من هنا يأتي السرطان، ومن هناك يحاصر البشر، لكن من "طاسة زيت الطعام" المكرر استخدامه تنتعش الجذور الحرة المسرطنة للخلايا الحية التي تصيب الكبد بالسرطان وتدمره، القضية خطيرة للغاية والتحذيرات مستمرة ضد محال الأطعمة الشعبية " وبخاصة محال الفلافل والطعمية " التي لا تجد وسيلة للتربح إلا على حساب صحة البشر من خلال تكرار استخدام " زيت القلي " وبعض الأصناف الاخرى من الزيوت الغير صالحة للاستهلاك الآدامي.
عبد المنعم حسين "40 عاما "، يعمل بالمعمار، ذهب إلى المستشفى مرات عديدة ليكشف على ألم في قلبه يشعر به دائما ولا يبالى به وبعد فحوصات وأشعة اكتشف بأنه مصابا بقصور في الشريان التاجى ومشاكل أخرى بصمامات القلب، وعندما روى للطبيب عن عاداته الغذائية فأكد له الطبيب أن السبب الرئيسى وراء هذه المشكلة تناول اطعمة تم طهيها في زيت تكرر استخدامه، حالة عبد المنعم مثلها بالمئات، تنظر في طوابير المرض تصرخ وتتألم، تبحث عن مطبب وطبيب وضمير حى في سوق طعام البشر.
الموت البطيء.. مخاطر
الدكتور هشام سرور أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيئية في بحث أجراه أوضح، أن الزيوت التي تستخدم في القلى متنوعة فكلما قلت الدهون المشبعة فيها وكلما ارتفعت درجة تحللها حراريا كلما كانت أفضل صحيا وتقدر قيمتها الصحية بمقدار ما تحتويه من دهون غير مشبعة مثل لينوليك أسيد N-6 الموجود في زيوت الصويا والذرة، لينولينك أسيد N-3 الموجودة في زيوت الصويا وزهرة الكانولا، متسائلا، ماذا يحدث عند تكرار القلى أو القلى لمدة تزيد عن 6 ساعات ؟ يؤدى لتكسر الفيتامينات وخاصة فيتامين هـ وتكرار التأكسد يكون ما يسمى "بالجذور أو الشقائق الحرة" وهى إلكترونات حرة تحدث تفاعلات داخل الخلية، فتهاجم الحمض النووي وتتسبب في تسرطن الخلايا.
أضاف سرور، أن عملية الأكسدة المستمرة للزيت تسير في مسار ثانى وهو تكون مواد هيدروكربونية وبيروكسيدية صعبة التكسير تضر الكبد لأنه المستقبل للدهون والسموم، وتؤدى إلى زيادة تشحمه وقد تتحول لسرطان الكبد، كما أن بقايا الطعام في الزيت تكون مسئولة عن نمو البكتيريا الضارة بالزيت والتي تؤثر على حموضة المعدة.
تابع سرور، أن الأبحاث أكدت أن هناك تفاعلات كيميا ضوئية عندما يترك الزيت المغلى في الضوء فترة طويلة فتتغير خواصه الفيزيائية الطعم والرائحة واللون مما يعنى تأكسد الزيت ويتغير من خواصه الكيميائية بالتالي سيكون غير قابل للاستخدام أو إعادة التدوير، وهناك دراسة لباحثين اسبان أكدت أن الأشخاص الذين يستخدمون نفس الزيت للقلي أكثر من مرة، لديهم حالات ارتفاع ضغط الدم أكثر من الأشخاص الذين يبدلون الزيت باستمرار، واخر الدراسات أكدت تكون مادة HNE عندما تتعدى درجة حرارة الزيت 200 درجة مئوية وحدث دخان فلابد التخلص من هذا الزيت لأن هناك دلائل على هذه المادة مسببة لأمراض الزهايمر والسكتة الدماغية.
الموت البطيء.. مخاطر
فيما أكد الدكتور مروان سالم الباحث في الغذاء والدواء، أكد أن استخدام الزيوت النباتية في التحمير ليس فيه ضرر أما استخدامها أكثر من مرة هو الكارثة الكبرى لأنه عندما تقوم ربة المنزل بالقلي أكثر من مره في نفس الزيت يحدث تغيير في كيمياء الزيت وتتحول بعض الجزيئات إلى شوارد حرة غير مرغوب فيها تترسب هذه الشوارد داخل الخلية وتحولها إلى خلية سرطانية، مضيفا أنه انتشرت في الآونة الأخيرة أنواع عديدة من سرطانات المعدة والقولون والاثني عشر.
ونصح سالم، باستخدام الزيوت النباتية في عملية القلي ولمرة واحدة فقط أو مرتين على الأكثر ولابد من اختيار زيوت ذات جودة عالية تتحمل الحرارة والقلي، مؤكدا أنه في مصر لا يوجد رقابة على طاسة الموت أو طاسة الطعمية التي يقوم صاحب المطعم باستخدام الزيت عشرات المرات في قلي وتحمير الطعمية والبطاطس حتى يتحول الزيت إلى اللون الأسود إذا لابد من رقابه المطاعم في الأحياء العشوائية رقابة صارمة.
الموت البطيء.. مخاطر
وفى دراسة أجراها الدكتور محمد سعد استاذ الكيمياء الحيوية والبيئية بجامعة القاهرة ظن واستشاري التغذية، خلال الفترة من عام 2000 وحتى عام 2005 على مراحل عمرية من 25 حتى 55 عام على سبع محافظات هي القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط وبنى سويف وطنطا والمنيا وأسوان وكانت نتائج الدراسة أن الإنسان يستهلك 1.6 كيلوجرام من الغذاء فيها 93 % من المطهيات بها 35 % مقليات واستهلاك الزيوت بها يصل إلى 22 كيلوا في السنة، واحتلت المقليات في دراسته على النصيب الأكبر من المخاطر لأنها تخل في كل الاطعمة المنزلية أو التي تطهى خارج المنزل " التيك اواى " ووجد أن استهلاك الإنسان قد زاد جدا من المقليات يوميا من 35 % إلى 42 % وهو يمثل خطرا على الكبد والجهاز الهضمي إضافة إلى تخزين السموم في أماكن تخزين الدهون.
فيما أثبتت دراسة الدكتور سعد، أن استخدام المقليات تؤدى لارتفاع نسبة الكوليسترول والسكر في الدم، وترسب الدهون على الكبد، وتؤثر على القلب وشرايينه وتؤدى للأورام السرطانية بأنواعها المختلفة وشيخوخة مبكرة، إضافة إلى تكون مركبات ضارة تسمى مركبات " ميلارد البنية " وهى ناتجة من تفاعل الاحماض الأمينية والسكريات الموجودة بالأغذية نتيجة تعرض المواد الغذائية لحرارة القلى والتي تصل إلى 160 درجة، وهذه المركبات تؤدى لتكوين مركب الاكريلاميد المسرطنة والبوليمرات ثم تحول الزيت إلى الصورة المؤكسدة.
وتابعت الدراسة أن تعرض الزيوت لدرجة حرارة من 160 إلى 180 درجة، يؤدى إلى تدمير اغلب الاحماض الدهنية الموجودة بها ثم تلفها ما فتؤثر على الكبد وتؤدى لشيخوخته إضافة لا نتاج خلايا مسرطنة، إضافة إلى تأكسد الروابط الزوجية بالأوكسجين والرطوبة ودرجة الحرارة العالية فتنتج مركبات ضارة تؤثر على جدار الاوعية الدموية وعضلة القلب والكبد وتؤثر على القدرة الذهنية والبدنية والعصبية للإنسان وتسبب اوراما مختلفة، وخلصت الدراسة أن المقليات بشكل عام منخفضة القيمة الغذائية والحيوية بها الكثير من المواد الضارة تؤدى لأمراض مزمنة وخطرة وخللا صحيا.
وأضافت ابحاث علمية أنه بالفحص الباثولوجي لكبد وكلى الفئران التي تمت تغذيتها بزيوت ناتجة من عمليات القلى لمدة يومين، أدت إلى التهابات وارتشاح وانقسام وتليف بخلايا كبد الفئران، وتوسيع الاوردة، إضافة لحدوث تغير بالكلى وتضخمات في الحجم.
الموت البطيء.. مخاطر
وأشار الدكتور خالد غانم، أستاذ الزراعات العضوية والعلوم البيئية بكلية الزراعة، إلى أن هناك عددا من التغيرات تحدث أثناء القلي وتؤثر على الجودة الحسية سواء للزيت أو الأغذية المقلية وهى تلونه باللون الداكن، ظهور رائحة تزنخ، وزيادة ملمسه، وتكون رغوة، خروج دخان من الزيت أثناء القلي، وبتكرار القلي تتكون مركبات كيمائية بوليميرية معقدة من نواتج أكسدة الزيت، وهى ضار بالصحة، وبعضها مسرطن وتكرار التأكسد يؤدي إلى تكون ما يعرف "بالجذور الحرة" وهو الأكسجين النشط، والتي تحدث تفاعلات داخل جسم الإنسان مع عملية الأيض وحرق الطاقة، فتهاجم المادة الوراثية وتتسبب في تسرطن الخلايا.
وشدد غانم، على أنه يجب عدم تكرار القلي بنفس الزيت أكثر من مرتين، وإضافة مواد للمادة التي يتم قليها مثل إضافة دقيق الصويا عند عمل العجائن، وإضافة مواد كغطاء لبعض المواد الغذائية تعمل على تقليل امتصاص الزيت، سلق المادة الغذائية قبل القلى، ومن المهم اختيار نوعية الزيت فيفضل استخدام خليط من الزيوت مثل زيت النخيل وزيت الصويا وزيت زهرة الشمس لآنها مناسبة للقلي وتتحمل درجات الحرارة العالية.
وطالب غانم، بعدم ترك الزيت يغلي أكثر من دقيقة واحدة دون وضع المادة المراد قليها فيه، أيضا يجب أن تتراوح درجة حرارة الزيت بين 170: 190 درجة مئوية، فإذا كانت أقل من 170 درجة مئوية تمتص المادة الغذائية الزيت ولو كانت أعلي من 190 درجة مئوية فيؤدي إلى التكسير الحراري للزيت، كما يجب تجنب وضع ملح أواي توابل على المادة المراد قليها، لآن الملح يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة وتكسير الزيت بسرعة، وعليه يجب إضافة الملح بعد القلي.
وتابع أستاذ الزراعات العضوية والعلوم البيئية، " يجب تجنب قلي المواد المجمدة وتجنب قلي كمية كبيرة من المادة الغذائية حتى لا تنخفض درجة حرارة الزيت ومن ثم تأخذ وقتا أطول للقلي، ومن ثم تمتص المادة الغذائية نسبة أكبر من الزيت، أيضا يجب أن تكون كمية الزيت المستخدمة في القلي في حدود 6 مرات قدر المادة التي يتم قليها، ولا يجب خلط زيت قديم مع جديد، وأخيرا الأواني المستخدمة في القلي يجب أن تكون ضحلة وواسعة وليست عميقة، ولا تستخدم أواني مصنوعة من النحاس والألومنيوم لأنها تعد منشطا قويا لأكسدة الدهن ".
الموت البطيء.. مخاطر
ورأى الدكتور هشام سرور أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيئية، أن الحل يكمن في أنه لابد من رقابة صارمة من الدولة على الزيت الخارج من مصانع الشيبسى والذي يعاد توزيعه على محال الفول والطعمية، ولابد من حملة توعية من خلال وسائل الإعلام بالا تتعدى درجة سخونة الزيت 180 درجة مئوية، وأن يعدم الزيت الذي يغلى لمدة 6 ساعات متواصلة، والا يستخدم أكثر من مرتين في القلى ويفضل مرة واحدة، وعدم وضع ملح على الطعام وهو يقلى لأنه عامل مساعد على زيادة تكسر الزيت وتأكسده فهو يقلل من درجة حرارة انحلال الزيت، ومحاولة تعميم استخدام الزيوت التي لها درجة انحلال عالية مثل زيت الكانولا أو زيت القرطم.
albawabhnews