و أمّا استعمالهما علامة للإعراب فلخفّتهما ، و استمرار الصوت بهما ، و لذا لا تخلو كلمةٌ منهما .
أثر جعل حروف المدّ حركة طويلة في الدرس اللغويّ :
من المسّلم به أنّ للأمَّة الإسلامية من التراث الديني , واللغوي ما يتصف بالقداسة ، والاستمرار ، و إذا كان لتغيير مصطلح لا يغير في حقيقة المسمّى به أثره العظيم على هذا التراث مّما يقطع الصلة بين السابق ، واللاحق ، فما بالك بالقضايا الكليّة التي تغير حقائق العلوم ، وإذا أردنا تتبع المسائل الجزئية لأثرِ اعتبار حروف المدّ حركات طويلة ، و مدى خطورة القول بها فسيطول الحديث ، و حسبي أنْ أضمّ ما وقفت عليه في مسائل كليّة منها : 1_ سيُلغى تقسيم الحروف إلى حروف صحيحة ، و أخرى معتلَّة ؛ إذ ليست حروف المدّ إلا حركات طويلة .
2_ استعمال مصطلحات غير تلك المصطلحات التي شاعت عن المتقدمين ، أو تسمية الظواهر اللغوية بغير أسمائها ، و من ذلك :
أ _ إطلاق القصر على الحذف ، ففي قول العرب مثلا : ( لا يألُ ، و لا أدرِ ) ، الأصل ( لا يألو ، و لا أدري ) ، فحُذف الواو ، والياء ، أمّا الدكتور سلمان السُحيْميّ _ و هو أكثر من توسع في تطبيق هذا المفهوم فيما أعلم _ فيقول : " و الحاصل أنّه لم يُحذف بمعنى أسقط الضمّة الطويلة ، و إنّما الذي حصل قصْرُها ، أي : جعلها حركة قصيرةً ، و كثيرًا ما يعبر النحويون عن قصر المدِّ بالحذف " [24] ، ويزعم أنّ السبب في ذلك النظر إلى الحروف المكتوبة . [25]
و بهذا يُقاس على ما تقدّم كلُّ ما فيه حذف من مثل : ( لم يقُلْ ، و لم يبِعْ ) ، , ( الذِ ، و التِ ) ، و ( مفاتيح ) ، و ( يا عبادِ ) ، و ( ممَّ ) ، ... إلى آخر ذلك .
ب _ إطلاق الحذف على قلب الهمزة الساكنة حرفا من جنس الحركة التي قبلها للتخفيف ، فيقال : ( راس ، و ذيب ، و بوس ) في ( رأس ، و ذئب ، و بؤس ) ؛ إذ يرى الدكتور السحيميّ أنّ الهمزة حُذفت رأسا ، ثُمّ مُدّت الحركة التي قبلها عوضا عنها . [26]
ج _ إطلاق الحذف و التعويض على ما سمّاه القدماء البدل ، وذلك فيما إذا أبدل حرفُ علّة بحرف صحيح ؛ لأنّ الحركة الطويلة لا تكون أصلا ، و لا بدلا من أصل ، ففي ( الأراني ، و الثّعالي ) حذفت الياء منهما ، ثم مُدّت الحركة قبلها عوضا عنها ، و كذا يقال في ( الخامي ، و السادي ، و تسنَّى ، و تسرَّى ، و تقضَّى ، و دسّاها ) ... إلى آخره .
3 _ إلغاء كثير من صور التقاء الساكنين ، و عدم الاعتداد به علة للحذف ، فإذا أُكّد الفعل ( لا تكتبوا ) بالنون حُذفت الواو ؛ لالتقائها ساكنة بنون التوكيد ، و جعلت ضمّة الباء دليلا عليها ، أما عند من يجعل الواو حركة طويلة فالواو حذفت بلا علّة ، وبهذا يعلل لكثير من ظواهر الحذف ، فما هو إلا عشوائية و اعتباط .
4 _ اختلال كلّ الأوزان التي اشتملت أصول موزوناتها على حرف من حروف المدّ ذلك ؛ لأنّ الحركة الطويلة لا تكون أصلا ، فـ ( قال ) على هذا ، و زنها ( فال ) ، و إذا كان من أوزان التصغير ( فُعَيْل ) ، فإنه لا يصلح أنْ يكون وزنا لـ ( جار ) _ مثلا _ إذا ما صُغِّر ...و هكذا .
و في ( استصاب ) من استصوب حذفت الواو التي هي عين الفعل ، و مدّت الحركة التي بعدها ، فوزنها ( استفال ) [27] ، لا كما يدّعي الصرفيّون من أنّ حركة الواو نقلت إلى ماقبلها ، فتحركت بحسب الأصل ، و انفتح ما قبلها بحسب الآن ، فقلبت ألفا ، و وزنها ( استفعل ) .
و بهذا سيُعاد النظر في كلِّ أبنية اللغة العربية التي حصرها العلماء بعد استقراء ألفاظها ، و سينشأ عن ذلك أوزان جديدة غيرها لكثير من الأبواب كجموع التكسير بأنواعها ، و أوزان التصغير ، و المشتقات بأنواعها ...إلى آخره .
5 _ اختلال بعض ما أرساه المتقدمون مما يتعلق بعلامات الإعراب الظَّاهرة ، أو المقدرة ، و من ذلك أنّ الفعل ( يقضي ) _ مثلا _ ليس مرفوعا بضمة مقدرة كما يزعم المتقدمون ، و لكنّه على هذه الصورة لا إعراب له ، و جمع المذكر السالم و كذا الأسماء الستة ليسا معربين بالحروف بل بحركات طويلة ، بل من عجيب ذلك أن الفتحة لم يدُرْ في خلدها يوما أن تكون علامة للرفع ، و لكنها بهذا القول تتبوأ تلك المنزلة ، و ذلك في المثنى ، فهو في حالة الرفع يكون مرفوعا بفتحة طويلة ، بل قد تستبدّ ، فتكون علامة للرّفع ، و النّصب ، و الجرّ ، و ذلك فيما يقصر من الأسماء الستّة .