أسباب صناعة المركَّبات الكيميائية
منذ الصغر والتساؤل الذي يشغل تفكير هو (ما هي الأسباب التي تدفع الكيميائيين إلى المركَّبــات الكيميائيــة؟) فقد طرحت السؤال على أساتذة الكيمياء الذين درست عندهم فكانت أغلب الإجابة تتلخص في (لأننا نحتاج إلى ما يُحَضِّرونه.) وهذا ما جعل التركيب الكيميائي مجالًا مفعمًا بالحيوية والنشاط، وسيظل كذلك؛ لكي يمدّنا بالأدوية، والمواد والسلع التي يتطلبها القرن الواحد والعشرون. فكما نعلم كل عام جديد يأتي معه بأساليب حديثة ففي عام 2015 وحده، نَشَر علماء الكيمياء طريقة جديدة لتحضير سلسة عقار باكليتاكسيل
paclitaxel المضاد للسرطان، كما نشروا أساليب حديثة لتحضير حمض النودليسبوريك nodulisporic الذي يمكن استخدامه كمبيد
حشري، إضافة إلى أساليب لتحضير مركَّب شبه قلوي، مضاد لفيروس نقص المناعة المكتسبة.
لكن بعد تخصصي في هذا المجال ودراسة فيه تبين لي أن هناك أسباب أخرى لتحضيرهذه الجزيئات التي لا علاقة لها بكل ما تم ذكره من أغراض نفعية للمجتمع، فقدْ يدور في دهن كيميائي ما أن يعرف من أي عناصر تركب رابطة ما فهنا يدفعه الفضول للبحث ومحاولة تحضيرها. وهذا هو الأصل فتَعَدُّد الأغراض والدوافع تحثنا على بناء مركبات جديدة تنتفع البشرية، ومن هنا يتميز الكيمياء عمن غيره من العلوم، وهو الاعتقاد بأن هناك فنًّا في عملية التحضير، يستحق أن نرعاه، ونعتني به لِذَاته فحسب.
تشارِك الكيمياء بذلك مع عمليات التصنيع التقليدية، فهي تتغير عبر الابتكارات في التصميم والتصنيع. ولم نَعُد نصنِّع السيارات، أو أجهزة التليفزيون بالطرق نفسها التي كنا نستخدمها في الماضي، فلماذا نستثني الجزيئات من هذا التغيير؟ ينبغي علينا أن نتفادى النظر بعين الرومانسية إلى عصر ماض متخيَّل،
بالطريقة نفسها التي استعاد بها المصمم ويليام موريس الفنون اليدوية التقليدية لعصور وسطى متوهمة. والأمر الأفضل من صنع جزيئات أكثر تعقيدًا أو أكبر حجمًا هو جعل هذه المركَّبات أكثر فائدة، وتركيبها بطرق أكثر فائدة. وكما هو الحال مع مجال العمارة، تُعْنَى الكيمياء بالأناقة في التصميم، وفي التنفيذ كذلك. ولم تتم بعد مناقشة هذه الجوانب في العلوم بصورة كافية من حيث: كيف تتبدى هذه الأناقة، وكيف تُحفّز، وما هي قيمة الحفاظ عليها؟
عند تَدَبُّر التركيب الأوتوماتيكي، على سبيل المثال، تتبادر إلى الذهن مقارنة من الرياضيات. فهناك ثمة جدال حول ما إذا كان الإثبات الرياضي يستحق الاحتفاء به لذاته، بغض النظر عن الطريقة، أم ينبغي أن يُحتفى به لأناقته ولهيئته، أي بالطريقة التي تم التوصل إليه بها. فهل ينبغي أن يتم تقدير «الإثباتات التي تتوصل إليها الآلات»؟ وأمثلة هذه الأسئلة تؤثر في صميم عمق العلوم كمسعى إنساني. فنحن نحدث أنفسنا بأنّ هدفنا هو المعرفة والمقدرة، ولكن هناك ثمة أشياء أخرى لها قيمة في نفوسنا أيضًا.
المصدر
mqalh
Belmouden