في ظل العديد من المشاكل الاقتصادية التي يواجهها المواطن المصري، يجد نفسه على موعد في منتصف 2016، مع مواجهة مجموعة من الإجراءات التي ستصاحب مشروع موازنة العام المالي القادم. ويتوقع أن تشهد الموازنة المقبلة، خطوات أسرع في تخفيض الدعم الخاص بالوقود والغذاء، كما قد تسعى الحكومة للإسراع باعتماد قانون ضريبة القيمة المضافة. وكانت الحكومة المصرية، قد اتخذت خطوات في يوليو 2014 لتخفيض الدعم بالموازنة العامة للدولة، وبخاصة في مجال الوقود والسلع الغذائية، وبلغت قيمة التخفيض حينها، نحو 55 مليار جنيه مصري (6.386 مليار دولار أمريكي). وتعتزم الحكومة المصرية، الانتهاء بشكل كامل من دعم الطاقة بالموازنة على مدار أربع سنوات، بواقع 25% سنوياً، وهو ما نفذته بالفعل في العام المالي 2014/2015، ولكنها توقفت عن استكمال هذا البرنامج، في ضوء انخفاض أسعار النفط في السوق العالمي بنحو أكثر من 60%، عما كانت عليه أسعار النفط في يوليو 2014، ليمر العام المالي 2015/2016 دون تطبيق برنامج تخفيض دعم الطاقة. وتتبنى الحكومة المصرية، خطاباً تجاه الاقتراض من الصندوق، مفاده أنها غير مضطرة لهذا القرض في ضوء ما قُدم لها من دعم بقيادة دول الخليج، خلال الفترة (أغسطس 2013- أبريل 2015)، ثم الوعود السعودية والاماراتية باستمرار دعم الاقتصاد المصري، ولكن من خلال استثمارات وليس المنح والقروض، وكان آخر هذه الوعود، ما أعلنته السعودية في ديسمبر/ الماضي، بتقديم برنامج استثمارات لمصر تبلغ قيمته 30 مليار ريال سعودي (8 مليار دولار) خلال المرحلة المقبلة، في شكل إمدادات بترولية، واستثمارات مباشرة. - اضطرار للصندوق إلا أن الخطاب الحكومي اختلف على مدار الأيام الماضية، بتصريح وزير التخطيط المصري أشرف العربي، أن حكومته لم تقدم طلباً للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي إلى الآن، لكن الاقتراض من المؤسسة الدولية، ما يزال قائماً، وأن كل الأدوات التمويلية متاحة لبحث إمكانية الاستفادة منها. لم يكن التغير في لغة خطاب الحكومة المصرية، والمتمثلة في تصريح وزير التخطيط، وليد ترفٍ اقتصادي، ولكنه جاء تحت وطأة المؤشرات الاقتصادية شديدة السلبية، والتي تشير أن مصر ستواجه أزمة تمويلية حادة خلال عام 2016. ومن شواهد هذه الأزمة التمويلية المنتظرة بمصر، ما أعلنه البنك المركزي المصري خلال الأيام الماضية، من وجود عجز بميزان المدفوعات بلغ 3.7 مليار دولار، خلال الربع الأول من عام 2015/2016، وهو ما يعني أن هناك احتمالات بأن يصل هذا العجز مع نهاية العام المالي نفسه إلى قرابة 15 مليار دولار. الأمر الثاني، هو أن وزارة المالية المصرية أعلنت عن بلوغ العجز بالموازنة العامة للدولة خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2015/2016 نحو 12.5 مليار دولار، وهو ما يعني أن العجز بالموازنة يتمدد، ولن يكون في حدود مستهدفات الحكومة، التي كانت تأمل أن يكون بحدود 8.9%. وإذا كانت الحكومة تواجه هذه المشكلات التمويلية الحادة داخلياً، من خلال عجز الموازنة العامة، وخارجياً من خلال ارتفاع عجز ميزان المدفوعات، فإنها بلا شك ستكون تحت ضغوط مالية كبيرة، لا يصلح معها تلك القروض الصغيرة، التي أعلن عن توقيع اتفاق بشأنها مع البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي. وسيكون خيار الحكومة المصرية، ترتيب ملف مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض لسد الفجوة التمويلية، ويتوقع أن يكون بحدود 8 مليارات دولار، نظراً لتزايد الفجوة التمويلية من جهة، وتراجع الموارد الدولارية لمصر من جهة أخرى، وكذلك تراجع الدعم الخليجي لمصر بعد أزمة انهيار أسعار النفط. - مشكلات المواطن تظل القضايا الكلية بتعيقداتها التحليلية بعيدة عن اهتمام المواطن، ولكنه يبحث عما يؤثر على حياته بشكل رئيس، وبخاصة بعد فقدانه الأمل في الإصلاح وعزوفه عن الحياة السياسية، التي أنتجت مجلس نواب جديد، تُعقد أولى جلساته 10 يناير المقبل. وإذا كان المواطن المصري معني بقوت يومه، وما يوثر عليه، إضافة وخصماً، فإننا أمام مجموعة من التوقعات شديدة السلبية، والتي ستفرزها الأزمة التمويلية الحادة التي تعاني منها الحكومة المصرية، والتي لن تجدي معها حلاً سوى توقيع اتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض، وستكون نتيجة الأزمة التمويلية بإطارها العام، وتوقيع اتفاق مع صندوق النقد، هي المشكلات الآتية بالنسبة للمواطن المصري: 1- استمرار أزمة الدولار: ستشهد السوق السوداء حالة من الرواج خلال عام 2016 بمصر، وقد يجد البنك المركزي نفسه مضطراً لرفع سقف الإيداع للأفراد والشركات، لكي يدبروا احتياجاتهم لدفع تكلفة الواردات، بعد أن يعجز البنك عن إدارة تدبير الدولار في ظل تفاقم العجز بميزان المدفوعات، وتراجع الموارد الدولارية، من السياحة، والصادرات، وعوائد قناة السويس، وتحويلات العاملين بالخارج. 2- والنتيجة الطبيعية لأزمة الدولار، وانتعاش السوق السوداء، أن تلتهب الأسعار، وأن تزيد معدلات التضخم بشكل كبير، وفي ضوء عجز الموازنة، ومحاولة الحكومة توفيق أوضاعها لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لن تكون هناك إجراءات تتعلق بزيادة أجور العاملين بالدولة بالقدر الكافي لمواجهة موجة التضخم. 3- بعد الإجراءات التقشفية التي أعلنت عنها دول الخليج، وارتفاع تكاليف المعيشة هناك، فمن المتوقع أن تنخفض تحويلات المصريين بدول الخليج، بسبب التأثير السلبي على مدخراتهم بعد رفع تكاليف المعيشة هناك، وسيكون لذلك أثره في مصر، وتدبر هذه التحويلات احتياجات نحو 5 مليون أسرة مصرية، ولن يكون أمامهم سوى ضغط نفقاتهم لمسايرة التطورات السلبية في الخليج، وبذلك سيكون هناك احتمالات كبيرة بزيادة معدلات الركود بمصر. 4- وتفرض هذه الأجواء من التضخم والركود، وجود سياسة انكماشية من قبل الإدارة الاقتصادية بمصر، والتي تمثلت في بعض الخطوات، منها قرار البنك المركزي بتقييد الواردات، ومطالبة المستوردين بتدبير تأمين الواردات بالبنوك بنسبة 100%، فيما يخص السلع التجارية، بخلاف الدواء وألبان الأطفال ومستلزمات الإنتاج. وإذا كانت حالة السياسة الانكماشية ستفرض نفسها على الحكومة المصرية، فإن تصريحات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تكمل الصورة الأكثر قتامة حول مستقبل الاقتصاد المصري، على الأقل في الأجل القصير، الذي أشار إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم خلال الفترة الماضية، لتكون البطالة عند معدل 12.9% والتضخم بمعدل 12%. 5- ويفتح تصريح رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، بارتفاع معدلات البطالة والتضخم، الباب أمام معضلة اقتصادية، إذ تتطلب البطالة سياسة توسعية في الانفاق لرفع معدلات التشغيل، وهو ما تعجز موازنة الدولة عن الوفاء به، نظراً لارتفاع معدلات العجز والدين العام، وفي نفس الوقت سيتطلب التضخم سياسة انكماشية، وهي تلك التي يتبعها البنك المركزي. وسوف تؤدي سياسات صندوق النقد الدولي، إلى اتباع الحكومة المصرية المزيد من السياسات الانكماشية، لتقليل معدلات العجز، في حين سيدفع المواطن الثمن، من بطالة وعجز في مستوى الخدمات العامة. ومن أخطر المشكلات الاقتصادية، أن يجتمع على اقتصاد دولة ما التضخم والبطالة، وهو ما يسميه الاقتصاديون التضخم الركودي، وهو ما تعيشه مصر منذ إطاحة الجيش بأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في مصر، محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013، ما سيربك صانع السياسة الاقتصادية في مصر خلال المرحلة المقبلة.
almesryoon.com