تقدم الثوار بريف حلب الشرقي ضد تنظيم الدولة يغير الحسابات
حققت فصائل الثوار مؤخرا تقدما لافتا ضد تنظيم الدولة، وتحولت من حالة الدفاع للهجوم، إذ سيطر الثوار على قرى عدة من قبضة التنظيم، وصولا لبلدة الراعي الاستراتيجية الأسبوع الماضي، وهو ما سيترتب عليه، وفق ناشطين ميدانيين، تطورات دراماتيكية للريفين الشمالي والشرقي في حلب.
وسبق أن سيطرت الفصائل على عدة قرى، في طريقها إلى بلدة الراعي، أبرزها: غزل، وقره مزرعة، وبغيدين، دوديان، والخلفتلي، وتل بطال، وتل شعير، وتل سفير، وطاط حمص، ومزرعة شاهين.
فصائل المعارضة تستعيد بلدة الراعي الحدودية مع تركيا من داعش
من جهته، يقول عماد حنيظل، رئيس المجلس الثوري في مدينة منبج سابقا، إن "انتقال الثوار للمبادرة يعود لاستبسالهم، ولا سيما بعد قطع الطريق الواصل بين الريفين الشمالي والغربي، ما جعل الثوار محاصرين من ثلاث جهات، فكان لا بدّ من كسر الحصار".
ويؤكد آخرون أن التقدم مرجعه الدعم العسكري الخارجي المقدم للثوار. وفي هذا السياق، يقول أبو صلاح، وهو ناشط إعلامي في ريف حلب، إنه "لم يعد الحماس كافيا لتحقيق النصر والحسم، فالتقدم الأخير سببه الدعم الجوي، والسلاح النوعي المقدم للثوار"، فلم يعد الثوار يشكون شح الذخيرة خلال المعارك مع تنظيم الدولة، وهي الشكوى المتكررة في المعارك مع قوات النظام السوري.
ويوضح أبو مصطفى، من لواء السلطان مراد المشارك في قتال تنظيم الدولة، أن الفرقة 99 التي "أنهت تدريباتها في تركيا مؤخرا"، كان لها دور كبير بتحرير بلدة الراعي، و"كذلك لواء الحمزة وفرقة السلطان مراد المدعومتين بقوة من تركيا".
ويترتب على تحرير "الراعي" نتائج سياسية وعسكرية، إذ يفتح أمام الثوار ثلاثة احتمالات، كما يقول أبو أحمد، المقاتل في لواء الحمزة. ويضيف: "ينبغي علينا حماية ظهرنا وتحرير ما تبقى من الريف الشمالي قبل التوجه شرقا، أي تحرير الطوقلي واحتيملات وصوران وتلالين (سيكون) هدفنا الحالي".
وتوضح الخارطة الجغرافية أن الطريق نحو مدن الباب ومنبج وجرابلس، في ريف حلب الشرقي، بات مفتوحا، إذ إن أغلب المناطق بين الراعي وهذه المدن مناطق زراعية مفتوحة، بحسب عماد حنيظل.
كما تمهد سيطرة الثوار على هذه المناطق؛ الطريق لفرض المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا منذ فترة طويلة، وهذا ما يفسر الدعم التركي، لا سيما أن الأتراك يسعون أيضا لقطع الطريق على الوحدات الكردية للوصول إلى هذه المناطق القريبة من الحدود التركية.
ويضيف حنيظل: "بددت انتصارات الثوار حلم الدويلة الكردية، وأصبح مشروع وصل عين العرب بعفرين من الماضي، فالعرب يشكلون أكثر من 80 في المئة من سكان هذه المناطق والباقي تركمان وكرد وشركس"، وفق قوله.
وكانت الوحدات الكردية تسعى للتقدم شرقا وعبور نهر الفرات باتجاه مناطق سيطرة تنظيم الدولة، لا سيما جرابلس ومنبج، لكن التهديدات التركية بالتدخل إذا عبرت القوات الكردية نهر الفرات أجهضت هذا التوجه.
ويرى حنيظل أن تقدم الثوار شرقا يمثل خبرا سارا لسكان هذه المناطق، الذين كانوا يخشون من سيطرة الوحدات الكردية بعد طرد تنظيم الدولة، حيث تتهم الوحدات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني)، بإقامة مجالس عسكرية ومدنية "صورية" لكنها تخضع لسيطرتها.
وشكل الحزب الكردي إدارات ذاتية في مناطق سيطرته، وضم إليها أشخاصا من خلفيات متعددة، لكن ذلك لم يدفع عن الحزب الاتهامات بأن هذه الإدارات تخضع لسلطته على أرض الواقع.
وفي هذا السياق، قال عماد حنيظل إن "ما يدعيه الكرد من أن مجلس الثوار يمثل منبج محض كذب، ولا يمثل منبج، فهو يضم شخصيات ذات تاريخ أسود ففاروق الماشي رئيس المجلس وأبناء عمومته أعضاء في مجلس الدمى (الشعب) وقسم آخر يعمل مع تنظيم الدولة، كما أن الغالبية فيه كردية خلافا للواقع على الأرض"، في إشارة للواقع الديمغرافي.
وينسحب الأمر ذاته على المجالس كافة، التي شكلتها قوات الحماية الكردية في المناطق العربية، بحسب قول عماد حنيظل، الذي أوضح أن "المجلس العسكري في صرين وعين العرب (كوباني) ذو أغلبية كردية، والأسماء العربية هم من الذين تسلقوا الثورة وادعوا انتماءهم للجيش الحر، وقاموا بأعمال السلب والنهب والخطف، والأهالي يعرفونهم بالاسم"، وفق تعبيره.
وبينما يعبر الثوار عن أملهم بقرب طرد تنظيم الدولة من الريف الشرقي بحلب، ويتوقعون ألا يستغرق ذلك سوى بضعة شهور، يخشو في الآن ذاته أن يقلب تنظيم الدولة الطاولة عليهم، من خلال الانسحاب من الباب ومنبج وتسليمهما للنظام أو قوات الحماية الكردية.
ويقول الناشط أبو صلاح: "لتنظيم الدولة سوابق لهذا التسليم، فقد سلم عشرات القرى شرق السفيرة (جنوب حلب)، وكذلك تدمر".
لكن أبو أحمد يرى صعوبة سيطرة الوحدات الكردية أو قوات النظام، قائلا: "النظام لا يمتلك قوة بشرية تستطيع مسك الأرض، ومن جانب آخر يرى الأمريكان معركة منبج باهظة التكاليف لقوات الحماية الكردية نظرا للغالبية العربية".
ويبقى سيناريو التسليم، رغم تعقيداته، الأصعب على الثوار. فقد صدرت إيحاءات عن التنظيم بهذا السيناريو.
ويشير محمد أبو يوسف، المدرس في مدينة منبج، إلى أن "خطبة الجمعة التي أعقبت تحرير الراعي كانت عبارة عن توبيخ وتقريع للأهالي لتقاعسهم عن حمل السلاح ضد الثوار".
ويتابع أبو يوسف واصفا حالة الغضب في صفوف عناصر التنظيم: "أكد كثير من الخطباء أنَّ قتال الصحوات (الثوار) أولى من قتال النظام والقوات الكردية في الوقت الراهن"، فيما هدد التنظيم "الأهالي بالانسحاب إلى دير الزور في حال استمر الأهالي في رفضهم حمل السلاح".
وقام التنظيم بعدد من الإجراءات، بحسب الناشط الإعلامي في منبج، أبو علي المنبجي: "رفع التنظيم السواتر، وحفر الخنادق، وسحب شرطته المدنية وموظفيه المدنيين إلى الجبهات استعدادا للمعارك المقبلة".
وتضاعفت خشية التنظيم، وفق ما يرى مؤيد، أحد سكان منبج، "لإدراك التنظيم حجم الحاضنة الشعبية للثوار خلافا للنظام أو قوات الحماية".
وتبقى المعركة مفتوحة، ورهينة للدعم الاستراتيجي المقدم من القوى الخارجية، فالمناطق المتوقع اشتعال المعارك تتنازعها كل القوى المحلية، سواء المعارضة أو النظام أو الأكراد أو تنظيم الدولة، ولكل طرف قوى خارجية تدعمه، أو لها مصلحة في تقدمه، لكن المؤكد أن ما بعد الراعي يختلف عما قبلها، كما يرى المراقبون في المنطقة.