النزاهة والفرادة في كتاب الله العزيز
وهما نوعان أو فنّان بلاغيان لم أقع عليهما إلا عند السيوطي في كتابه " الإتقان " وابن أبي الإصبع العدواني في كتابه " تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر " ولم يتعرض لهما أو يذكرهما أحدا قبلها ولابعدهما حسب بحثي وعلمي من أول ابن المعتز والجاحظ مروراً بالرماني والجرجاني والسّكاكي وحتى أصحاب الشروح .. والله تعالى أعلم .
أولاً مفهوم النزاهة :
هي خلوص ألفاظ الهجاء من الفحش حتى يكون كما قال أبوعمر ابن العلاء وقد سئل عن أحسن الهجاء: هو الذي إذا أنشدته العذراء في خدرها لا يقبح عليها ومنه قوله تعالى : "وإذا دُعُوا إلى اللِه وَرَسُولِهِ ليَحْكُمَ بينَهُم إذا فَريقٌ مِنْهُم مُعْرِضُون" ثم قال : " أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. [النور:50]
فإن ألفاظ ذم هؤلاء المخبر عنهم بهذا الخبر أتت منزهة عما يقبح في الهجاء من الفحش وسائر هجاء القرآن كذلك " (1) .
ويمكن أن يدخل تحت هذا المصطلح البديعي ألفاظ قرآنية عديدة منها على سبيل المثال قوله تعالى " نساؤكم حرث لكم فآتوا حرثكم أنّى شئتم "
وقوله سبحانه : " أحل لكم ليلة الصيام الرّفث إلى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن "
والمتتبع بدقة ألفاظ القرآن الكريم يجدها نزيهة تترفع عن الفحش والبذاءة سواءً في الهجاء أو في غيره من الأغراض كما في الأمثلة التي طرحتها ..
أما بالنسبة لابن أبي الإصبع العدواني – يرحمه الله تعالى - فإنه ضم تحت هذا النوع من البديع أمثلة شعرية إلى جانب آيات قرآنية وعرّفه بقوله :
" وهو يختص غالباً بفن الهجاء، وإن وقع نادراً في غيره، فإنه عبارة عن نزاهة ألفاظ الهجاء وغيره من الفحش حتى يكون الهجاء كما قال فيه أبو عمرو بن العلاء وقد سئل عن أحسن الهجاء فقال: الذي إذا أنشدته العذراء في خدرها لا يقبح عليها " (2) .
وقد أورد نفس الآية التي اوردها السيوطي – ويمكن القول أن السيوطي كان عالة على ابن أبي الإصبع لأن هذا الأخير كان قبله – يرحمهما الله جميعا ويجزيهما عنا خير الجزاء ..