[تعاجمت اللغة العربية على ألسنتنا ، وأصبح أولادنا كأولاد الروم والفرنجة ، لا يستقيم لسانهم بلغة أجدادهم ، والجميع يدرك فداحة الخطر لكنهم يتفرجون ! إلا من رحم ربي ،تعلم اللغة وتعليمها ، وسائل الإعلام ، عامية الحياة اليومية .. ، كلها مؤثرات تدعونا للانتباه وفتح ملف لغتنا الجميلة التي صارت عسراً ، بعد أن كانت زلالاً يسراً.
اللغة إن كانت من وسائل الاتصال اللغوي المهمة بين أفراد المجتمع، فهي أيضًا وسيلة للتعليم تترك آثارًا بنَّاءة في القدرات العقلية وعناصر التفكير؛ إذ إنها تحمل للعقل أنماطًا من الأساليب، وتنقله من تفكير إلى تفكير، وتعينه على الفهم العميق والإدراك الواسع، وتوليد المعاني والأفكار.
وكان يُنظر إلى اللغة العربية قديمًا على أنها عدة فروع مستقلة هي: القواعد النحوية، القراءة، التعبير بنوعيه الشفوي والتحريري، الإملاء، والقصة، الأدب، وعلوم البلاغة. أما الآن أصبح يُنظر إليها على أنها فنون أربعة هي: الاستماع، الحديث، القراءة، والكتابة. وتعليم اللغة يجب أن يتم في ضوء هذه الفنون الأربعة.
ومن هنا اتجهت المدرسة في مرحلة التعليم الأساسي إلى الاهتمام بتعليم فنون اللغة، ومن أهدافها المهمة تزويد التلاميذ بالمهارات الأساسية للغة، مع تنمية هذه المهارات بما يتناسب مع قدراتهم العقلية، بحيث يتمكن في نهاية هذه المرحلة من استخدام اللغة استخدامًا صحيحًا في الاتصال والدراسة؛ لأن مرحلة التعليم الأساسي (6: 15 سنة) قد تكون مرحلة منتهية بالنسبة لعدد من التلاميذ؛ لذلك فهم بحاجة إلى السيطرة على فنون اللغة الأربعة حتى يستطيعوا التعامل مع مجتمعهم بكفاءة، ومن ثَم يمكنهم تحقيق أكبر قدر ممكن من التنمية الذاتية.
أما الآخرون الذين سيواصلون تعلميهم، فاللغة في غاية الأهمية بالنسبة لهم؛ لأنها أساس المراحل التعليمية اللاحقة، بل إن نجاحهم في المراحل التالية يتوقف على نجاحهم في مرحلة التعليم الأساسي.
وهنا سؤال يطرح نفسه: هل نجحت مرحلة التعليم الأساسي فعلاً في تزويد تلاميذها بالمهارات الأساسية للغة؟ وهل هؤلاء التلاميذ يستخدمون اللغة استخدامًا صحيحًا؟ الواقع يجيب فيما يلي:
- ما سجَّله مُوجِّهو اللغة العربية في كثير من سجلات الزيارات بمدارس التعليم الأساسي من ضعف التلاميذ وتدنِّي مستواهم.
- مقال نشرته جريدة الأهرام في 19/12/1983 للأستاذ أنيس منصور، مما جاء فيه "إن الآباء غاضبون من أن أولادهم عاجزون عن كتابة خطاب واحد يطلبون فيه وظيفة"
- دراسة تمَّت سنة 1984 بجامعة الإسكندرية، تناولت الأخطاء الشائعة في التعبير الكتابي لدى طلاب الصف الثالث الثانوي، جاءت النتائج مؤكدة ضعف وعجز تلاميذ المرحلة الثانوية عن توظيف ما يدرسون من قواعد نحوية في أحاديثهم وكتابتهم؛ فشاع اللحن على ألسنتهم وكثرت الأخطاء في كتاباتهم.
- دراسة أخرى سنة 1991 بجامعة المنصورة، كشفت عن أن الضعف المتفشي ليس قاصرًا على مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي فقط، بل يشمل أيضًا طلاب الجامعات؛ فهم عاجزون عن تدوين مذكراتهم وتلخيص محاضراتهم، عاجزون عن إرسال برقية أو كتابة دعوة أو رسالة.
- دراسة ثالثة سنة 1995 بجامعة الزقازيق، أسفرت عن النتائج التالية:
1- تداخل الألفاظ العامية مع الفصحى في كتابات تلاميذ الصف الثامن من مرحلة التعليم الأساسي، فقد استعار التلاميذ من العامية استخدام جمع المذكر السالم دائمًا بالياء، والأفعال الخمسة محذوفًا منها النون، أما الأسماء الخمسة فهي مرفوعة بالواو واستعملها التلاميذ في الحالات الثلاث، رفعًا ونصبًا وجرًّا، دون مراعاة للوظيفة النحوية للكلمة أو الموقع الوظيفي لها )66%). كما لم يفرق التلاميذ بين جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم.
2- وضع المذكر في موضع المؤنث والعكس، وهو ما يُسمَّى بالتطابق النوعي.
3- كان التلاميذ الذين درسوا الصف السادس أفضل من الذين درسوا الصف الخامس فقط، في احتفاظهم بما تعلموه من نحو في مرحلة التعليم الأساسي، كما كانوا أكثر نجاحًا في توظيف هذا النحو في كتاباتهم.
4- وجود فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى (0,05) بين متوسطي أخطاء البنين والبنات في استخدام الأساليب النحوية والاشتقاق، تؤكد تفوق البنين على البنات.
كيف؟.. ولماذا؟.. والحل
فقام بعض الدارسين المهتمين بظاهرة ضعف التلاميذ وتدني مستواهم في اللغة العربية حديثًا وكتابة، بعدة لقاءات مفتوحة مع مجموعات متنوعة من معلمي اللغة العربية بمرحلة التعليم الأساسي؛ للوقوف على أهم أسباب هذا الضعف.
وأسفرت هذه المقابلات عن أن مُعلِّم اللغة العربية ضمن الأسباب الحيوية والمهمة لتفشي هذا الضعف. وقد أثار هؤلاء المعلمون العديد من الجوانب التي تدين أكثرهم بضعف المستوى العلمي واللغوي.
من أهم هذه الجوانب ما يأتي:
* معلم اللغة العربية درس بكليات الآداب أو التربية قسم اللغة العربية، والغالبية العظمى منهم لم تكن دراسة اللغة العربية هدفهم، ولم يدرسوها حبًّا في دراستها، بل أهَّلهم لدراستها إما المجموع أو الأمل في العمل بعد التخرج بإحدى الدول العربية، أو المكافأة التي كانت تمنح لدراسي اللغة العربية تشجيعًا لهم ولغيرهم حتى يُقْبلوا على دراستها، أي أنهم يدرسون مواد لا تتفق مع ميولهم ولا تشبع رغباتهم؛ وبالتالي فتحصيلهم من أجل النجاح لا من أجل السيطرة على فنون اللغة ومهاراتها، ومن الطبيعي ألا ننتظر من مثل هؤلاء الدارسين أن يكونوا معلمين أكفاء.
* طالب قسم اللغة العربية اليوم هو معلم الغد، من أين يتكلم العربية الصحيحة وهو لم يسمعها من معلمه خلال مراحل تعليمه المختلفة؟!
* في مرحلة التعليم الأساسي والمرحلة الثانوية لغة الدراسة هي اللغة العامية الدارجة حتى في درس القواعد النحوية العربية، ودراسته الجامعية في أقسام اللغة العربية تُلقى فيها أكثر المحاضرات بالعامية الدارجة، أضف إلى ذلك ما عليه عدد لا بأس به من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة من ضعف المستوى اللغوي وهشاشة المادة العلمية.
* فإذا كان ربُّ البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت كلُّهم الرقص!!
* ومن الأمور الخطيرة أن ينصرف اهتمام الكثير من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات – خاصة الجامعات الإقليمية – إلى بيع كتبهم ومذكراتهم أكثر من اهتمامهم بالمادة العلمية التي يقدمونها، بل أكثر من مواظبتهم على محاضراتهم؛ فقد لا تتعدى المحاضرات عدد أصابع اليدين طوال العام الدراسي. وحدِّث في هذين الجانبين ولا حرج، نتيجة ذلك يضطر الطلاب إلى الاعتماد على الكتاب يحفظونه عن ظهر قلب دون فهم أو تدريب، فكيف يكون الحال إذا كان هذا الكتاب من كتب النحو؟ إن دراسة النحو لا تؤتي ثمارها إلا لمن وعى مفاهيمها وتمكن من أساليبها وعرف مبادئها وتدرّب عليه
منقول