البعض قال بأنه الكبر
عندما قال إبليس لما أمره الله تعالى بالسجود لآدم بعد خلقه : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "
والبعض يرى أنه الحسد
لأن إبليس حسد آدم لما رأى الكرامة التي خصه الله بها دونه ودون الملائكة
والبعض يقول أنه التبرير
لأن إبليس أمر بالسجود فعلل عدم سجوده أنه خير منه مع أن المطلوب منه هو السجود فقط لاغير
ولكن هذه الآراء ليست سوى مظاهر للمشكلة
إن أول ذنب عصي الله تعالى به هو العنصرية
فإبليس في غرور عنصري نعرفه تماما يؤكد أن عنصره أسمى وأشرف وأفضل من الطين الذي يرى أنه أقل وأدنى مرتبة من النار
ولذلك أباح لنفسه التعامل مع آدم وفق رؤيته العنصرية واستثناء نفسه من الأمر الإلهي الملزم والواضح وإنكار تلك المزية التي خص الله بها آدم من بين مخلوقاته.
ما يؤسف له أن العلماء الذين تطرقوا لموقف إبليس ردوا عليه برد عنصري هو الاخر ، فتراهم يسوقون القرائن والدلائل على أن الطين أفضل من النار ، وأنه يدل على السكينة والأناة والنفع بينما النار محل السفه والطيش والنزق، وهذا مسلك عنصري آخر .
بينما تجد الملائكة الكرام عندما قال لهم الله تعالى إن جاعل في الأرض خليفة .
أجابوا بجواب منطقي وعادل فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، فتوجهوا للفعل لا للعنصر ، وكذلك قول الخالق جل وعلا رادا عليهم إني أعلم ما لا تعلمون ،ثم أثبت الله تعالى لهم بالتجربة أن أفضلية آدم كانت بالعلم وعلم آدم الأسماء كلها، ثم قال للملائكة أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، فقالوا سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا ، ثم قام الاختبار وأمر الله آدم أن ينبئهم بأسمائهم فأنبأهم وتحقق بذلك فضله وشرفه بالعلم لا بالعنصر والمحتد والأصل.
لذلك فإن شيخ العنصريين على مر التاريخ هو إبليس عدو الله ، وهو سلفهم وإمامهم ، وإنما تتحدد مكانة الناس بالعلم وما يقوم به الإنسان من الإصلاح وعمل الخير وعدم سفك الدماء والإفساد في الأرض.
وكل النصوص التي ترد مفضلة أحد البشر على أحد إنما يراد بها الإيمان والعمل الصالح ، وكل تفضيل ناله قوم أو أكرموا به فهو بسبب عمل صالح قام به سلف لهم وكان إكرامهم جزء من ثوابه ولكن بدون زوال المسؤولية عنهم ، وإلا كان هذا التفضيل مدعاة إلى الجور وعدم العدل بين الناس والمساواة بينهم في التكليف وهو ما ننزه الله تعالى عنه.
لا أريد أن أسلك بالحديث مسلكا نظريا دون كشف لما يحدث بيننا في الواقع. إن العنصرية متأصلة بشكل كريه في نفوس المسلمين اليوم ، بدءا بتفضيل أقوام على أقوام عرقيا وذلك متمثل في ادعائنا كعرب أننا مثال الهوية الإسلامية مع أن بداهة اكتمال الدين كنظام موجه للعالمين جعل منه قضية عالمية ليست ملكا لأحد ولا يدعي القوامة عليها قوم، وانتهاء بتكوين جهاز مفاهيمي عقلي يحدد أفضلية دينية تسري حسب تراتبية عرقية محددة مدعومة بالتأييد وطوعت من أجلها النصوص، فجعلت فرص أقوام في الوصول إلى منازل معينة في الدين أعلى من أقوام ، وجعلت لسلالات معينة – الأشراف غالبا – حق الوصول لأعلى المنازل دون جهد يذكر وبمجرد انتمائها للنسب الشريف.
إن هذه العملية فضلا عن أنها تدخل سافر وصريح في ماهو من خصوصيات الإله فإنها في حال جمهرتها ستقلل من بريق الإسلام كدين مؤسس على المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وانعدام التمييز، وتلك من أقوى معالم الإسلام كعقيدة وفكر وسلوك.
يجب أن يعترف كل من يشعر في نفسه بأن هناك أفضلية جينية أو متوارثة أو خاصة بعرق أنه عنصري بصورة ما ولعلي أشرت إلى هذه القضية بصورة أو بأخرى في مقالة أخرى في هذه المدونة تحت عنوان الذاكرة الجينية .
وبالملاحظة فإن الاعتقاد بأفضلية قوم على قوم أو علو مكانة أشخاص على اشخاص يخضع لأحكام هوية ثقافية معينة ، فبينما نجدها عرقية محضة في دين كالبرهمية أو مذهب كالنازية أو دولة كإسرائيل أو قبائل كالعرب ، نجدها في أديان ومذاهب ودول وقبائل أخرى راجعة إلى انجاز تاريخي لعنصر معين كمجد حربي أو اقتصادي ، أو خصائص نفسية واجتماعية معينة حرصت الكيانات العنصرية على الحفاظ عليها لسنوات .
إن التجمع على أساس العرق يدل على بدائية في بنية العلاقات المجتمعية ، فعلاوة على الجمود الذي يقيد الفعل البشري الاختياري والذي هو من أهم السمات التي تميز البشر عن غيرهم ، فإن العناية بالانسان كفرد وهي السمة التي يتسم بها العالم المتحضر والفروق الفردية التي تسمح للفرد أن يستفيد بأقصى صورة ممكنة من ميزاته الشخصية سوف تموت في ظل التجمع على أساس عرقي ، ولعل هذا واضح في المشكلات التي تعاني منها الجماعات المنغلقة في حدود العشيرة والقبيلة ، في مسائل كالزواج والطموح الفردي في مجالات جديدة ، وتحمل تبعات أخطاء لم يرتكبها المرء ،وليس صحيحا ما يقال أنه مجرد نزعة فطرية وطبيعية إلى الحفاظ على النوع.
لقد بدأ الإنسان بالتجمع على أساس النوع
ثم على أساس السلالة و أبناء الأب الواحد" القبيلة"،
ثم التجمع على أساس النفوذ والخضوع لقوة كبرى تنتظم عدة سلالات وأعراق "الامبراطوريات "
ثم التجمع على أساس الدين" الأديان"
ثم التجمع على أساس القومية والعرق" الدول القومية"
ثم التجمع على أساس المواطنة والمصير المشترك"الوطن بحدوده الجغرافية"
ثم التجمع على أساس الأيديولوجيا الفكرية والمشروع الحضاري "المعسكرات الفكرية : الرأسمالية، الشيوعية ، العالم الثالث"،
ثم أخيرا الفردية التي تفرضها العولمة اليوم وبقوة "القرية الكونية، والنظام العالمي الموحد" والتي تركز على الاتصال التفاعلي وتتيح للمستقبل أن يكون مرسلا ، ودعم الفردية وحمايتها بقوانين حقوق الإنسان والحريات والخصوصية كل تلك إنجازات بشرية تعتبر تطورا وتقدما يعد التخلي عنه من أشد صور الرجعية.
قد يحقق التجمع العرقي عمليا فائدة للبعض وخاصة الجماعات المهددة بصورة أو بأخرى ولكنه يعبر في الحقيقة عن مستوى أقل من الحرية والوعي بالذات الفردية وعلى عدم قدرة على إدارة العلاقة مع المحيط بصورة لا تلغي الذات، وهي طفولة انسانية ولاشك.
...لاتنسون ادعولي...
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار