في مطلع شبابي وأثناء زيارتي إلى القرية تعرفت على جارة أقاربي وهي فتاة قروية رقيقة و جميلة .. توطدت بيننا الصداقة وحكت لي عن قصة حبها التي دامت سنوات انتظرت خلالها أن يتخرج حبيبها ويشتغل ويتقدم لخطبتها من أهلها ... كانت سيدة سعيدة جدا وهي تزف لي خبر مجيء حبيبها آخر الأسبوع صحبة أهله ليطلبها من أخيها وهو ولي أمرها بعد وفاة والديْها .. وكم احترمت هذا الحبيب الوفيّ وهي تخبرني عنه أنّه جمع رواتب أوّل خمسة أشهر لكي يواجه مصاريف الخطوبة .... ولم أكمل أيّام الأسبوع في القرية وعدت إلى المدينة ... لم بكن في ذلك العهد وسائل الاتصال متوفرة لكن سيدة لم تغب عن بالي .
بعد سنوات طويلة شاء القدر أن أعود إلى القرية ..والتقيت بسيدة كانت مصحوبة بطفل صغير يناديها " ماما " ..فرحت لأنّ سيدة تزوجت و ها أنا أرى ثمرة الحب ..وقلت لها " ألف مبروك يا سيدة " وإذا بها تنفجر باكية ...ووقع قلبي بين ضلوعي وتساءلت في صمت "هل مات الحبيب ؟ " ... وتحدثت سيدة وسط دموعها لتخبرني أنّها لم تتزوج حبيبها .. لقد علم أخوها من الناس بعلاقتهما وذلك قبل الخطوبة بيوم واحد مما جعله يرفض هذا الزواج متعللا بأنّه يحفظ شرف العائلة بهذا الرفض.. ففي القبول بهذا الحبيب هو تأكيد للشائعات....وتملكني العجب من هذا التفكير العجيب والطريقة الغريبة للمحافظة على الشرف....
كنت مستغرقة في التفكير وبي ألم شديد من أجل "سيدة" لمّا مدت سيدها يدها وفتحت كفّها فقرأت اسم حبيبها وقد رسمته بالحناء ..نظرت إليها متعجبة ..فقالت : "ومرسوم في قلبي إلى الأبد "
نسيمة الهادي اللجمي
صفاقس...تونس