** وزير الموارد المائية والرى الأسبق:
- إثيوبيا تسعى لفرض السد كأمر واقع.. والمفاوض المصرى أثبت فشله مع المراوغات الإثيوبية
- عام من المباحثات.. والنتيجة إثيوبيا نجحت فى بناء 50% من السد ومصر انبطاح شديد ومكتب استشارى لم يحدد
- أداء الدولة لا يعكس حنكة سياسية.. ونصيحتى: اقرؤوا التاريخ والسياسة والأوضاع الداخلية لدول حوض النيل
- إثيوبيا ستنشئ سدودا كبرى وصغرى ووسطى.. والسودان سينضم إلى «عنتيبى».. ومصر ستشترى المياه
- أديس أبابا كانت تطمح فى توليد الكهرباء فقط.. ومصر بـ«إعلان المبادئ» منحتها حق التنمية من السد
- لا بديل عن مسار سياسى يدعمه آخر فنى.. ومبادرة مصرية تطالب إثيوبيا بألا يزيد ارتفاع السد على 120 مترًا
- إثيوبيا تنحاز للشركة الفرنسية لمصالحهما المتبادلة.. والهولندية لها خبرة تزيد على 100 عام فى السدود
- إعادة إحياء قناة «جونجلى» بين مصر وجنوب السودان «تهريج».. والتحالف الإثيوبى الأوغندى سيمنع ذلك
وصف الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والرى الأسبق، فى حواره لـ«التحرير» المسار الحكومى، الذى تسير فيه الحكومة فى مفاوضات سد النهضة حاليا بأنه المسار الخاطئ، وأن هناك تعنتًا وتسويفًا من جانب إثيوبيا خلال مفاوضات سد النهضة، وأضاف إثيوبيا تتلاعب بمصر وتعمل لتحقيق مصالحها الشخصية ومصالح شعبها دون توقف، بينما هناك عجز وصمت غريب من جانب المسئولين فى مصر، وانتقد علام الفريق القائم على مفاوضات سد النهضة قائلا «هذا الفريق لا يصلح لإدارة المفاوضات، وأثبت فشله الذريع».. فإلى نص الحوار:
عجز حكومى
- ما رأيك فى تأجيل مفاوضات سد النهضة التى انتهت بالعاصمة السودانية الخرطوم اليوم دون أن تحقق أى من أهدافها؟
إثيوبيا فى النهاية تسعى إلى تحقيق مصالحها، وترغب فى الانتهاء من بناء سد النهضة فى أسرع وقت ممكن، لتفرض السد كأمر واقع على مصر، فى ظل صمت وعجز حكومى من جانب المسئولين فى مصر، كما أن الفريق المفاوض حاليا لا يصلح للتعامل مع المراوغات الإثيوبية المستمرة، وأثبت فشله الذريع فى التعامل مع هذا الملف، والواضح حاليا أن إثيوبيا تتلاعب بمصر وبمصالحها القومية، وهى فى النهاية تعمل لتحقيق مصالح شعبها، وتتعنت وتقوم بالتسويف، والحكومة لا ترغب فى تصحيح المسار، ولا تسمع للخبراء إنما تسمع لصوتها فقط.
- ما أهم التحديات التى تواجه مصر؟
سد النهضة يعد من أهم التحديات، التى تواجه أمن مصر المائى، وخطة السدود التى تنوى إنشاءها إثيوبيا على النيل الأزرق، فضلا عن اتفاقية «عنتيبى» التى وقعتها أغلب دول المنابع، التى لا تعترف بحصة مصر المائية، وترغب فى إعادة تقسيم المياه بين دول حوض النيل، فضلا عن التلوث الحالى الحادث فى نهر النيل بفرعيه وجميع الترع والمصارف نتيجة إعادة استخدام المياه لأكثر من 4 مرات، مما أدى إلى تلوثها، مما يهدد الصحة العامة للمواطنين وإصابتهم بأمراض خطيرة وأوبئة مثل السرطان والفشل الكلوى والكبدى وموت الأطفال، وهناك محافظات المياه بها غير جيدة مثل بعض المناطق بالدقهلية والبحيرة ورشيد والسويس، وهو ما يوضح المؤشرات الخطيرة للوضع المائى فى مصر، ونحن نعيش بأقل من الحد الأدنى للفقر المائى، وهناك علامات خطر كثيرة فى معظم نهايات الترع، حيث تعانى من أزمات مائية ونزاعات بين الفلاحين تصل فى بعض الأحيان إلى حد القتل، ونعيش وضعا مائيا متأزمًا، حيث إن هناك بعض المدن تعيش بالكامل على التحلية مثل شرم الشيخ وبعض مدن الغردقة، لكن يبدو أن الحكومة لم تسمع عن هذا الوضع.
- ما رأيك فى الطريقة التى تدير بها الحكومة ملف سد النهضة؟
أزمة سد النهضة لن تُحل بالطريقة التى تديرها الحكومة حاليا، فحتى الآن لم يتم الانتهاء من اختيار المكتب الاستشارى بعد أكثر من عام من المباحثات، وإثيوبيا نجحت فى بناء 50% من سد النهضة، وأصبح الوقت يداهمنا، ونحن محلك سر، فإثيوبيا تجيد إدارة دفة إطالة المباحثات بشكل جيد، بينما مصر تعاملت بحسن نية مبالغ فيها فى أزمة سد النهضة، ولا بد من ضرورة إيجاد مبادرة سياسية بدعم من الفنيين، وليس بتشكيل لجنة فنية من الدول الثلاث لبحث موضوع خطير يضر مصر مثل سد النهضة، كما أن وزارة الرى والموارد المائية أعلنت عن تأجيل المباحثات بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول سد النهضة لـ20 أكتوبر الماضى للانتهاء من تشكيل الحكومة الإثيوبية، ثم تم تأجيل المباحثات مرة أخرى لإعطاء وزير الرى الإثيوبى فرصة لبحث الأمور والاطلاع على الموضوع، ثم تم تأجيل الاجتماع مرة أخرى لـ7 نوفمبر ثم تأجل بعد ذلك لمرتين إلى أن جاء الاجتماع الأخير أمس، الذى فشل أيضا فى الوصول إلى نتائج مرضية لمصر، فما جدوى كل هذا التأجيل سوى استنزاف وإطالة الوقت لحين الانتهاء من بناء سد النهضة.
وفى الحقيقة ملف سد النهضة هو أزمة دولة، وأرى أن أداء الدولة فى ملف سد النهضة غير مجدٍ على الإطلاق، ولا يعكس حنكة سياسية أو فهم فنى عميق للملف، ولا فهم للتاريخ على مدى العقود العديدة الماضية، ويعتقد القائمون على الملف أنهم سيبدؤون الملف من بدايته دون الاستفادة من جميع الخبرات السابقة منذ عهد محمد على حتى الآن، ونصيحتى لكل القائمين على ملف سد النهضة أن يقرؤوا التاريخ والسياسة والأوضاع الداخلية لدول حوض النيل ومعرفة الآثار والتداعيات لنكسة السد على مصر إذا استمرت إثيوبيا فى تحقيق هذه المكاسب العظيمة فى مفاوضاتها مع القاهرة، خاصة أن هناك انبطاحًا مصريا شديدًا أمام المفاوض الإثيوبى مما سيؤدى إلى عواقب وخيمة لا يستطيع تخيلها المسئولون الحاليون لأنهم ليسوا على دراية كافية أن يتخيلوا المستقبل وتأثير السد على مصر.
- ماذا لو انتهت الأزمة وفق المسار الحالى للمفاوضات؟
لو استمر المسار الحالى الذى يسيطر عليه الضحك أمام الكاميرات وأمام سد النهضة وعدم اكتمال الدراسات الخاصة بالسد وصور الأحضان ومسك الأيادى بين الأطراف سيكتمل السد، كما تريد إثيوبيا، وبدعم كامل من السودان، وبالتالى ففى ظل هذا الانبطاح المصرى خلال المباحثات مع إثيوبيا وسوء إدارة أهم ملف قومى للدولة ستكون هناك آثار وخيمة، ومن الصعب حتى تخيلها وستقوم إثيوبيا تباعا بإنشاء باقى مخططها لإنشاء السدود الكبرى على النيل الأزرق، وكذلك السدود الوسطى والصغرى على النيل الأزرق، ونهرى عطبرة والسوباط، وسوف تقوم دول الهضبة الاستوائية من خلال استثمارات أجنبية ودولية بالتوسع فى الزراعات المروية والسدود الكبرى والمتوسطة، وسوف تقوم جنوب السودان بالانضمام لاتفاقية عنتيبى، والقيام بمشاريع استقطاب فواقد النهر وبيع المياه لمصر فى ظل دعم إقليمى ودولى، وسوف تتوسع السودان فى الزراعات على النيل الأزرق خصمًا من حصة مصر المائية، وسيتم افتتاح مفوضية حوض النيل بمدينة عنتيبى بأوغندا، وسوف يتم تقسيم مياه النيل بين دول الحوض، بينما مصر ستكون فى ذلك الوقت عيونها زائغة، ولا تدرى ما الذى يجب أن تفعله، والهجمات ستأتى لها من كل الجبهات، وهذا هو نتيجة السير فى المسار الحالى للمفاوضات.
- ما الذى يجب أن تفعله الحكومة الآن لتصحيح هذا المسار الذى تسير فيه خلال مفاوضاتها مع إثيوبيا؟
على الحكومة أن تعترف بالخطأ أولا، لأن توقيعها على وثيقة سد النهضة المعروفة بإعلان المبادئ خطأ استراتيجى كبير اعترفت فيه مصر بسد النهضة، وتجنبت التحدث فيه عن سعة السد، واعترفت لإثيوبيا بحقها فى استخدام مياه النيل الأزرق والنيل الرئيسى، واعترفت بمبدأ الاستخدام المنصف والعادل للمياه، وهو ما يعنى الاعتراف بحصة مائية لإثيوبيا خصمًا من حصة مصر والسودان، وفى نفس الوقت أعطينا لإثيوبيا اليد العليا فى إقرار ما تريد فعله من مياه فى السد لاستخدام هذه المياه فى أغراض مختلفة مثل الصناعة والشرب والزراعة، بعد أن كانت كل ما تطالب به هو استخدام السد فى توليد الكهرباء فقط، ووافقت مصر من خلال وثيقة سد النهضة الموقعة بين رؤساء الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا على استخدام سد النهضة فيما سمى بأغراض تنمية أخرى فعلنا كل ذلك، ولم نحصل على أى مكاسب وذكرنا فى الوثيقة أن إنهاء الدراسات والتوافق حولها يستغرق 15 شهرًا ومر عام، ولم يحدث شىء، ولم نتعاقد مع المكتب الاستشارى، الذى سيقوم بإجراء الدراسات على سد النهضة لقياس تأثيره على دولتى المصب مصر والسودان، وفى الغالب سيتم طرح الدراسات لمكاتب استشارية أخرى تستهلك 6 أشهر أخرى، وهناك تخدير للشعب المصرى فيما يتعلق بملف سد النهضة من خلال كلام وزير الرى المعسول حول ذلك الملف.
- وكيف يمكن تغيير المسار الحالى للمفاوضات؟
أقترح البدء فى مسار سياسى يدعمه مسار فنى من خلال مبادرة مصرية تطالب إثيوبيا بالتوقف عن إنشاء سد النهضة بعد الوصول إلى ارتفاع 120 مترًا أو أكثر قليلا، بحيث لا تتجاوز سعة السد نصف السعة الأصلية، حيث أثبتت الدراسات العلمية العالمية أن السد الأصغر يستطيع توليد نفس كمية كهرباء السد الضخم بتكلفة أقل كثيرًا، وبعد الاتفاق على إيقاف إنشاء السد تستمر دراسات اللجنة الوطنية الثلاثية لسد النهضة، ويبدأ بعد الانتهاء منها التفاوض حولها فإذا كان السد سيسبب أضرارًا لمصر وهذا شىء أكيد تقوم إثيوبيا بالالتزام بسياسات التشغيل لتقليل هذه الأضرار وتعوض مصر عن الأضرار التى تعرضت لها ولو ثبت عن هناك خسائر تعرضت لها إثيوبيا نتيجة بناء سد أصغر تعوضها مصر عن هذه الخسائر، ثم يتم بعد ذلك التفاوض حول إجراءات استكمال إنشاءات السد من عدمه والتوصل لتسوية نهائية لهذه الأزمة، وفى مرحلة أخيرة يتم الاتفاق حول إطار عام للتعاون والتوافق بين الدولتين بالنسبة للسدود الأخرى التى تنوى بناءها إثيوبيا.
- ما توقعاتك للمفاوضات التى ستجرى فى 28 ديسمبر المقبل؟
أتوقع فشل مفاوضات سد النهضة الجارية حاليا بين مصر وإثيوبيا والسودان، كما أتوقع مطالبة الحكومة المصرية لإثيوبيا بإيقاف بناء سد النهضة بعد انتهاء المرحلة الأولى منه، وأن المسار الحالى للمفاوضات سيعود بنا إلى المربع صفر، خاصة أن هناك صعوبة حاليا للتوفيق بين الشركتين الفرنسية والهولندية، مما سيؤدى إلى طرح الدراسات المقرر إجراؤها على سد النهضة، وهى الدراسات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والمائية إلى شركة جديدة، وسيستغرق ذلك عامين على الأقل ستكون انتهت خلالهما المرحلة الأولى من بناء السد، وبالتالى «لا بديل عن وقف إنشاء سد النهضة».
مجلس الأمن
- ماذا لو إثيوبيا رفضت إيقاف إنشاء سد النهضة؟
إثيوبيا سترفض بالفعل إيقاف بناء السد، مما سيؤدى إلى تصاعد الأزمة بين البلدين، وعلى مصر هنا أن تلجأ إلى مجلس الأمن، وتقديم شكوى بأن السد سيؤثر على السلام والأمن الإقليميين بحوض النيل مع التأكيد على أن مصر سارت فى المفاوضات لمدة 5 سنوات دون جدوى، وحتى الآن السد قد اقترب على الانتهاء، ولم تبدأ دراساته ونحن نخشى من تداعياته، كما نخشى أيضًا من انهياره، ولدينا اتفاقيات سابقة تؤيد حقوق مصر المائية فى مياه النيل، ثم نبدأ فى التحرك سياسيا أمام العالم كله لكسب الدعم والتأييد العالمى لعدالة القضية المصرية، أما إذا فشلنا على المستوى الدولى، فلا يجب أن نقر بسد النهضة، ونترك الأجيال القادمة، حيث قد يأتى من هو مثل السادات ويستطيع استرداد حقوقنا بشكل أو بآخر، أما إذا استسلمنا لهذا الأمر فإثيوبيا ستكمل مخططها لبناء كل السدود على النيل الأزرق.
مصالح فرنسية
akhbarak.net/news