الإفلاس المحتمل لليونان وتداعياته العالمية
أصبحت اليونان جزءًا رئيسيًّا حاليًا في النشرات الإخبارية مع تصاعد الحديث عن احتمال إفلاسها وخروجها من منطقة اليورو، وما قد يؤدي إليه هذا الأمر من تداعيات على الاقتصاد العالمي.
ما هي القصة بالضبط؟
الإفلاس
رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس أعلن هو وأعضاء بحكومته في أكثر من مناسبة عن عجز بلادهم عن تسديد أحد الأقساط المستحقة لدين على الدولة لصندوق النقد الدولي بقيمة 1,6 مليار يورو.
الموعد المقرر لهذا القسط المستحق هو الأول من شهر يوليو 2015م.
من ناحية أخرى فإن المفوض الأوروبي للشئون المالية والاقتصادية بيير موسكوفيتش ووزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله استبعدا قدرة اليونان على الوفاء بقسط دينها في الوقت المحدد.
جدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها إحدى دول الاتحاد الأوروبي إلى حافة الإفلاس منذ نشأة الاتحاد.
هناك عدد من المؤشرت التي تصب في خانة الإفلاس المرتقب، منها أن المستشارة الألمانية ميركل كانت قد رفضت فكرة التنازل عن جزء من الديون المستحقة لليونان. أيضًا فقد سارعت ألمانيا إلى رفض عرض قدمه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر وأطلق عليه اسم “الفرصة الأخيرة” لتفادي إفلاس اليونان.
ألمانيا تلعب دور رئيسي في صياغة سياسة مجموعة اليورو تجاه أثينا؛ مما يجعل أي حلول مطروحة لإنهاء الأزمة لا بد وأن تحوز موافقة برلين.
التداعيات المحتملة
في حالة ما إذا أعلن صندوق النقد الدولي عن إفلاس اليونان وقام بالتالي بإيقاف حزمة الإنقاذ الثانية المخصصة لليونان في شهر يوليو، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى خروج اليونان من آلية الإنقاذ الأوروبي، وستعجز عن الحصول على أي قروض من أي مؤسسة مالية دولية لتسديد قسطين من أقساط القروض أحدهما لصندوق النقد الدولي يوم 20 يوليو بقيمة 5,3 مليار يورو، والثاني للبنك المركزي الأوروبي يوم 20 أغسطس بقيمة 3,2 مليار يورو.
الإفلاس سيؤدي أيضًا إلى توقف حصول البنوك اليونانية على القروض الضرورية التي يمنحها لها البنك المركزي الأوروبي من أجل ضمان استمرار نشاطها. هذا الأمر سيؤدي إلى إقبال اليونانيين على هذه البنوك من أجل سحب أموالهم؛ مما سيؤدي إلى مخاطر حقيقية تتعلق بانهيار النظام البنكي كله.
الأمر الآخر الخطير هو عدم وجود سيولة في خزينة الحكومة اليونانية؛ مما سيتسبب في مواجهة الحكومة لاضطرابات اجتماعية واسعة. هذا الأمر سيدفع اليونان لإصدار عملة موازية لليورو على صورة سندات ديون من أجل سداد الأجور والمعاشات للمواطنين.
وعلى الرغم من أنه طبقًا للمواثيق الأوروبية فإنه لا يمكن لأحد إخراج اليونان من الاتحاد الأوروبي، لكن اليونان ستواجه بالتأكيد ضغوطًا قوية جدًّا تجعلها تختار هي الخروج من منطقة اليورو وإصدار عملة جديدة.
تدين اليونان لألمانيا بديون بقيمة 87 مليار يورو، وفي حالة الإفلاس فإن هذه الديون ستسقط بشكل تلقائي.
من بين الآثار السلبية في حالة خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي نتيجة لإعلان إفلاسها سيكون تبخر 70 مليار يورو من توفيرات اليونانيين من إجمالي 170 مليار يورو مودعة بالفعل في البنوك اليونانية.
التبعات العالمية
إذا ما أعلنت اليونان إفلاسها ستحدث بالتأكيد اضطرابات قوية في الأسواق المالية العالمية، هذا الأمر شهدنا نموذجًا مصغرًا له خلال الأسبوع الماضي بعد انهيار المفاوضات المتعلقة بالديون اليونانية، حيث انخفضت مؤشرات عدد من الأسواق المالية الآسيوية والأوروبية بشكل ملحوظ، كما انخفضت قيمة اليورو بنسبة ليست بالقليلة إلا أنه استعاد بعضًا من قوته في أعقاب تدخل البنك المركزي السويسري.
هناك احتمال أن تنتقل عدوى الإفلاس إلى بعض الدول الأوروبية ذات الاقتصاد الضعيف مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا.
خروج اليونان من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي سيكون له عواقب وخيمة على البناء الأوروبي برمته، خصوصًا مع الميزة التاريخية والإستراتيجية لليونان كواجهة جنوبية متوسطية للاتحاد الأوروبي.
هذا الأمر سيتسبب في زعزعة الثقة بالاتحاد الأوروبي وبجدوى الالتحاق به، وما هي القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها للمنضمين إليه خصوصًا تلك الدول التي توصف بالحلقة الأضعف في هذا البناء العملاق والمتمثلة في الدول ذات الاقتصادات غير القوية مثل دول شرق أوروبا.
الناظر لما تفعله الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي يلاحظ وجود عملية ابتزاز وضغوطات كبيرة يتم ممارستها على الدول الأضعف بدلًا من أن تطبق مبادئ التضامن بين مختلف الأعضاء. هذا الأمر قد يكون سببًا رئيسيًّا وراء بداية تفكك الاتحاد الأوروبي تدريجيًّا على المدى المتوسط والبعيد.
هذا الأمر سيكون مطلبًا روسيًّا بامتياز، حيث تعتبر روسيا الاتحاد الأوروبي خصمًا عنيدًا لها خصوصًا بعد فرض الاتحاد سلسلة من العقوبات الاقتصادية عليها، والتي تسببت في تكبيد الاقتصاد الروسي خسائر فادحة.
من ناحية أخرى فقد قالت رئيسة البنك المركزي الأمريكي جانيت يلين إن الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي مهددان بالتعرض لاضطرابات في حالة إفلاس اليونان وعدم تمكنها من التوصل لاتفاق مع دائنيها. يلين أرجعت السبب إلى أنه إذا تأثرت العملة الأوروبية اليورو بشكل سلبي أو تأثرت الأسواق العالمية فإن التداعيات ستصيب الدولار الأمريكي بلا شك.
أيضًا فإن كثيرًا من دول العالم والشركات والمصارف استثمرت في سندات الدين اليونانية البالغ قيمتها 380 مليار يورو، وفي حالة إفلاس اليونان فإن هذه الدول والشركات ستضطر إلى شطب استثماراتها بشكل كلي من قوائمها المالية.
في حالة إفلاس اليونان فإن كثيرًا من احتياطات الدول من اليورو سيتم تسييلها وستتجهة هذه الدول إلى الدولار الأمريكي والين الياباني والجنيه الإسترليني؛ مما سيجعل أسعار صرف هذه العملات ترتفع مقابل اليورو. من هنا فإن الدول ذات الاحتياطات الأجنبية الكبيرة بالدولار الأمريكي ستشعر بانتعاش وزيادة في القدرة الشرائية، والعكس بالنسبة للدول التي تعتمد على اليورو في احتياطاتها الأجنبية.
في القارة الأوروبية قد يسبب مثل هذا السيناريو – خصوصًا لو أعلنت دول أوروبية أخرى إفلاسها– حدوث حالة ركود عميقة وسيتسبب في حدوث انخفاضات حادة في أسعار النفط؛ مما سيؤثر بالسلب على الدول المصدرة للنفط مثل دول الخليج العربي.
ضغوطات
ما يزيد احتمال حصول الإفلاس هو رفض الحكومة اليونانية متمثلة في رئيس وزرائها ذي الخلفية اليسارية الخضوع للضغوطات التي يتم ممارستها على اليونان.
الأوروبيون يضغطون على اليونان من أجل إقرار سلسلة إصلاحات تستهدف بشكل عام تبني إجراءات تقشفية واسعة وإقرار إصلاحات هيكلية وضريبية صعبة جدًّا لآثارها السلبية القوية على المواطن اليوناني.
وعلى الرغم من حساسية الوضع اليوناني فإن الصمود اليوناني في مواجهة هذه الضغوط التي يمارسها عمالقة الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتهم ألمانيا يثير الدهشة. هذا على الرغم من اضطرار اليونان إلى تجميد العمل البنكي وحصر السحوبات النقدية من ماكينات الصرافة بحد أقصى 60 يورو للمواطن في اليوم الواحد.
الحلول
الحكومة اليونانية قامت بالعودة إلى الشعب لتقرير مصير هذه الأزمة.
الحكومة أعلنت عن تنظيم استفتاء يوم الأحد المقبل بخصوص خطة الإنقاذ الأوروبية، وذلك في أعقاب وصول المفاوضات بين اليونان والأوروربيين إلى طريق مسدود.
ورغم كل الضغوط التي تمارس عليها والوضع الحرج الذي تتواجد فيه فقد دعت الشعب اليوناني بشكل صريح إلى التصويت بـ”لا” في الاستفتاء المزمع.
صمود اليونان قد تكون له خلفية تتعلق بعلم الحكومة اليونانية أن الأوروبيين لن يستطيعوا توقيع عقوبات على اليونان أكثر مما هي فيه بالفعل، وكل ما يمكن أن يترتب على هذا الصمود هو ربح الوقت وتمديد أمد المفاوضات لعلها تستطيع الحصول على عرض أفضل.
جدير بالذكر أن جزءًا ليس بالقليل من اليونانيين كانوا قد أعلنوا سابقًا عن رفضهم للعملة الموحدة لأنها ستؤثر بالسلب على قدرتهم الشرائية. هذا الأمر تبنته بريطانيا أيضًا وهو السبب الرئيسي وراء رفض بريطانيا الانضمام لمنطقة اليورو حتى هذه اللحظة.