وجوه إعجاز القرآن في حديثه عن النفس الإنسانية كثيرة نذكر منها:
1. تعرض القرآن الكريم إلى ما يتعلق بالخواطر والوساوس والهواجس والأحاسيس من فرح وحزن وائتناس وانقباض وانبساط وارتجاف واطمئنان وقلق واضطراب.
2. أرشدنا إلى أمراض وعلل النفس وألوان قصورها وأوجه قوتها ونشاطها وكمالاتها وأنماط علاجها وصحتها وعافيتها.
3. يذكر لنا القرآن الكريم الآفات النفسية مثل : الرياء، الحقد، الحسد، الغيرة، الغرور، الغضب، الغفلة، الطمع.. الخ، والمعالجة الإسلامية لها.
4. تحدث القرآن الكريم عن صفات النفس الإنسانية التي ترتكز في :
1. الضعف : (الله الذي خلقكم من ضعف)(الروم : 54) (وخلق الإنسان ضعيفاً)(النساء : 28).
2. البخل : (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم)(آل عمران: 180).
3. الشهوة: (زين للناس حب الشهوات)(آل عمران: 14).
4. الجهل : (وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً )(الأحزاب: 72).
5. تحدث القرآن الكريم، أيضاً عن أوصاف النفس الإنسانية، فكما أن لها صفات فطرية تعتبر من تركيبتها الأولى ومن جبلتها، فإن لها أوصافاً تعرف بها وأشكالاً ظاهرة تتشكل بها، وأماني شيطانية تمضي إليها، ومظاهر لا تستطيع منها خلاصاً إلا بالمشيئة الإلهية.
وهذه الأوصاف المذمومة تتركز فيما يلي :
1. إدعاء الربوبية : (قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم)(الأعراف: 123) (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه)(غافر: 56).
2. حب المديح
ولا يغرنكم بالله الغرور)(لقمان:23)(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)(الحديد:20).
3. أخلاق الشياطين : (وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً)(النساء: 117).
4. البهيمية : (أولئك كالأنعام بل هم أضل)(الأعراف: 179).
5. ولقد أرشدنا القرآن الكريم، إلى سمات النفس الإنسانية، فكما للنفس الإنسانية صفات وأوصاف توصف بها، وهي ما فطر عليه الإنسان، فإن تربية النفس وتهذيبها يؤدي إلى ترقي النفس من درجة إلى درجة، ومن منزلة إلى منزلة، ومن مقام إلى مقام.
وفي كل مرحلة من هذه المراحل تصف النفس بسمة معينة تعرف بها، وهذه السمات هي ما يجب أن يسعى إليها الإنسان حتى يحظى برضا الله ومحبته، وهذا لا يأتي إلا بعمل الإنسان وبسعيه ومجاهدته.
وبصفة عامة، تقسم درجات النفس وأحوالها ومقاماتها إلى أقسام سبعة هي :
1. النفس الأمارة
2. النفس اللوامة
3. النفس الملهمة
4. النفس المطمئنة
5. النفس الراضية
6. النفس المرضية
7. النفس الكاملة
ونجد أنه أثناء هذه الرحلة الطويلة.. رحلة صعود النفس في السلم الروحي.. تعالج النفس شيئاً فشيئاً من آفاتها ونقائصها وعثراتها. وجدير بالذكر أنه لا يمكن الفصل مطلقاً بين حال النفس الأمارة وحال النفس المطمئنة، فالنفس واحدة ولكن أحوالها متعددة، وسماتها متباينة.. ومقاماتها مختلفة، وهي تحوي الفضيلة والرذيلة.. الخير والشر .. الشرك والتوحيد.. النور والظلام.
والإنسان يحوي طبيعة النفس الأمارة بالسوء التي تسير وفق هواها ويقودها طمعها ولذاتها وشهواتها، كما تحوي النفس طبيعة خيرة نورانية تبحث عن الحقيقة وتنشد معرفتها.
وهناك صراع دائم بين النفس الأمارة وبين النفس المطمئنة في الإنسان، فأصعب شيء على النفس المطمئنة أن تتخلص من براثن الشيطان، ومن هوى النفس الأمارة، فلو علمت النفس الأمارة أن عملها إنما هو طاعة لله لنجت من العذاب والعقاب، ولكن النفس الأمارة والشيطان يقفا لها بالمرصاد فلا يدعا لها عملاً واحداً من أعمال الخير والطاعة يصل إلى الله تعالى : ولذلك يقول بعض العارفين: (إن عملاً واحداً، خالصاً لله، إذا وصل إليه تعالى لكنت فرحت بالموت كفرح الغائب الذي يعود إلى أهله).
ويقول في ذلك عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) : (لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة، فلا شيء أحب لي من الموت).
وإذا وصلت النفس إلى هذا المقام .. أي مقام النفس المطمئنة وجاهدت، فإنها ترقى إلى مقام النفس الراضية، ثم المرضية، ثم الكاملة، وهي مراتب نفوس الأنبياء والأولياء الصالحين أصحاب الدرجات العليا.
ومن ذلك كله نستطيع أن نستبين أن نفس الإنسانية واحدة، ولكن لها صفات جبلت عليها وأوصاف وصفت بها وأحوال تعيش فيها، وسمات تتصف بها، وهذه السمات لا تظهر ولا تتبلور إلا إذا سعى الإنسان إلى طريق الله وتخلص من آفات وشهوات نفسه الأمارة التي جبل عليها حتى ترقى النفس.. وتصل إلى أعلى المقامات بفضل الله وحده ورحمته ونعمته.
القرآن الكريم وأثره في تحقيق الأمن النفسي والسكينة والطمأنينة والسلام الروحي:
الحياة كنز ونفائس .. وأعظمها الإيمان بالله.. وطريقها منارة القرآن الكريم.. فالإيمان إشاعة الأمان... والأمان يبعث الأمل .. والأمل يبعث السكينة .. والسكينة نبع للسعادة حصادها أمن وهدوء نفسي. فلا سعادة لإنسان بلا سكينة نفس، ولا سكينة نفس بغير إيمان القلب. فإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس الإنسانية البشرية والقلب الإنساني، فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو دواؤها وغذاؤها وضيائها..
والقرآن الكريم ... النبع الفياض الذي لا ينضب، هو نور هذا الإيمان والسلوك الأمثل الذي يجب على الإنسان أن يسلكه ويقتدي به.
ومما لا شك فيه أن للقرآن الكريم أثر عظيم في تحقيق الأمن النفسي، والطمأنينة القلبية والسكينة. والسكينة روح من الله ونور يسكن إليه الخائف، ويطمئن عنده القلق.
هذه السكينة نافذة على الجنة يفتحها الله للمؤمنين من عباده. والقرآن فيه من عطاء الله ما تحبه النفس البشرية ويستميلها، إنه يخاطب ملكات خفية في النفس لا نعرفها نحن.. ولكن يعرفها الله سبحانه وتعالى .. وهذه الملكات تنفعل حينما يقرأ الإنسان القرآن.. ولذلك حرص الكفار على ألا يسمع أحد القرآن، لأن كل من يسمع القرآن سيجد له حلاوة وتأثير قد يجذبه إلى الإيمان.