يتلقى «بريد الجمعة» يوميا رسائل القراء التى يروون فيها تجاربهم فى الحياة بكل ما تحمله من دروس وعبر يستفيد منها الآخرون فى مواجهة ما يمرون به من شدائد ومتاعب.. ومنهجى دائما فى تناول قضاياهم ومشكلاتهم أنه لا يأس مع الحياة، وأن كلا منا مطالب بأن يتطلع إلى الأمل وهو يستشرف المستقبل، وأن يفكر بجدية فى أى مشكلة يواجهها، ويفاضل بين البدائل المتاحة لحلها، وأن يدرك أن المشوار مهما يكن طويلا يبدأ بخطوة واحدة، وإليكم الرسالة التالية:
أكتب إليك بعد أن وصلت إلى طريق مسدود، فلقد تشتت عقلى من كثرة الأفكار التى تتصارع فيه، وساد ليلى سهر طويل، وقلق وتوتر ومعاناة نفسية رهيبة، وما أقسى على الانسان أن يعيش هذه الحالة ولا يجد من يسمعه، ويأخذ بيديه، ويسانده حتى يتجاوز ما ألم به من متاعب وآلام، فأنا سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمري، وأعمل فى السلك الجامعي، بإحدى الجامعات المصرية، وترتيبى الثانية بين خمسة أشقاء «ثلاث بنات وولدان»، ونشأت وتربيت فى دولة عربية كان والدى يعمل فيها، وكان رجلا عصاميا بنى نفسه بنفسه بالحلال، إذ نشأ يتيما وواجه الحياة بكل مصاعبها، وتغلب على العقبات التى واجهها بصبر ودأب، وكوّن ثروة كبيرة. وهو حبى الأول ومثلى الأعلي، وقد رحل عن الدنيا منذ اثنى عشر عاما، وافتقدت برحيله السند والصديق، وتخبطت بى السبل لعدم وفاقى مع أمى فى كثير من الآراء.
ولم تكن لى أى تجارب عاطفية، ولم يشغلنى شيء سوى دراستى التى تفوقت فيها، وعينت معيدة بكليتي، وطلب يدى شاب رأى والدى أنه مناسب لي، فوافقت عليه، وتمت خطبتنا، واستمرت علاقتنا عدة شهور، وقبل أن يكتمل عام على الخطبة رحل أبى بعد معاناة من مرض عضال، ثم تخلى عنى خطيبي، فلم أحزن عليه، بل واحتقرته، إذ عرفت من المحيطين بى أنه كان على علاقة بفتاة أخرى فى أثناء خطبتنا، وأن له علاقات نسائية متعددة، وحمدت الله أن نجانى منه، وبعدها تقدم لى آخرون فلم أشعر بالقبول تجاه أى منهم، ثم مرت أربع سنوات حاولت خلالها أن أستعيد توازنى بعد ما حدث مع خطيبى السابق، وأحكّم عقلى فى اختيار شريك حياتي، ولا يتكرر ما تعرضت له من قبل، ثم جاءنى شاب كنت أعرفه معرفة سطحية، ولم تدع أمى لى فرصة لكى تعرف رأيى فيه، وتمسكت ببعض الأمور المتعلقة بالزواج، والأسرة، ولم تكن أمورا مادية، ولكن يبدو أن والد هذا الشاب رأى أن ابنه لن يكون مرتاحا فى هذه الزيجة، فأشار عليه بعدم إتمامها وخرج بلا عودة، ودخلت فى نقاش حاد مع أمى حول رؤيتها للزواج، وما تريده فى العريس الذى ترغب فى ارتباطى به، وتحديتها وتحديت نفسى بأن أوافق على أول طارق لبابى بعد ذلك أيا كان، وجاءنى شاب يكبرنى بعام واحد خطبت له، ولاحظت اعتماده الكلى على والده ماديا ومعنويا وحتى فكريا، وكان مبرره أنه ليس لديه المال الذى يكفينا، ولظروف عمله فإنه لا يتواجد فى القاهرة كثيرا، ووقعت بعض المشادات بيننا فى الخطبة، ورأيت منه العصبية والصوت العالي، ولا يحاول أن يجد حلولا للمشكلات التى تقع عادة فى كثير من البيوت، ويتفاداها الطرفان بقليل من الحكمة، فرأيت فسخ الخطبة، ولكن أمى وأختى الكبرى والتى لم تكن وقتها قد خطبت بعد، اعترضتا طريقى من باب أنه ليس من المعقول أن أخطب كثيرا ثم أنهى الخطبة فى كل مرة، فاستسلمت لرغبتهما، وحاولت أن أقنع نفسى بأن خطيبى ربما يكون طيبا جدا، وليس ممن يقيمون علاقات مع الفتيات بعكس خطيبى السابق، وأن حاله سوف تنصلح بعد الزواج، وإذا كان الله قد اختاره لى زوجا، فهو الأصلح، وعرفت أنه ثانى إخوته بعد أخته الكبري، ويليه ثلاثة إخوة، وترجع جذوره إلى إحدى محافظات الصعيد، ويعتمد على أمه وأخته فى كل شيء، وقد لازمتاه طوال حياته، فلم ينفصل عنهما ولم يتخذ قرارا فى أى أمر يخصه دون أن يرجع إليهما، وتزوجنا وأنا أتطلع إلى أن ينفض عن نفسه غبار «التبعية» لهما، لكن ذلك لم يحدث إذ زادت تدخلاتهما فى حياتنا، خصوصا وأنه مريض بحب الكلام، ويروى كل كبيرة وصغيرة دون أن يسأله أحد، وصار برنامجه اليومى ينصب على الحديث فى الهاتف عنا، وبعد فترة اجازة قصيرة من عمله عاد إلى نظامه الذى يسير عليه فى عمله بالشركة خارج القاهرة، حيث يظل هناك خمسة أيام ونصف يوم، ويأتينا يوما ونصف يوم، وخلال هذه الساعات نذهب إلى أسرته ونقضيها معهم، حيث إنهم يسكنون بالقرب منا فإذا وصلنا إلى بيتهم يتركني، ويخرج ليلعب كرة القدم مع أصدقائه ولم أكن أرى أمى كثيرا لأنها تسكن فى مكان بعيد عن محل سكننا.
ولم يمر على زواجنا ستة أشهر حتى بدأ سلسلة العنف الجسدى ضدي، فتطاول عليّ بيده مما كسر شيئا كبيرا بداخلي، وعاب أهلى عليّ الحساسية المفرطة ـ كما يقولون ـ ولكنى لم أتصور أبدا أن يحدث لى ذلك، وعرفت أن وراء تصرفه هذا والدته التى تحرضه ضدى بلا أسباب واضحة، وشددت رحالى إلى بيت أهلي، فجاءنى معتذرا، وقال إنه معترض على خروجى من البيت، وأقسم ألا يعود إلى التطاول عليّ أبدا، فعدت إليه على أمل أن تنصلح حاله، وللأسف ظل على أسلوبه الغريب فى الحياة، فهو يتصرف كشاب صغير، ولا يفكر إلا فى مباريات كرة القدم التى يتابعها أو يلعبها، ويشترى دائما أحدث أجهزة المحمول والحاسب الآلى ليشاهد عليها الأفلام، ويمارس الألعاب الالكترونية، وأصبحت حياتنا تصفو يوما، وتتعكر أياما، ولا يشغله شىء فى حياته بعد أداء عمله سوى الطعام والنوم والعلاقة الجسدية كأى مراهق.
وبعد عام ونصف العام منّ الله علينا بطفل جميل هو قرة عيني، وتصورت أن حال زوجى سوف تتغير، وأنه سيشعر بالمسئولية، لكنه لم يفق من طفولته ولا يحق لى أن أعترض على تصرفاته من منطلق أنه يكفينى ما يقوم به من عمل وما يصرفه على الطعام والشراب، والمدرسة التى التحق بها ابننا، وعلى مر الأيام لم يتوقف عن إيذائه لي، وعاد الى العنف الجسدى معي، واستفحل أمره من هذه الناحية منذ عام، فغادرت بيته الى منزل أسرتي، وظللت هناك ثلاثة أشهر كاملة، وأصررت على الطلاق حتى لو تنازلت عن كل شيء، بل وقلت لأهلى إننى على استعداد لأن أعطيه ما هو أكثر مما لى عنده فى سبيل الخلاص منه، لكن والدتى ضغطت علىّ بشدة ألا أنفصل عنه لخوفها من كلام الناس، وقالت إنها لا تقبل بأى حال أن أحمل لقب «مطلقة»، وهددتنى بطردى من بيتها، فعدت أجر أذيال الحسرة إلى زوجى الذى لا يعرف أى قدر من المسئولية!
وقد تظننى مدللة، ولكنى أشهد الله أننى أتحمل أسرتى بكل مشاغلها ومتطلباتها، وأرعى ابنى الذى يبلغ من العمر الآن سبع سنوات، وأحفظ غيبة زوجي، وأحترم وجوده، لكننى لا أشعر به، وتصيبنى تصرفاته بالخجل، ولكم شعرت بالأسف، وتصببت عرقا عندما كنا عند أهلى أو أهله، إذ يفتح هاتفه ويمارس ألعابه الإلكترونية غير مهتم بما يقوله الآخرون أو ينصت إليهم من باب الاحترام والاهتمام، وتجد الجميع فى واد، وهو فى واد آخر، ولا يعبأ بأى نظرات استغراب لما يفعله، ولا يلقى بالا لما أشير عليه به، ويبدو لى دائما أنه مازال طفلا لم يتجاوز اثنى عشر عاما.. نعم حاله وتصرفاته تؤكد ذلك، وإذا ضقت ذرعا، وأعربت عن اعتراضى على أسلوبه، وطريقة معاملته للآخرين، يعنف ابننا، ويثور عليه، ولا أدرى لماذا يفعل ذلك؟.. وأضطر فى النهاية الى السكوت التام.
وهكذا تمضى حياتنا على وتيرة واحدة، وليس لدى زوجى أى طموح أو أحلام مستقبلية أو حتى رغبة فى تغيير عمله، وتحسين أحوالنا، وأجزم بأنه بعد عشر سنوات من الآن لو طال بنا العمر، فسيكون على نفس حاله التى هو عليها الآن، وأحيانا أحدث نفسى بأن الله رحيم بنا، وربما لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى لم ننجب أطفالا آخرين حتى لا يتعذبوا فى حياتهم!
إننا نعيش فى منطقة شعبية، ولا يريد أن ننتقل منها الى أى مكان هادئ لمجرد أن يظل إلى جوار أهله الذين اتخذوا مسكنا بعيدا عنا منذ عامين، وانشغلوا قليلا فى تزويج شقيقيه اللذين يليانه فى السن، وليست لدينا سيارة، وابننا فى مدرسة سيئة يتعرض فيها للضرب بلا سبب، وكلما حدثته فى هذه المسألة يماطل ويجادل، وما أدراك ما المجادلة فى كل محاولة منى لتغيير الوضع، وأتولى شراء الكثير من مستلزمات الأسرة من مالى الخاص، وكأن لدى طفلين يجب أن أتحمل مسئوليتهما، فزوجى يعيش معنا، وكأنه يأتى إلى فندق للمبيت لمدة يوم ونصف اليوم مع وجود امرأة له فى الحلال!، فلقد مضى على زواجنا ثمانية أعوام وعدة أشهر، ولكنى لا أحس بأى مشاعر تجاهه، ولم يصل فى نظرى حتى إلى شخص جدير بالاحترام والتقدير، ويحزننى كثيرا أن ما كنت أحلم به صار سرابا، إذ ظللت طول عمرى أحلم بأب لأولادى يعينهم على حفظ كتاب الله، وحب القراءة والرياضة، وأن تكون لديه خطط وأحلام مستقبلية لهم.. لكن شيئا من ذلك لم أجده فيه أو حتى يحاول الوصول إليه، وإذا ضغطت وألححت عليه أن يشاركنى بعض الأعباء المنزلية، يستجيب أحيانا فيساعدنى فى ترتيب البيت!، وليست له أى علاقة نسائية، ولكن ينتابنى الخوف على ابنى من أن يتشبه بأبيه، ولقد رفضت أى علاقة جسدية مع زوجي، وصار الخرس الزوجى هو السائد فى الساعات التى يقضيها معي، وأكاد أختنق كلما تخيلت أننى سأظل على هذه الحال إلى أن أموت، وأخشى أن ألقى الله على معصية، ولذلك طرقت باب شيخ جليل منذ أشهر وأبلغته بحالي، فلامنى على هذا الوضع، وبينّ لى أن دور زوجى سيأتى عندما يكبر ابني! ولكنه لم يوضح متى يكبر زوجي؟!فهل تكمن المشكلة فى زيادة نضج المرأة، أم أن رجال هذا الزمان صاروا أشباه رجال؟ ثم هل ترانى على صواب؟ أم أن ما أطلبه من حياة زوجية مشتركة وواعدة وأطفال يرون أباهم مثلا يحتذى به هو درب من الخيال؟.. إننى أضع مشكلتى بين يديك راجية أن أجد لديك حلا يريحنى من ليالى العذاب التى أحياها بلا أمل فى أن تشرق شمس الطمأنينة فى أسرتنا.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
مع التسليم بخطأ المنهج الذى يسير عليه زوجك من انصرافه إلى نفسه، وانخراطه فى الألعاب التى يهواها ويمارسها فى أثناء لقائه مع الأهل والأصدقاء، والحديث الدائم عن الأمور الزوجية الخاصة مع أمه وأخته، فإن أسلوبك فى معالجة أخطائه ليس هو الطريق الصحيح لتقويمه، ولفت نظره إلى ضرورة أن يغير نفسه وإلا سوف يخسر أسرته، فالواضح أنك تتطاولين عليه بالكلام، مما يدفعه إلى إيذائك الجسدى على حد تعبيرك، ولم تكتف بذلك وإنما منعت نفسك عنه تماما، فهل تتصورين أن أى رجل يرضى بذلك؟.
إننى أفهم أن يلجأ زوجان متخاصمان إلى الهجر الشامل والامتناع عن أن يكلم أحدهما الآخر، ويطول الهجر ثم تهدأ النفوس، ويصبح سبب المشكلة والخصام من الماضى، ويتبين لكليهما أن الأمر لا يستحق ما يفعلانه، لكن الكبرياء والعزة بالإثم تجعل كلا منهما ينتظر الآخر ليكون البادئ بالصلح، أى ليكون هو المتذلل والمتنازل، ولذلك يطول الهجر وتضطرب حياة الأسرة، ولقد حرم الله على الزوجة أن تمتنع عن زوجها إذا دعاها إلى فراشه حتى لو كانت تخبز خبز العائلة على التنور كما جاء فى الحديث الشريف، بينما أذن للزوج أن يهجر زوجته فى المضجع إن هى نشزت، ولم يفعل جل جلاله ذلك محاباة للرجل أو تمييزا ضد المرأة، أو لأن شهوة الرجل إن ثارت فلابد له من إشباعها على الفور وإلا كانت الكارثة، إنما فعل ذلك ليحمى الزوجة من عواقب المشاعر التى يثيرها امتناعها عن زوجها فى نفسه، فمشاعر الانتقام إن هى لم تدفعه إلى ضربها وشتمها وكرهها لأنها سبب ما هو فيه من مذلة، فقد تدفعه إلى محاولة الاستغناء عنها جنسيا ليسترد كرامته وقدره والبحث عن أخرى لينزلق إلى الحرام أو قد يتزوج عليها ليشعرها بالمهانة كما أشعرته بها، وقد يلجأ إلى تحطيم ثقتها بنفسها وجمالها بانتقاد عيوبها الجسدية والجمالية، وكما أنه لا تخلو امرأة من لمحة جمال، فإنها نادرا ما تكون خالية من شىء تراه عيبا فى شكلها، وحتى إن كان جمالها كاملا، فإن جمال الدنيا لا يدوم، ولابد للسنين أن تترك أثرها فيه.
ومن أجل دوام المودة والرحمة بين الزوجين حرّم الله على الزوجة أن تمتنع عن زوجها، أو أن تهجره فى المضجع، والغريب هو عدم إدراكك أنك بامتناعك عن علاقتك الجسدية به تدفعينه نحو الهاوية، فتقولين إنه ليست له علاقات نسائية وتطمئنين لذلك، وأنت لا تدرين الخراب الذى يحل بأسرتك بسبب أفكارك التى ليس فيها أى شىء من النضج الذى تتحدثين عنه باعتبار أنك أكثر نضجا منه إذ أن فارق العمر بينكما عام واحد، ولذلك فإن تصرفاته لا تتناسب مع تفكيرك، وهذا القياس خاطئ تماما، فلكل شخص تفكيره وفقا لتربيته وتركيبته وثقافته، وليس هناك إنسان كامل إذ يوجد نقص لدى كل واحد فى بعض الجوانب، ويكون التعامل الأمثل معه مبنيا على ذلك، فتستطيعين أن تتخذى الصفات الطيبة والنواحى الإيجابية فيه مدخلا إليه لتحقيق ما تريدين وتغيير الصفات السلبية الموجودة لديه، فأنت قادرة على معرفة مفاتيح زوجك والطرق التى تعينه على التغلب على ما يسيطر على سلوكه من الانشغال بالألعاب الإلكترونية، خصوصا فى حضرة الأهل والأسرة، وليتركها إلى وقت الفراغ الذى يكون فيه بمفرده بعد انتهاء عمله طوال خمسة أيام فى الأسبوع، خصوصا أنه يعيش وحيدا فى مقر عمله خارج القاهرة، وليخصص اليوم الوحيد للأسرة، فيستعرض معك فيه ما مررت به من أحداث، ويأنس بابنكما الذى يجب أن تعالجا مشكلاتكما بعيدا عنه.
وأرجو أن تتخلى عن نبرة اليأس البادية فى كلماتك، وازرعى الثقة فى نفسك، واحتوى زوجك، ولا تعطى المشكلات التى تتحدثين عنها أكبر من حجمها، ولا تكثرى الشكوى منه، واعلمى أن الوقت جزء من الحل، وارفعى معنوياته، وسلطى الأضواء على إيجابياته، وإياك ومقارنته بالآخرين، فإن المقارنة فيها ظلم، وأنت لا تعرفين عن الآخرين إلا ما ظهر، وعليك عامل كبير فى استيعاب تصرفاته، فالواضح أن تأثير أمه وأخته عليه سوف يتلاشى بمرور الزمن.
والحقيقة أن أكثر ما يقلقنى فى حكايتك هو أنك تعيشين مع زوجك لكى تحافظى على صورتك أمام الآخرين، ولا أتصور فرض بقاء أى امرأة مع رجل لا تطيقه، ولقد قيل فى ذلك «إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك»، وقال المتنبى:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
ولذلك يجب أن تنزعى عن نفسك الغشاوة التى تظلل عينيك، وأن تتنبهى إلى أن حياتك الزوجية مهددة بالانهيار إذا لم تقربى المسافات مع زوجك، ويجب أن يضبط أهلك وأهله مسافة مناسبة فى علاقتهم بكما فلا يبتعدوا تماما، ولا يقتربوا أكثر من اللازم، إذ أن استسلام أى زوجين لتدخلات الأهل يترتب عليه ضياع خصوصية الحياة الزوجية، وضعف الحميمية، ونمو الجفاء بينهما، وتنامى الغضب المكبوت داخلهما، ومن ثم قد يحدث الطلاق فى أى لحظة.
وأحسب أن زوجك يدرك ذلك تماما، وحتى إن بدا أمامك أنه غير مكترث لكلامك، وإياك أن تبوحى بأسرارك إلى أهلك، أو أن يبوح هو بأسراره إلى أهله، وعليكما بدء صفحة جديدة قوامها الحب والتقارب والحوار الإلحاحى من كل منكما للتعبير عن حبه للآخر، وحينئذ سوف تصفو نفساكما، ويمكنكما الانتقال إلى منطقة أخرى غير التى تعيشان فيها ويجب أن تحذرى الحديث عما تشترينه من مالك، والمساهمات التى تقدمينها فى المعيشة، فمثل هذه الأمور البسيطة تساعد على ترسيب الاحتقان فى النفوس.
ويبقى أن ترتبى لقاءات مستمرة مع زوجك، وتتخيرى الوقت المناسب لها، ولا تخبرى أحدا بذلك، وليفعل هو أيضا الصنيع نفسه ويسعى لاحتوائك دون تدخل من أحد، ولتعملا دائما بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، وقوله أيضا «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضى إلى امرأته، وتفضى إليه، ثم ينشر سرها»، وقيل فى الأمثال الشعبية «الرجل وزوجته مثل القبر وصاحبه»، وهو كناية عن السرية التامة، بمعنى أنه لا يوجد أحد منا يعلم ما يحدث لسكان القبور حتى أقرب الأقربين، ولا يعلم حالهم إلا الله، وكذلك ينبغى أن تكون الحال بالنسبة للحياة الزوجية، فالبيوت أسرار.. أسأل الله أن يثبتكما على الحق، وأن يكف زوجك عن الألعاب التى تلهيه عن بيته، وأن يدرك قيمته وقدره بين الناس، وأن تتفهمى أوضاعه، وأن ترسما معا منهجا جديدا يساعدكما على الإبحار بنجاح فى نهر الحياة.. وهو وحده المستعان.