( من أبطال حرب أكتوبر 73 ) الحاج / صوفي معوض عثمانأبطال حرب العاشر من رمضان كثيرون . نقابلهم دون أن ندرى أنهم أبطال
فوق العادة . سطروا بدمائهم الزكية صفحات مضيئة في كتب التاريخ
ولكن التاريخ لا يذكر إلا أسماء القادة والساسة ولذا وجب علينا أن نلقي
الضوء على الجنود وصف الضباط والضباط الذين لا تسع صفحات
كتب التاريخ لذكرهم جميعاً لأنه باختصار شديد كانوا شعباً بأكمله
يحارب على الجبهة والمدرسة والمصنع والحقل الكل كان في حالة
استنفار للهمم ليردوا الصاع صاعين لقطعان الإحتلال الصهيوني ..
ستتعدد اللقاءات بقدر الإمكان مع هؤلاء الأبطال وكان اللقاء
الأول مع الحاج / صوفي معوض عثمان . توجهت إلى منزله
بحي البارودية البحرية بمحافظة الفيوم . قابلني بحفاوة بالغة رغم
أني قد وعدته أنني سأزوره من بعد صلاة الجمعة مباشرة ولكن ظروفي
منعتني عنه وذهبت له في المساء ولم يعاتبني علي تأخيري رغم
طول الأنتظار ... إنها أخلاق أولاد البلد الجدعان يحاول أن
يجد لك الأعذار ولا يوجه لك اللوم مهما كان . وكان لنا معه هذا اللقاء .
س – الاسم ؟ج – صوفي معوض عثمان .
س – تاريخ الميلاد ؟ج – 28 / 4 / 1946 م
س – متى التحقت بالقوات المسلحة ؟ج – عندما تخرجت سنة 1966 تم طلبي للتجنيد في سنة 67 قبل النكسة
ففرحت جداً بأني سأكون جندياً في قواتنا المسلحة ولكن للأسف لم
أجند وقالوا لي أنني لم يصبني الدور رجعت إلى الفيوم وأنا أبكي
وظللت في شوق إلى التجنيد حتى 7 / 9 / 1967 وقد حدثت
النكسة كما تعلم في 5 / 6 / 1967 فكنت أحس بالدم يغلي في
عروقي وذهبت إلى منطقة التجنيد وأنا كلي شوق بأن يتم تجنيدي هذه
المرة حتى آخذ بالثأر لشهدائنا في سيناء . وسجدت لله شكراً عندما
سمعت اسمي ينادى عليه بقبولي في العسكرية ... وكنا أول دفعة
من حملة المؤهلات تدخل الجيش في ذلك الوقت .
س – لماذا تم قبول المؤهلات عكس الماضي في هذا التوقيت بالذات .ج – هذا بسبب الأسلحة الجديدة التي دخلت الخدمة والتي تحتاج إلى
حسابات وأرقام ومستوى تعليمي معين .
س – هل كان يتم قبول كل حملة المؤهلات بمجرد تقدمهم للتجنيد .ج – لا بالعكس أجريت لنا إختبارات وكأنها إختبارات كلية الهندسة
هذا بالنسبة للإختبارات التحريرية أما عن اختبارات اللياقة البدنية فكانت
لمدة ثلاثة أيام وفي منتهى الصعوبة والذي جعلني أتخطى هذه
الإختبارات رغم صعوبتها هو الخوف من أن يتم إستبعادي ولا ألتحق
بالجيش لأحقق حلمي بالأخذ بالثأر من بني صهيون .
س – ما شعورك عندما تم قبولك بالجيش ؟ج – لا أعرف كيف أصف شعوري ويكفي أني أقول لك بأني بكيت
أنا وزملائي الأربعة عشر الذين تم قبولهم في سلاح الصاعقة المصرية
... وكذلك بكاء باقي الدفعة لعدم إجتيازهم الإختبارات .
س – هل تم ترحيلكم بمجرد سماعكم اسم السلاح أم ذهبتم إلى منازلكم
وعدتم للترحيل ؟ج – لا تم ترحيلنا فور سماعنا لاسم السلاح إلى مدرسة الصاعقة وعندما
وصلنا إلى مشارف المدرسة وجدنا إنفجارات هائلة تدق أحد المباني
المتاخمة للمدرسة ورأينا الطيران الإسرايلي يصوب صواريخه نحو
هذا المبنى فصدرت لنا الأوامر من المندوب الذي كان يرافقنا بالقفز
من العربة التى تقلنا والتفرق بعيدا عن بعضنا البعض والإنبطاح
مع أخذ سواتر . وبعدها رجعنا إلى السيارة ودخلنا مدرسة الصاعقة وكلنا قلوبنا مليئة بالغل لهذا العدو .
س – ما هي نوعية التدريب التي كنتم تتلقوها في مدرسة الصاعقة ؟
ج – يكفي أن أقول لك إنها كانت فوق طاقة البشر وأخرجت من
داخلنا قوة كامنة لا يصدقها عقل ونظراً لتميزي أنا وبعض الجنود
تم وضعنا في فرقة معلمي الصاعقة لننال قسطاً من التدريب أكبر
من ذي قبل وكانت مدتها ثلاث شهور.
س – هل هذه الفرقة كانت قاصرة على المجندين فقط ؟ج – لا كان معنا رتب كبيرة في الجيش وكان لزاماً عليهم أن يجتازوا
هذه الفرقة حتى يتم ترقيتهم وكانوا يعاملون معاملة الطالب العادي إذ
لم أقل بأن قائد الفرقة أو المسؤل عن الفرقة وأنا مازلت أتذكر اسمه
حتى يومنا هذا وهو النقيب محمود الشاهد كان يقسوا أكثر بالتدريب
على الرتب الكبيرة لأنهم بعدها سيكون في أعناقهم كتائب ووحدات
بأكملها فكان لابد أن يكونوا على أعلى مستوى تدريبي .
س – ماذا بعد فترة التدريب ؟ج – بعد فترة التدريب صدرت لنا الأوامر بالتحرك إلى خط المواجة
مع العدو وتمركزنا في أحد المواقع غرب القناة . وكنا نرى العدو
على الضفة الأخرى وهو يعربد ويستفذون مشاعرنا بالشتائم لنا وطبع
ا كان ذلك ببغة عربية مفهومة جداً وحتى من كان لا يجيد اللغة
العربية منهم كان يشير لنا بإشارات تحرق الدم وهم لا يعلمون
بأنهم بهذا الشكل كانوا يشعلون في قلوبنا نار الانتقام لشرفنا .
وكان لا يخلو يوم من تبادل القصف مع العد في شكل مناوشات
وكانوا هم من يبدأ بإطلاق النار على مواقعنا . وخاصة على
عربات الإمدات التى كانت تصل إلينا .
س – ما تسليحك في هذه الفترة .ج – كان تسليحي مدفع هاون وكان معي فردين معاونين ولذلك كنت الأكثر
اشتباكا مع العدو نظراً لأنهم كانوا يختبؤن وراء الساتر ومدفع الهاون
كان هو القادر على تخطي الساتر وإسقاط القذائف فوق رؤسهم لأنه
يعتبر من أسلحة القصف الغير مباشر وليس بالضرورة يكون الهدف
أمام عينيك لتقوم بقصفه ولكن يتم رصد الهدف المعادي وتحديد
إحداثياته وأنا أقوم بضبط الهاون بناء عن هذه الإحداثيات وأقوم
بالرد على نيران الهدف المعادي .
س – هل قمت بعمليات في الضفة الشرقية قبل حرب أكتوبر ؟ج – نعم كثيراً جداً كنا نقوم بالعبور في جنح الظلام وكان يسبقنا فرد منا
سباحة ومعه حبل ويقوم بتثبيته في الضفة المقبلة وبعدها نستقل القارب
المطاطي ويقوم الفرد المسؤل عن القارب بالإمساك بالحبل المشدود
بين الضفتين ويسحب الحبل لنصل إلى الضفة الشرقية ونتسلل نحن
من داخل شريط الألغام من أماكن معروفة لنا إلى داخل سيناء لأداء
المهمة التي تم تكليفنا بها إذا كانت تدمير معدات للعدو أو الإغارة
على أحد المواقع أو عمل أكمنة لعربات الدورية والحراسة أو
الإمدادات الخاصة بالعدو ثم الانسحاب بسرعة بنفس الطريقة إلى
مواقعنا من بعد تنفيذ المهمة .
س – هل تعرضت لمواقف صعبة في هذه العمليات وسؤالي هذا في
منتهى السذاجة ولكن أقصد الأكثر صعوبة في حياتك ؟ج – أكيد بأن المواقف الصعبة كثيرة ولكن الأكثر صعوبة هو أنني قد
ألم بي مغص شديد في أحد الأيام وكنت في حالة صعبة وسمح لي قائد
السرية بالتوجه إلى المستشفى الميداني الموجود في أحد الملاجئ تحت
الأرض وكان يبعد عنا حوالي 2 كم وذهبت وحدي وبدأت المشي
علي شريط سكة حديد مهجور لأختصر الطريق بسبب التعب وفجأة
وجدت طلقات رشاش من الضفة الأخرى تنهمر الطلقات حولي
وبدقة شديدة وكان الإسرائليون موجودون في أعلى الساتر الترابي
ويطلقون النيران من فتحات صغيرة للغاية من الدشم وصعب
جداً إصابتهم من جهتنا وكانت المشكلة أن المنطقة مكشوفة بالنسبة
له بسبب ارتفاعه فبدأت الجري مع المرواغة أثناء الجري حتى
وصلت إلى المستشفى الميداني وتعجب كل من في المستشفى لعدم
إصابتي رغم هذا السيل من الطلقات ونصحني طبيب المستشفى
من بعد الكشف وصرف العلاج بأن أتخذ الطريق الآخر حتى
لا أتعرض للرصاص مرة أخرى . والموقف الثاني وهو أننا
عندما كنا نحاول العبور في أحد الأيام ليلاً كالعادة وجدنا العدو
يستقبلنا بالقصف بالهاونات والرشاشات ونحن مازلنا على الضفة
الغربية وهذا برغم أننا نغير نقاط العبور دائماً وكانت المهمة في
ذلك اليوم هي عمل كمين لإحدى عربات القيادة للعدو . وفشلت
المهمة ورجعنا وتدور في رؤسنا كيف عرف العدو توقيت
ونقطة العبور . وفي حادثة أخرى بدأ قصف العدو يتركز على
سيارة التعيينات الخاصة بنا رغم أنها تغير مواقيت الحضور
إلينا وكذلك الطرق . وكان القصف من نقطة معينة على الضفة
الأخرى فطلب مني القائد أن أذهب وأفراد الطاقم والتمركز أما
المنطقة التي يأتي منها القصف والرد عليها عندما تقوم بالقصف .
وحملنا الهاون وصندوقين قذائف وتوجهنا إلى الجهة المقابلة
لمصدر النيران وكانت هذ المنطقة عبارة عن ملاحات ونصبت
الهاون بصعوبة بسبب عدم وجود مكان مناسب له وجهزنا القذائف
وبعد قليل مر علينا أحد الأشخاص الذين كانوا يسكنون المنطقة
وهو معرف لدينا جميعاً ويعرفنا بالاسم وكنا نكلفه بشراء مستلزماتنا
من القرية المجاورة والرجل كان سعيد بهذا الأمر وكانت تربطنا به
علاقة جديدة وبعد أن ألقى السلام علينا قال لي : أنا ذاهب إلى
القرية مش عايز حاجة من هناك يا أمباشا صوفي . كلفته بشراء
بعض الأغراض وتركنا وذهب على وعد بالرجوع بعد ساعة .
وبعد قليل مرت عربة التعيين ولم يتم قصفها كالعادة واستغربنا الأمر
وفجأة تم القصف الشرس والمركز جداً علينا وبدقة متناهية وتحت
وابل القذائف جرينا بسرعة أنا والطاقم لطي الهاون وتأمينه وأيضاً
صناديق الذخيرة ووضعناهم في مأمن عن قذائف العدو . وتحركنا
بعد إنتهاء القصف بإتجاه السرية ومن ستر الله علينا بأن قذائف
الهاون التي أطلقت علينا لم تنفجر كلها ووجدنا أكثر من 40 حفرة
في الطين من حولنا لقذائف غاصت في الطين ولم تنفجر . وأبلغنا
القائد بما حدث فبدأ باستجوابنا وقال لنا أحكوا لي ما حدث لكم منذ
خروجكم من السرية حتى العودة . فحكيت له وقلت له أن عم ( فلان )
مر علينا وطلبت منه شراء أغراض .. وهنا سأل الضابط :
وهل عم فلان قد عاد إليكم ؟..
فقلت له : لا لم يعود . وهنا أمرنا القائد بالذهاب إلى منزل هذا الرجل
والقبض عليه وتفتيش بيته وإحضار أي أوراق أوى أي أشياء قد تشتبهون
بها . وفعلاً ذهبنا إلى منزله ولم نجد أي شئ يفيد شكوكنا سوى وجنا
جهاز مذياع كان يحاول وضعه بعيداً عنا حتى لا ينكسر وعندما
حاولنا أخذه منه تحسباً لوجود أوراق بداخله تمسك الرجل به جداً
وحاول منعنا . وقبضنا عليه وسقناه هو ومعه المذياع إلى الضابط
الذي فتح ظهر المذياع ليجد أن جزء من داخله عبارة عن جهاز
إرسال لاسلكي .. وساعتها كدنا نفتك بهذا الخائن لولا أن القائد أنقذه
من أيدينا ليقوم بتسليمه بعد ذلك للمخابرات .
-( يتبــــــــع )-