ماذا تعرف عن عباس محمود العقاد ؟
ولد بأسوان في ٢٨ يونيو ١٨٨٩م، لأم من أصول كردية. اقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية. اعتمد على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة علمية موسوعية باالعربية والغربية لا تضاهى. مما مكنه من الإطلاع والبحث عن سائر الثقافات، كما كان إصراره مصدر نبوغه، وسببًا لشقائه.
جاء إلى القاهرة وعمل بالصحافة وتتلمذ على يد المفكر والشاعر الأستاذ الدكتور محمد حسين محمد، خريج كلية أصول الدين في جامعة القاهرة. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. وفي الوقت نفسه كان مولعًا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب، وتوفي العقاد في١٢ مارس ١٩٦٤ ولم يتزوج.
عمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، كما اشتغل بوظائف حكومية متعددة: في المديريات، ومصلحة التلغراف، ومصلحة السكك الحديدية، و ديوان الأوقاف، والتحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية، لكنه استقال منها واحدة بعد واحدة. وقال كلمته في الوظيفة "لا أنسى حتى اليوم أنني تلقيت خبر قبولي في الوظيفة الأولى التي أكرهتني الظروف على طلبها كأنني أتلقى خبر الحكم بالسجن أو الأسر والعبودية.. إذ كنت أؤمن كل الإيمان بأن الموظف رقيق القرن العشرين ".
ولما كتب العقاد مقاله الشهير "الاستخدام رق القرن العشرين" سنة ۱٩۰٧م كان على أهبة الاستعفاء من وظائف الحكومة والاشتغال بالصحافة. بعد أن مل العقاد العمل الروتيني الحكومي، وبعد ان ترك عمله بمصلحة البرق، اتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه. فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. توقفت الصحيفة عن الصدور بعد فترة، وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه.
بعد ان عمل بالصحافة، صار من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، فدخل في معارك حامية مع القصر الملكي، حتى ذاع صيته واُنْتخب عضوًا بمجلس النواب. سجُن بعد ذلك لمدة تسعة أشهر عام ۱٩٣۰م بتهمة العيب في الذات الملكية، فحينما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، ارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلًا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه". وفي موقف آخر أشد وطأةً من الأول وقف الأديب الكبير موقفًا معاديًا للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى إن أبواق الدعاية النازية وضعت اسمه بين المطلوبين للعقاب، وما إن اقترب جنود إرفين روميل من أرض مصر حتى تخوف العقاد من عقاب الزعيم النازي أدولف هتلر، فأسرع هاربًا إلى السودان عام ۱٩٣٤م ولم يعد إلا بعد انتهاء الحرب بخسارة دول المحور.
كان العقاد واسع الثقافة، موسوعي المعرفة، باحثًا مدققًا في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم النفس والاجتماع. بدأ حياته الكتابية بالشعر والنقد، ثم زاد على ذلك الفلسفه والدين. دافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيًا وعلميًا ككتاب الله، وكتاب حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، ودافع عن الحرية ضد الشيوعية والوجودية والفوضوية.
كتب عن المرأة كتابًا عميقًا فلسفيًا أسمه هذه الشجرة، يعرض فيه المرأة من حيث الغريزة والطبيعة وعرض فيه نظريته في الجمال. يقول العقاد ان الجمال هو الحرية، فالإنسان عندما ينظر إلى شيء قبيح تنقبض نفسه وينكبح خاطره ولكنه اذا رأى شيئًا جميلًا تنشرح نفسه ويطرد خاطره، إذن فالجمال هو الحرية، والصوت الجميل هو الذي يخرج بسلاسة من الحنجرة ولا ينحاش فيها، والماء يكون آسنا لكنه اذا جرى وتحرك يصبح صافيًا عذبًا. والجسم الجميل هو الجسم الذي يتحرك حرًا فلا تشعر أن عضوًا منه قد نما على الآخر، وكأن أعضاءه قائمة بذاتها في هذا الجسد. وللعقاد إسهامات في اللغة العربية إذ كان عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة واصدر كتبًا يدافع فيها عن اللغة العربية ككتابه الفريد من نوعه اللغة الشاعره.
وفي حياة العقاد معارك أدبية جَعَلتْهُ نهمَ القراءة والكتابة، منها: معاركه مع الرافعي وموضوعها فكرة إعجاز القرآن، واللغة بين الإنسان والحيوان. ومع طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري ورجعته. ومع الشاعر جميل الزهاوي في قضية الشاعر بين الملكة الفلسفية العلمية والملكة الشعرية. ومع محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في قضية وحدة القصيدة العضوية ووحدتها الموضوعية. ومعارك أخرى جمعها عامر العقاد في كتابه "معارك العقاد الأدبية".
أما أول ديوان للعقاد فقد حمل عنوان "يقظة الصباح" ونشر سنة ۱٩١٦م وعمره حينها ٢٧ سنة. وقد كتب في حياته عشرة دواوين. وقد ذكر في مقدمته لكتابه "ديوان من دواوين" أسماء تسعة دواوين له مرتبة وهي : يقظة صباح ، وهج الظهيرة ، أشباح الأصيل ، أشجان الليل ، وحي الأربعين ، هدية الكروان ، عابر سبيل ، أعاصير مغرب ، بعد الأعاصير. ثم كتب آخر دواوينه وهو "ما بعد البعد". وقد صدر في العام ٢۰۱٤م كتاب بعنوان "المجهول والمنسي من شعر العقاد" من إعداد واحد من تلاميذه وهو الباحث محمد محمود حمدان، وقد جمع في هذا الكتاب القصائد والأشعار غير المنشورة للعقاد. وفي عام ۱٩٣٤م نظم العقاد نشيد العلم، وقد غني نشيده هذا وأذيع في الراديو في حينها، وقام بتلحينه الملحن عبدالحميد توفيق زكي.
في أبريل من عام ۱٩٣٤م أقيم حفل تكريم للعقاد في مسرح حديقة الأزبكية حضره العديد من الأدباء ومجموعة من الأعلام والوزراء. وألقى الدكتور طه حسين في هذا الحفل كلمة مدح فيها شعر العقاد فقال: "تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث وأومن به وحده، وجوابي يسير جدًا، لأنني أجد عن العقاد مالا أجده عند غيره من الشعراء. ولأني حين أسمع شعر العقاد أو حين أخلوا إلى شعر العقاد فإنما أسمع نفسي وأخلو إلى نفسي، وحين أسمع شعر العقاد إنما أسمع الحياة المصرية الحديثة وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث ". ثم أشاد طه حسين بقصائد العقاد ولا سيما قصيدة ترجمة شيطان التي يقول إنه لم يقرأ مثلها لشاعر في أوروبا القديمةوأورباالحديثة. ثم قال طه حسين في نهاية خطابه: "ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه ".
يقول الدكتور جابر عصفور أستاذ النقد الأدبي عن شعر العقاد: "فهو لم يكن من شعراء الوجدان الذين يؤمنون بأن الشعر تدفق تلقائي للانفعالات بل هو واحد من الأدباء الذين يفكرون فيما يكتبون وقبل أن يكتبوه، لذلك كانت كتاباته الأدبية "فيض العقول"، وكانت قصائده عملًا عقلانيًا صارمًا في بنائها الذي يكبح الوجدان ولا يطلق سراحه ليفيض على اللغة بلا ضابط أو إحكام، وكانت صفة الفيلسوف فيه ممتزجة بصفة الشاعر، فهو مبدع يفكر حين ينفعل، ويجعل انفعاله موضوعًا لفكره، وهو يشعر بفكره ويجعل من شعره ميدانًا للتأمل والتفكير في الحياة والأحياء".
ويقول زكي نجيب محمود في وصف شعر العقاد: "إن شعر العقاد هو البصر الموحي إلى البصيرة، والحس المحرك لقوة الخيال، والمحدود الذي ينتهي إلى اللا محدود، هذا هو شعر العقاد وهو الشعر العظيم كائنًا من كان كاتبه، من حيث الشكل، شعر العقاد أقرب شيء إلى فن العمارة والنحت، فالقصيدة الكبرى من قصائده أقرب إلى هرم الجيزة أو معبدالكرنك منها إلى الزهرة أو جدول الماء، وتلك صفة الفن المصري الخالدة، فلو عرفت أن مصر قد تميزت في عالم الفن طوال عصور التاريخ بالنحت والعمارة عرفت أن في شعر العقاد الصلب القوي المتين جانبًا يتصل اتصالًا مباشرًا بجذور الفن الأصيل في مصر".
منذ تعطلت جريدة الضياء في عام ۱٩٣٦م، وكان العقاد فيها مديرًا سياسيًا، إنصرف جهده الأكبر إلى التأليف والتحرير في المجلات، فكانت أخصب فتراته إنتاجًا. فقد ألف فيها ٧٥ كتابًا من أصل نحو ۱۰۰ كتاب ونيف، هذا عدا نحو ۱٥ ألف مقال أو تزيد مما يملأ مئات الكتب الأخرى.
تُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، فتُرجم كتابه المعروف "الله" إلى الفارسية، ونُقلت عبقرية محمد وعبقرية الإمام علي، وأبو الشهداء إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية. وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسم العقاد على إحدى قاعات محاضراتها، وسمي باسمه أحد أشهر شوارع القاهرة وهو شارع عباس العقاد الذي يقع في مدينة نصر. كما أنتج مسلسل بعنوان العملاق يحكي قصة حياة العقاد وكان من بطولة محمود مرسي. منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة.
منقول