شخصيات مصرية
المعلم جرجس الجوهري
هو شقيق المعلم إبراهيم الجوهري، وليست شهرته فقط في علو المنصب وعظم المكانة، بل لِما امتاز به من العقل وكرم الأخلاق وعمل المعروف للجميع بدون تمييز بين مسلمٍ ونصرانيٍ وعدم التدخل فيما لا يعنيه وعظم النفس والصدق، حتى نال ثقة الجميع على اختلاف أجناسهم ومشاربهم. وقد باشر أمور الحكومة في أربعة عهود مختلفة واحتك بكثير من حكام متباينين في العادات والأخلاق والدين.
1. مدة حكم المماليك:
يذكر التاريخ أنه لما مات أخوه المعلم إبراهيم الجوهري قلده إبراهيم بك منصبه فأصبح كبير كتبة مصر. اقتدى بأخيه في كل شيء حتى نال ثقة المصريين، مسيحيين ومسلمين.
كان بين الكتبة الذين تحت إدارته رجل سوري الأصل يُدعى يوسف كسّاب سوّلت له نفسه أن يوشي به لدى إسماعيل بك الذي غضب عليه وعزله من منصبه، لكن بعد مدة وجيزة اكتشف إسماعيل بك كذب يوسف وخيانته، فأمر بتغريقه في نهر النيل، وأعاد المعلم جرجس إلى منصبه.
2. مدة الحملة الفرنسية:
مع أن الحملة الفرنسية تمثل فترة قصيرة جدًا بالنسبة لتاريخ مصر (1798-1801 م) لكنها تمثل دورًا هامًا في تاريخ الأقباط.
كان الأقباط في موقف لا يُحسدون عليه. فمن ناحيةٍ جاء نابليون بونابرت إلى مصر لُيقيم إمبراطورية في الشرق الأوسط تحت دعوى الدفاع عن الإسلام، فلم يترك فرصة إلا وأظهر ودّه للمسلمين والإسلام، فكان يلبس الزيّ الشرقي ويصحب قادته إلى المسجد ومعه مائة شيخ ليتلو التواشيح، ويحرك رأسه متظاهرًا بالتقوى، لكن المسلمين أدركوا ما في أعماقه أنه لا يؤمن بالدين.
ومن الجانب الآخر يروي لنا يعقوب بك نخلة أنه لما شاع الخبر أن الجنود الفرنسيين قادمون، واشتغل الأمراء بالاستعداد لمقابلتهم اختل النظام وسادت الفوضى، وكثر اللصوص وقطّاع الطرق في البلاد، وهاج سكان القاهرة على بيوت النصارى الأقباط والسوريين والإفرنج والأروام بدعوى البحث عما فيها من الأسلحة. واتخذ أهل الفساد والطمع هذا ذريعة، فنهبوا بيوت الذين لا قدرة لهم على المقاومة. وأشار البعض بقتل جميع النصارى عن آخرهم. فعارضهم في ذلك إبراهيم بك وقاومهم ومنعهم، واحتمى بعض النصارى الإفرنج وغيرهم في داره... وهجم رعاع الناس على بيوت البكاوات والأمراء الذين فروا أمام الفرنسيين ونهبوها.
لكن شعر بونابرت بحاجته إلى خبرة الأقباط خاصة في جمع الضرائب كما يظهر من رسالته إلى الجنرال كليبر Jean Baptiste Kléber في 22 أغسطس 1700 م.
لقد تعرف على المعلم جرجس، وكما يقول توفيق إسكاروس:
"لما قُضي الأمر وانتصر نابليون بجيوشه على المماليك في إمبابه ووصلوا إلى بولاق كلف (مراد بك) المعلم جرجس بإعداده لنزول نابليون فيه ففرشه وجهزه، ولما دخل القاهرة أقام به. ومن ذاك الحين عرفه نابليون وكليبر ومنومن بعده وتحققوا فيه سداد الرأي والحكم. فكان في نظرهم عميد الأقباط واحترموه غاية الاحترام".
اعتبره الفرنسيون عميد الأقباط، فأجلّوه واحترموه، واستصحبه نابليون بونابرت في إحدى المهام، كما استصحبه الفرنسيون في عبورهم للنيل عند بولاق عقب وصول الجيش العثماني إلى أبي قير بصحبة حلفائهم الإنجليز. وظل المعلم جرجس محافظًا على رئاسة الكتاب والمباشرة وحائزًا على ثقة الفرنسيين ورضاء أعيان المصريين وكبار المشايخ والسادة، حتى تم جلاء الفرنسيين عن مصر في سنة 1081 م.