية «المدفعية»، ومدرسة أركان حرب.
كمّا أنشأ مدرسة الري والعمارة وسُميَت «المهندسخانة» 1866، بسراي الزعفران التي أنشأها إسماعيل باشا، وسمّاها «زعفران» نسبةً إلى نبات وزهرة الزعفران التي كانت تنمو كثيرًا في المنطقة.
وبلا شك أنّ كُل هذه المنشأت العسكرية وضعت الأساس السليم لحي العباسية، والذي كانت بدايتهُ سراى ضخمة أقامها عباس الأول، ثُم بتشجيع من إسماعيل وتسهيل في تملُك الأراضي، انطلقَ الناس لتعمير العباسية، فى منطقة السرايات، أقيمت مدرسة الصناعة والزخرفة، التى أصبحت بعد ذلك كلية الهندسة، وبجوارها كثرت البنايات والعمارات الكبيرة التى تهافت عليها الأثرياء لسكنها.
«العباسية» .. محطة مرور الثورة العرابية
وفى عام 1865، مدّ الخديوي إسماعيل السكك الحديدية من القاهرة إلى العباسية، ثُم من العباسية إلى منطقة القبة «خط المرج فيما بعد»، وأنشأ ميدانًا لمسابقات الخيول بالعباسية، وكانت السباقات تجرى فيه وسط حشد كبير، وتنشر الوقائع أخبارها، وتحولت العباسية إلى ميدان للرماية والاحتفالات الشعبية.
كمّا يزخر حي العباسية بتاريخ حافل في سجل العسكريّة المصرية، وتحديدًا أثناء أحداث الثورة العرابية، ففي يوم 18 فبراير 1879، عقدَ 600 ضابط مصري اجتماعًا في ثكنات الجيش بالعباسية، ثُم خرجوا على إثره في مظاهرة عسكرية اشتركَ فيها طلاب المدارس العسكرية المجاروة، وبعض الجنود وثلاثة من أعضاء مجلس شورى النواب، ثُم توجهوا إلى مقر وزارة المالية في لاظوغلي، بقيادة البكباشي، لطيف سليم، وتربصوا برئيس النظار نوبار باشا والمفتش الأجنبي ويلسون، عند خروجهما من النظارة «الوزارة»، التي كانت قصرًا لإسماعيل باشا المُفتش، وضربوهما ضربًا مبرحًا وسجنوهما في داخل الوزارة ولم ينقذهما إلا الخديوي إسماعيل.
وفي اليوم التالي سقطَت وزارة نوبار، ولكن بعد أنّ اثبتت مظاهرة الضباط قدرة الجبهة الوطنية المصرية الرافضة للتغلغل الأجنبي.
«العباسية» .. مقرًا لسراى «المجاذيب»
تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%A5%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%A1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%A5%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%A1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

وامتدت حركة العُمران فيمّا بعد في زوايا الحي، فشهدت العباسية إنشاء المستشفى اليوناني، والمستشفى الإيطالي، ثُم توالى بناء المستشفيات بها، فأمام مستشفى الأمراض العقلية أقيم مستشفى الحميات، وجنوبًا أقيم المستشفى الإيطالى (أمبرتو الأول)، ثم المستشفى اليونانى بجواره، ثم المستشفى الإسرائيلى فى غمرة، ثم المستشفى القبطى، ثم المستشفى الفرنساوى، الذى أصبح مستشفى مصر للطيران.
ويرتبط حى العباسية بمستشفى الأمراض العقلية، الذي أصبح مرادفًا للحى، وأطلق عليه البعض «حي مستشفى المجاذيب».ويرجع تاريخه إلى عهد الخديو إسماعيل، حيث أنشأت فى جزء من السراى (الصفراء) التى أقامها الخديو إسماعيل، لأنّ تلكَ المنطقة كانت تتميز بهواء صحى نقى وجو هادئ للمرضى، ثُم احترقت هذه السراى، وأعاد بناءها الخديو توفيق، وعُرفَت باسم «سراى المجاذيب».
حكاية «جرانفيل».. أشهر شوارع الحي
هل يعرف أحد ممن يسكنون في شارع فخري عبد النور الآن، أو يمرون بهِ، شيئًا عن هذا المصري الذي كان من الرعيل الأول لثورة 1919؟، سؤال يطرحُه الكاتب، عباس الطرابيلي، في كتابِه «شوارع لها تَاريخ»، ليُجيب عليه فيمّا بعد.
العلاقة بين الشخص والشارع، بدأت عام 1950 عندّما أرسل أهالي جرجا عريضة إلى وزير الشئون البلدية والقروية، ابراهيم باشا فرج، يطلبون فيها إطلاق اسم فخري عبد النور- إبن مدينتهم- على أحد شوارع القاهرة. وذهبَ ابراهيم باشا إلى مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء، لكّي يبلغه رغبة الأهالي. وعلى الفور رد النحاس باشا موافقًا وقال: «فخري بك لم يأخذ حقه» وبدأ البحث بعدها عن شارع يليق بالرجل.
تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) Fakhry_Abdel_Nour

تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) Fakhry_Abdel_Nour

كانت الأسرة تسكُن في العباسية، وكانَ بيتها يحمل رقم 117 على شارع العباسية عندّ شارع عظيم الدولة، ودار حوار بين النحاس باشا وابراهيم باشا فرج، وطرحَ إطلاق اسم فخري بك على شارع عظيم الدولة، حيثُ بيت الأسرة هُناك. مُقترحًا ذلك بمقولته: «أنا لا أعرف من هو عظيم الدولة، ولكن مادام هذا الرجُل كان عظيمًا في دولتهُ، فلماذا نحرمُه من الإبقاء على اسمه على هذا الشارع»، ثُم سأل عن أقرب شارع في المنطقة، فقالوا لهُ: «شارع جرانفيل»، فأظهر النحاس اعتراضُه من بقاء اسم هذا الرجُل على شارع يمتِد طوله إلى 3 كيلو مترات، وقال: «فليكُن هذا هو الشارع الذي يجب أنّ يحمل اسم فخري بك عبد النور».
ولكن لماذا اعترضَ النحاس باشا على إسم «جرانفيل»؟، فهو كان وزير خارجية بريطانيا 1887، وأرسل لهُ المعتمد البريطاني في مصر، لورد كرومر يسألهُ الرأي فيما لو اختلف رأي المستشار الإنجليزي مع رأي الناظر، أيّ الوزير المصري، فردَ جرانفيل هذا على كرومر بتلغراف من أربع كلمات فقط: «مشورة المُستشار بمثابة أمر». وبهذا التلغراف أصبحت كلمة المستشار البريطاني هي العُليا حتى فوق رأي الحكومة المصرية، وهذا التلغراف كمّا يقول سعد فخري عبد النور، ابن فخري بك، شلّ حركة النظار حتى عام 1906، عندّما اعترضَ سعد باشا زغلول على تدخُل المستشار الإنجليزي للمعارف، دنلوب، وهدّد سعد الوزير المصري بالإستقالة وعندما احتكموا إلى كرومر قال: «نعمل استثناء لسعد باشا».
وهكذا قررَ النحاس باشا، رئيس الحكومة المصرية، إطلاق اسم فخري عبد النور على شارع «جرانفيل» وهو الشارع الذي يمتد من أمام كلية الشرطة حتى ميدان عبده باشا، حيثُ مدرسة العباسية الثانوية، إسماعيل القباني الحالية، وفي هذا الشارع مدرسة الفنون والصنايع «كلية الهندسة حاليًا بجامعة عين شمس»، وهى المدرسة التى أنشأتها أول حكومة وفدية عام 1924. وكان أول ناظر لها إبراهيم فهمي النمرسي.
«العباسية» .. بعد ثورة يوليو 1952
وبعد ثورة يوليو 1952 احتفظت الثورة بمقار الجيش الإنجليزى، وخصصتها لوزارة الحربية (الدفاع) حيثُ يوجد فى دائرة العباسية مقر وزارة الدفاع، ومبنى الكلية الفنية، والمعهد الفنى للقوات المسلحة، وجميع الهيئات والإدارات والنوادى التابعة للجيش، واختارَ الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، الإقامة بها فى منزل كان يخص ناظر المدرسة العسكرية، ثم باتت مقصدًا لآلاف الأسر من كل الطبقات، استوطنوا هذا الحى، الذى تصدّر الصحف ونشرات الأخبار فى تلك الأيام.
تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) BWuv1QeIgAARNqq1

تاريخ أشهر أحياء القاهرة منذ النشأة حتى الآن: «العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء (ح 1) BWuv1QeIgAARNqq1

/lite.almasryalyoum

شكرا علي ثنائك ومرورك أخي الأخطل الوسطاني

» أشهر نصاب في تاريخ كرة القدم
» أشهر الخونة في تاريخ مصر (4): خنفس.. وراء هزيمة عرابي
» غرفة القاهرة: مخزون السلع الاستراتيجية يكفى 3 أشهر
» تاريخ القاهرة القديمة فى كتاب "همسات مصرية"
» علوم الحديث - النشأة والأطوار