تحقيق : الضغط النفسي يصعب النطق على الأطفال في قطاع غزةبقلم / أسامة راضي وعماد الدريمليغزة أول يونيو 2015 (شينخوا) اللحظة التي ينطق فيها الطفل لأول مرة بكلمة "ماما أو بابا" كافية لجعل أي عين تغرورق بالدموع فرحا خصوصا عندما يتأخر الأطفال بالنطق.
لحظات مؤثرة عاشتها والدة الطفلة رهف حبيب عندما نطقت ابنتها بكلمة "ماما" لأول مرة بعد أربع سنوات على ولادتها إثر خضوعها لجلسات علاج وتأهيل متخصصة استهدفت مشاكل النطق لديها في مثل هذا العمر.
وتتلقى رهف منذ شهرين جلسات علاج يومية تقريبا في جمعية (أطفالنا للصم) الأهلية في مدينة غزة لكنها بالكاد بدأت بنطق كلمات قليلة مثل "ماما وبابا".
كان الفزع أصاب عائلة هذه الطفلة بسبب تأخرها في النطق ومعاناتها من صعوبات بالغة في مخارج غالبية الحروف لكن الكشف عليها أثبت عدم وجود أي عقبات عضوية أمام النطق السليم، وأن معضلتها نفسية فقط.
ويقول أخصائيون في الجمعية، إن ظاهرة تأخر الأطفال في قطاع غزة بالنطق ومعاناتهم من اضطرابات في مخارج الحروف آخذة بالتصاعد بفعل التأزم النفسي لديهم والضغوط المتكررة على القطاع.
ويشير هؤلاء، إلى أن الظاهرة تضاعفت بشكل حاد إثر الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في شهري يوليو وأغسطس الماضيين والذي استمر على مدار 51 يوما وخلف اضطرابات نفسية واسعة على الأطفال.
وكان هذا الهجوم العسكري واسع النطاق هو الثالث الذي تشنه إسرائيل ضد قطاع غزة خلال ستة أعوام.
وترفض رهف الابتعاد عن والدتها التي لم تصدق أن ابنتها بدأت بالنطق داخل غرفة العلاج، وتظهر عليها علامات التشنج والخوف باستمرار بينما تحاول الأخصائية المشرفة عليها التخفيف عنها بإعطائها ألعابا ورسومات مزينة.
وتقول والدة رهف لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن ابنتها لا تعاني من أي عوائق خلقية وأزمتها نفسية فقط "ما يجعلنا نقلق من إمكانية عدم التحاقها بالمدرسة بشكل طبيعي حال استمرار مشاكل النطق لديها".
وتشير إلى أن رهف تعاني من حالة فزع شديدة من أي صوت مرتفع، وتعاني من كوابيس ليلية بشكل شبه يومي وهو ما يؤثر على حالتها في صعوبة النطق لديها.
وفي اليوم الدولي لحماية الأطفال الذي يصادف اليوم (الاثنين) تتذكر والدة رهف أن محنة طفلتها تضاعفت خصوصا في اليوم الخامس من الهجوم الإسرائيلي الأخير بعد غارة مدمرة استهدفت منزلا مجاورا لمنزلهم تضرر بشكل جزئي في لحظات مرعبة كادت تكلفهم حياتهم.
وأخذت أم رهف بسعادة تصور طفلتها بكاميرا الهاتف المحمول الخاص بها بينما كانت تتقدم في لفظ حروف ظلت صعبة عليها سابقا مثل "الجيم والذال واللام" بمساعدة أخصائية تشرف على حالتها.
وتجلس رهف مبتسمة ترتدي سروالا أزرق وقميصا أصفر اللون وهي تلعب وسط مراقبة والدتها بألعاب متنوعة وتسمع موسيقى وأصوات متعددة لتميزها عن بعضها غير أن ردة فعلها بالإجمال تبدو ضعيفة.
وتصف أخصائية علاج النطق في الجمعية ناهد ياغي حالة رهف "بالمعقدة جدا"، مشيرة إلى أنها واحدة من مئات الأطفال في غزة يعجزون عن التواصل بالنطق لأسباب نفسية.
وتوضح ياغي لـ ((شينخوا))، أن مشاكل النطق "تنتج عن عجز الطفل عن التعبير عن نفسه والتواصل مع العالم الخارجي، وهي معضلة معقدة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعانيها قطاع غزة".
وإلى جانب فقدان القدرة على النطق، يعاني الكثير من الأطفال في قطاع غزة من التلعثم في الكلمات، أو إبدال أو عدم استطاعة نطق أحرف معينة من بعض الكلمات وهي حالة ناتجة عن أزمة نفسية يعانوها خصوصا بعد تعرض لمحنة كبيرة بحسب ياغي.
ويراجع لدى جمعية أطفال للصم أكثر من خمس حالات يوميا منذ انتهاء الهجوم الإسرائيلي الأخير لإجراء اختبار تقويم للنطق والغالبية العظمى من هؤلاء يحولون لإجراء جلسات علاج متخصصة.
وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال بين 4 إلى 15 عاما.
وتشير ياغي، إلى تخوف الجمعية من وجود آلاف آخرين لا تبادر عائلاتهم لعلاجهم لأسباب مختلفة خاصة ممن دمرت منازلهم في الهجوم الإسرائيلي ويقيمون في مدارس مؤقتة للإيواء.
كما أنها تشتكى من صعوبات في علاج المشاكل لدى الأطفال خصوصا بفعل الضغوط العائلية والمجتمعية وتعرضهم لانتكاسات مستمرة بعد تحقيق تقدم في جلسات العلاج داخل الجمعية.
وتركز جمعية (أطفالنا للصم) المدعومة من قبل الأمم المتحدة، على توفير عدة برامج لعلاج مشاكل النطق واللغة لدى الأطفال، وتعتمد في غالبيتها على الدعم النفسي لمساعدتهم على تجاوز محنتهم.
وتوضح مسؤولة العلاقات العامة في جمعية (أطفال للصم) ماندي سرداح ل((شينخوا))، أنهم يقيمون عددا كبيرا من البرامج الترفيهية للتركيز على الارتياح النفسي للأطفال وتمكينهم من التعبير عن مشاعرهم.
وتقول سرداح، إنه "نتيجة للهجوم الإسرائيلي الأخير وما خلفه من عمليات قتل ودمار وتشريد للعائلات تضاعفت الأزمات النفسية لدى الأطفال المستفيدين من خدمات الجمعية ".
وتضيف أن الخوف والتوتر أدى إلى تأزم الحالات الملتحقة بالجمعية قبيل الهجوم الإسرائيلي، فيما استقبلت أعدادا كبيرة من الحالات الجديدة غالبها تشتكي من مشاكل في النطق والسمع بسبب الضغط النفسي.
وطالت الأزمات النفسية والصدمات غالبية الأطفال الذين عاشوا أهوال الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة مما دفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى وصف مستقبلهم بالقاتم في ضوء ما تعرضوا له.
وأظهرت تقديرات لليونيسيف نشرت بعد انتهاء الهجوم الإسرائيلي، أن نحو 400 ألف طفل في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي للتقليل من حدة الآثار النفسية التي باتوا يعانون من تداعياتها.
وقتل نحو 500 طفل من أجمالي 2140 فلسطينيا قضوا في الهجوم الإسرائيلي، عوضا عن جرح ما يزيد عن 10 آلاف آخرين منهم 3 آلاف طفل إلى جانب هدم آلاف المنزل السكنية ودمار هائل بالبني التحتية للقطاع.
وتأمل والدة رهف أن تتمكن ابنتها من النطق وتجاوز مصاعبها النفسية نهائيا على أن لا تأتي بكلامها على مصطلحات الخوف من الحروب وغارات القصف المفزعة لها.