الإعدامات الميدانية... سياسة الاحتلال بالقتل الممنهج للفلسطينيين
العربى الجديد - رام الله ــ نائلة خليل
تتساءل عائلة الشهيد عبد الفتاح الشريف (21 عاماً)، بعتبٍ ولوم، عن عدم تواصل المستويات الرسمية الفلسطينية مع العائلة، واستخدام الشريط المصور الذي يظهر إعدام قوات الاحتلال لابنها، أمس الأول الخميس، بدم بارد، في إثبات دامغ على سياسة ممنهجة تتبعها قوات الاحتلال في إعدام الفلسطينيين. واستشهد كل من الشريف وصديقه رمزي عزيز القصراوي (21 عاماً)، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، على مدخل حي تل رميدة في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، بذريعة تنفيذهما عملية طعن لأحد جنود الاحتلال.
في هذا السياق، يقول المتحدث باسم عائلة الشريف، الحاج فتحي الشريف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك تقصيراً رسمياً فلسطينياً من جميع المستويات في التعاطي مع قضية استشهاد ابننا الشريف، واستخدام الفيديو المصوّر في إثبات سياسة الاحتلال بالقتل المتعمّد، والإعدام الميداني". ويضيف الشريف "كنت أتوقع أن تتصل بنا الجهات الرسمية لإطلاعنا على جهودهم في نشر الفيديو على نطاق واسع عبر السفارات الفلسطينية واللجنة المكلّفة بمتابعة المحكمة الجنائية الدولية، لكن شيئاً من هذا لم يحدث. والأسوأ أن وزير الصحة الفلسطيني، جواد عواد، لم يبادر لأي اتصال في هذا السياق، واكتفى ببيان صحافي حول جريمة الإعدام".
وتنحصر مطالب عائلة الشريف في الخليل بأن "يُستخدم تصوير الفيديو الذي يظهر قيام جندي إسرائيلي بالاقتراب من الشريف المصاب برصاصات عدة في الأجزاء السفلية من جسده، وإصابته برصاصة مباشرة في الرأس أدت لاستشهاده الفوري، لمنع أي عمليات إعدام مشابهة يقوم بها جيش الاحتلال ضد المقاومين الفلسطينيين في الأيام المقبلة"، وفقاً للمتحدث باسم العائلة. ويعتبر الشريف أنّ "الفيديو يشكّل فرصة كبيرة للمستويات الرسمية الفلسطينية لإثبات القتل الممنهج الذي يقوم به الاحتلال. وعلى الرغم من بثه على عدد كبير من القنوات العربية والأجنبية، لم تظهر المستويات الرسمية الفلسطينية أية ردة فعل تجاه هذا الفيديو، وإن كانت ستستخدمه أم لا. هذا أمر غريب جداً".
ويسود اعتقاد راسخ لدى العديد من المنظمات الحقوقية العالمية والإسرائيلية والفلسطينية أنّ هناك سياسة قتل متعمّد يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي تحت مظلة جهاز التحقيق الإسرائيلي الذي يقوم بجهود كبيرة لعدم محاسبة وتجريم الجُناة. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر موثوقة، أن مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية كبيرة قررت، منذ أشهر، وقف التعامل مع منظومة التحقيقيات الإسرائيلية، بعدما توصلت إلى نتيجة، بعد نحو عقدين من عملها، مفادها أن جهاز التحقيق الإسرائيلي بات يقوم بعملية ممنهجة للتغطية على الجناة وعدم محاسبتهم. وتقول هذه المصادر لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد 25 عاماً من العمل في توثيق أدلّة القتل المتعمّد، والكثير من الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، نستطيع القول إنّه لا يوجد أي جهاز تحقيق إسرائيلي ينفّذ آليات تحقيق ومحاسبة ضد الجناة على الأرض. ندرس، حالياً، الإعلان عن هذه النتيجة والتوجه إلى آليات المحاسبة الدولية"، بحسب المصادر.
محاولات إسرائيلية للتستر على جريمة إعدام الشريف بالخليل
وتشير المعطيات إلى ارتفاع عدد الشهداء منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 209 شهداء، بينهم 128 أعدموا على خلفية تنفيذ عمليات طعن، أو دهس، أو اشتباه بذلك، منهم 60 فلسطينياً تم إعدامهم على حواجز ونقاط عسكرية داخل وخارج مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة. وتوصلت المنظمات الدولية والفلسطينية والإسرائيلية، خلال عملها في توثيق الإعدامات الميدانية تمهيداً لمحاسبة المسؤولين عنها، إلى نتيجة واحدة مفادها أنّ قتل الفلسطينيين لم يعد عملية فردية، بل سياسة ممنهجة تدعمها مؤسسة التحقيق التي لا تُجرّم الجناة، في ظل تحريض سياسي وعسكري إسرائيلي واسع من الصعب إنكاره.
يقول مدير البحث الميداني في منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، كريم جبران، إنّ "الإعدام الميداني لم يعد قضية فردية. لقد تم تجاوزها اليوم، لأننا أمام منظومة تحريض من مستويات سياسية وعسكرية إسرائيلية عليا على قتل الفلسطينيين. كما أنّ كثيرين يتكلمون عن إطلاق النار بهدف القتل، وعدم ترك الفلسطينيين في المكان أحياء، وكل فلسطيني يفكر في مهاجمة إسرائيلي يجب أن يموت على الأرض، واعتبار كل مطلق نار إسرائيلي على الأرض بطلاً"، على حدّ تعبيره. ويضيف جبران لـ"العربي الجديد"، أنّه "لا توجد تحقيقات جديّة، وحتى لو اضطرت الجهات الإسرائيلية للتحقيق، سيتم مع الجندي من دون وصول الملف إلى المستويات العليا التي تصدر التوجيهات العامة للجنود بإطلاق النار".
وبحسب معطيات المنظمات الحقوقية الدولية، ومنها "هيومن رايتس ووتش"، فإن حكومة الاحتلال لم تقم بمحاكمة أي من قادة وجنود الاحتلال بعد العدوان على قطاع غزة عام 2012 و2014، فيما وصل عدد الذين جرت محاكمتهم بعد عدوان غزة عام 2008 و2009 إلى أربعة جنود فقط. وتخلص المؤسسات الحقوقية التي تقوم بعميلة توثيق جرائم واعتداءات الاحتلال تمهيداً لمحاسبة الجناة إلى أنّ جهاز التحقيق الإسرائيلي فتح تحقيقاً بما لا يتجاوز 3 في المائة من أصل جميع الشكاوى المقدّمة ضد الجنود والقادة الإسرائيليين منذ عام 2000 إلى 2014. وغالباً ما كانت التحقيقات تنتهي بأن الجندي تصرّف بحسب المعطيات على الأرض، أو تم توجيه بعض العقوبات المخفّفة للجنود، والتي لا تشكل أي ردع لهم، بحسب تقارير المنظمات. وتقول مصادر من منظمة حقوقية دولية تعمل في فلسطين، لـ"العربي الجديد": "هناك تقاليد راسخة عند آلة التحقيق الإسرائيلية، بعدم التحقيق وتجريم الجناة. وتاريخياً لم تتم محاسبة ولا محاكمة أي جندي قاتِل مهما توفّر من أدلة تدينه".
من جانبه، يرى محامي مؤسسة الحق عصام عابدين، أنّ "الإعدامات الميدانية التي ينفذها جنود الاحتلال وراءها سياسة دولة، وهي من الجرائم الجنائية الخطيرة التي تصنّف جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، والتي هي من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية". ويوضح عابدين لـ"العربي الجديد"، أنّنا "أمام معطى واضح وهو أن مكتب المدعية العامة بدأ، عام 2015، بإتمام دراسة في هذه الحالة، وأي ملفات مهنية في هذا الإطار ستعزز الدراسة الأولية وتجعلها تنتقل خطوة للأمام، أي باتجاه التحقيق الرسمي. وعندما ينضج الأخير، يأتي دور مذكرات التوقيف والقبض. وهنا نصل إلى ذروة العملية، لأنها محكمة أفراد لقادة عسكريين وسياسيين"، وفقاً لعابدين. ويضيف أنّه "حتى نصل إلى مرحلة التحقيق ومن ثم مذكرات التوقيف والقبض، لا يزال الطريق طويلاً، ويحتاج إلى رصد وتوثيق مهني محترف، وبناء ملفات فيها أدلة مادية ومعطيات، وتحليل قانوني، ليتم بعد ذلك رفع الملف".