الأوسمة الكشفية
لا نرى أن من واجب القائد أن يعمل على تثقيف الكشافين فحسب، بل أن مهمته في توجيههم نحو الثقافة من أعظم ما يناط به من أعمال ذات قيمة واثر، وكذلك فإن عريف الطليعة جدير به أن يسير مع كشافيه سير هذا القائد المدرب وهذه ميزة من جمله الميزات التي يختص بها هؤلاء فيأتي العريف ويصحب أفراده في نزهة إلى حمامات البحر ويطلب من مراقب السباحة أو معلمها أن يخصص لهم بعضا من وقته يدربهم خلاله على العوم أو إنقاذ الغريق، أو أنه يقصد ـ أي العريف ـ سيدة أو صديقة ويرجوها أن تلقن معه أصول الطهي ويمضي إلى عالم ـ الفلك ـ يحدثهم عن النجوم وسيرها في أفلاكها، وان باستطاعة عدة طلائع أن تجتمع لاستماع أمثال هذه الشروح عن أمور شتى إذ أن مثل هذه الظاهرة لا تخالف حياة الطليعة التي نعدها وحدة مستقلة تعمل بإمرة عريفها المسئول لكن لنا أن ننبه في هذا الصدد من أن وجود العدد القليل من الكشافين يعود بالنفع عليهم أكثر مما لو كان عددهم بالغا حدا كبيرا.
ويجب أن لا ننكر بان بعضا من الأشخاص الذين نذهب إليهم بغية أن يوقفونا على أمر نريد تعلمه يترددون حين يرون أفرادا كثر وبينما يسرون أو يجدون متعة تغريهم بالعمل إذا رأوا الأفراد قليلين فلقاء ذلك تكون وحدة الطليعة جد مفيدة وتأتي حسنه وموفقة، فتضمن لها نيل الكثير من الأوسمة لقاء ما تكون قد أتقنته من أعمال وفنون نافعة وقيمة، وإن باستطاعة الطليعة المجدة أن تحرز عددا لا بأس به من الأوسمة في سبعة أو ثمانية أسابيع كما هو الحال مع المرشح لنيل وسام الهلال الأحمر حين يثابر على حضور خمس أو ست محاضرات في الإسعاف وأنه من الفخر للطليعة أن تحرز دائما الوسام الموحد، وقد لا يتسنى لها الفوز بهذه الأمنية إلا إذا كان أفرادها جميعا ـ مثلا ـ راكبي درجات، أو فرسانا، أو ممهدي طرق ...الخ، وإذا ما فازت كل طليعة بهذا الوسام الخاص تمكنت بهم حب المنافسة إلى الجد لنيل مثيل لهذا الوسام، وإن بإمكان الكشافين أن يحرزوا أوسمة فردية غير الأوسمة المشتركة التي سبق أن تكلمنا عنها وذلك بتشجيع العريف وتنشيطه إياهم على العمل والإبداع، فيحصل عندها الكشاف على أحد هذه الأوسمة: الموسيقى، الفارس، الدليل، المترجم، المشور... الخ.
وإنه لجدير بعريف الطليعة حين يرى علامات التفوق تبدو على فرد من كشافيه في أي فن أو علم أن يناصره ويشجعه ويرفع إلى مجلس الشرف أمره ليقروا مساعدته ويأخذوا بيده لينهض بنبوغه وتفوقه قبل أن تتسرب عوامل اليأس إلى روح هذا الإنسان فيقتل فيه كل تفوق وإقبال على الإنتاج خصوصا إذا كان هذا الكشاف فقيرا وليس بإمكانه تغذية هذه الناحية عنده.
مجلس الشورى في الطليعة الكشفية
من المفيد جدا أن يكون لكل طليعة مجلس شورى يجتمع أعضاؤه برئاسة العريف. ولقد اعتادت بعض الطلائع الاجتماع لقضاء فترة تزاور كل أسبوع عند أحد أفرادها أو تناول الشاي.
فلا بأس أن يلتئم حينئذ مجلسها المذكور للبحث في أمور طليعتهم إذ يتسنى للعريف أن يقف على رغبات الأفراد ويدرس ميولهم حتى إذا ما دعي لحضور مجلس الشرف في الفرقة مثل طليعته خير تمثيل وأفاض بما عند كشافيه من نزعات ورغائب يتمنون تحقيقها وإظهارها لحيز العمل، ولمجلس الشورى إن يتقبل جميع ما يرفع إليه مما بحثه وتتوجب رعايته.
كما وأن لهذا المجلس الحق في اختيار الأشخاص الذين يرى فيهم الكفاءة لتمثيل الطليعة في المباريات وما أشبه، ولا يجوز إزاء ذلك أن يختار من مجموع ما عنده أكثر من ثلاثة أفراد.
من هذا يتأكد لدينا أن ما من شيء يسري في حياة الطليعة وما من أمر يحدث فيها وإلا لمجلس الشورى العلاقة المباشرة في فض مشاكله والنظر في عواقبه، وإن ما من مخالفة ترتكب وما من مرشح يقبل وما من مخيم يقام أو زيارة تؤدى إلا ويكون المجلس قد أقر ذلك ونظر فيه، ولما كان لكل طليعة نظام داخلي تتمشى عليه كان من حق الطيعة ـ مثلا ـ أن تقوم بإصدار نشرة تكون لسان حالها، إن كثيرا من الطلائع التي قامت بأمثال هذه المشاريع الحية كونت لنفسها شهرة واسعة بفضل المثابرة والعمل المثمر في مدى وقت يتراوح بين الأربع أو الخمس سنوات.
وإننا يجب أن نذكر دائما أن لكل طليعة استقلالها الذاتي فعليها أن تكفي نفسها وان تعمل على أداء واجبها نحو الله والوطن فتطبق بذالك شريعة الكشاف.
المنافسات بين الطلائع الكشفية
إن من خير الوسائل لبعث النشاط في الطليعة وإيقاظ همتها، تنظيم المباريات بين طليعة وأخرى، إذ أننا نغرس بفضل ذلك حب المنافسة فنرى كل طليعة تريد أن تكون المجلية في كل مضمار تخوضه، وإن الواجب ليقضي بتنظيم المباريات أكثر من ثلاث مرات في السنة الواحدة، لأن في تعددها تشجيعا لفريق من الطلائع قصرت في إحراز النجاح سابقا فهي تدأب لتعوض عن ذلك القصور في المباريات المقبلة، وإن من واجب القائد أن يقوم بتنظيم كل مباراة فيجعلها على طريقة المساجلة بين الأفراد، وهو لا يفرض رغباته عليهم فرضا دون أن يرى رأيهم فيما يعرض أمامهم لأنه إذا فعل العكس خشينا أن يخفق إخفاقا كبيرا أو أن تفقد الطليعة حب الجد والمثابرة، وإن على مجلس الشرف أن يعير اهتماما كليا لإقامة المباريات وتنظيمها فهو يجتمع كل أسبوع للتداول في أمرها، ولعل خير طريقة يتبعها هذا المجلس لضمان نجاح كل مباراة يقرها، هو تخصيص علامات توضع لكل طليعة لتعرف المجلية منها من المتأخرة. وغن لمجلس الشرف الحق في إنقاص بعض هذه العلامات لأفراد الطليعة وذلك عندما يبدو له أن هناك تغيبا قد حصل لغير ما عذر مشروع ــ مثلا ــ يحسم خمس علامات بسبب تخلف فرد عن حضور اجتماع الطليعة الأسبوعي.
يبرم كل ذلك في مجلس الشرف حين يعرض العريف سجله فيبين عن حالة الأفراد ومقدار مثابرتهم على حضور اجتماعاتهم أو تخلفهم عنها.
أما إذا كان التغيب حاصلا لعذر فللمجلس الحق في مناقشة ذلك ثم التصويت عليه للإدانة أو عدمها، وإن من المحتم على كل كشاف يضطره ظرفه للتخلف عن حضور أحد الاجتماعات أن يرسل عريف طليعته قبل الموعد يخبره بالتخلف وبهذه الوساطة يتاح للعريف أن يدافع عنه لدى مجلس الشرف ويوضح لأعضائه السبب الذي دعاه إلى هذا التخلف، وإن باستطاعتنا أن نطبق نظاما خاصا بحق من تغيب كأن نجعل جزاء كل تغيب حرمانا من نزهة تقوم بها الطليعة بمجموعها، كما وإن من حق مجلس الشرف أن يزيد في علامات الناجحين في الدرجات والأوسمة كأن يخصص علامتين لكل وسام يحمله الفرد وخمس علامات لدرجة المبتدئ كما يخصص بعض العلامات للمسابقات التي تجري بين الطلائع في العقد والمخابر والإسعاف وإشعال النار وغيرها وهذا باب قيم من أبواب تشجيع الطلائع وبث روح العمل فيهم.
وان أحسن طريقة نتبعها في مسابقة العقد هي أن نعهد إلى كل كشاف بحبل ونطلب منه أن يعقد في مدة دقيقة واحدة عقدة ويداه وراء ظهره حتى إذا ما نجحت الطليعة في إحكام سبع عقد ربحت سبع علامات، وحين نريد أن نقيم مباراة في إشعال النار علينا أن نمنح الطليعة المجلية في غلي كمية من الماء قبل غيرها علامات إضافية أيضا، وربما اقترح عضو في مجلس الشرف أن تعطى بعض العلامات للهندام غير انه من الصعب على القائد تفضيل هندام أفراد طليعة على أخرى، ولكن من السهل أن تعطى الطليعة عددا من العلامات إذا أقمنا مخيما ورأينا خيمها تمتاز عن غيرها بترتيبها وإحكام نصبها، وقد لا تفوز في هذا المضمار إلا أنشط الطلائع وأسرعها وأتقنها للعمل.
ولما كان حب التنافس مطبوعا في نفوس الفتيان نرى أن باستطاعة بعض الطلائع أن تحصل على خمسمائة أو ألف علامة في مدة ستة أشهر ورب سائل يقول: كيف نكافئ أمثال هذه الطلائع المتفوقة؟ وهل يكون ذلك بمنح أفرادها الفائزين بعضا من الأوسمة المعروفة بعد أن علمنا بأن لدى الأفراد الكثير منها؟ نقول: لا. وإنما تكون مكافأتنا للطليعة الآنفة الذكر أن نسجل اسمها على لائحة الشرف واسم عريفها, كما وإنه بإمكاننا أن نقدم لها جائزة فنية يتسلمها العريف ويحتفظ بها في مقر الفرقة. ومن جملة ما تكافئ به الطليعة هو أن يعهد إليها بحمل علم الفرقة حتى إذا ما تفوقت عليها طليعة أخرى فيما بعد انتزعت منها هذه الصفة وأصبح هذا الحق لها وحدها وإذا لاحظنا على إحدى الطلائع بأنها غير مجلية في كثير من المباريات والمسابقات كان لنا أن نلقي هذا التقصير على عاتق العريف وحده.
ألعاب الطليعة الكشفية
كثيرا ما نلاحظ أن من القادة لا يعيرون كبير أهمية للألعاب، فلا هم يخصصون لها إذا ألفوا كتبهم إلا صفحات قليلة لا تعطى الفائدة المرجوة، وان بعضا منهم ـ أعني القادة ـ يكتفون أحيانا بذكر المراجع لهذه الألعاب فقط كان يقول مثلا: انظر في كتاب الكشفية للفتيان الصفحة الأولى "وهذا خطأ محض لأن الكتاب المذكور يبدأ فصله الأول من الصفحة الثالثة وبالجملة الآتية:
إن ثقافة الكشافين تكتسب غالبا بفضل التمارين والألعاب والمباريات التي من واجب كل فرد أن يشترك فيها مع المحافظة على نظام "الطلائع " فالألعاب إذا لها أثرها وأهميتها العظيمة في الحياة الكشفية حتى إننا لنستطيع أن نطلق على نفس حركتنا بأنها كبرى الألعاب.
لنعلم بان هذه الألعاب كبيرها وصغيرها حين نجريها داخل الغرف أو في الهواء الطلق إن هي إلا تمارين منظمة لعضلاتنا وأفكارنا معا، والشرط في تأديتها أن تراعي فيها وحدة الطليعة لتصبح الفائدة أعم وأجزل.
قد كتب بادن باول كتابا في الألعاب اسماه "ألعاب الكشافة" فيجب على كل قائد مطالعته لأن جميع التعاليم الكشفية يمكن أن تعطى حسب أساليب هذه الألعاب المجموعة في دفتي الكتاب المذكور.
وإنه ليحسن بالقائد أن يعمل الفكر لإيجاد أنواع من ألعاب مفيدة حتى لو اضطر أن يلجأ إلى كشافيه في هذا الصدد.
ومن أمثال ألعابنا المثقفة إجراء تجارب في الإسعاف كأن نعهد إلى فرد من الكشافين بأن يتظاهر بأنه أصيب بجرح ليأتي آخرون من رفاقه فيسعفون ويخففوا آلامه، وكذلك فإن مباريات السباحة والمخابرة ولعبة "كيم" وقوة الملاحظة لتساعد العريف على معرفة سعة إطلاع كشافية كما إنها تساعد كثيرا على تثقيفهم وشحذ أدمغتهم.
تبادل الزيارات بين الطلائع الكشفية
إن كل اجتماع تقيمه طليعة أو عدد من الطلائع واجب أن يكون له هدف معين ترمي إليه، وإن من كل طليعة يحسن أن تؤلف جماعات يعهد إليها بالقيام بأعمال مثمرة ومفيدة، وقد أوجب "بادن باول" أن يكون بين عامة الطلائع تخصص تمتاز به كل فئة عن الأخرى، فهذه طليعة بإمكانها تأمين أعمال الإسعاف وهذه ثانية تؤمن وظيفة راكبي الدراجات، وتقوم غيرها بدرس فن الطبيعة والطبخ أو ما شابه ذلك، ومن الطلائع من نراها تخصص بالغناء بين رفيقتها تتقن ضروبا من الرقص الوطني الجميل لتسلية الحاضرين، وهكذا تتألف لدى القائد فئات من أولى المواهب والظرف، يكون بإمكانه أن يعتمدها في إحياء بعض حفلات أنس وسمر يعود ريعها إلى صندوق الفرقة.
وكذلك حين تزاور الطلائع فإن بإمكان كل طليعة حينئذ أن تظهر أمام الأخرى ما تستطيع إتقانه: فهذه طليعة التمساح ــ مثلاً ــ قد زارت طليعة النسر فاستقبلتها بكل حفاوة وعندما أرادت الأولى إظهار شيء من مهارتها بأن قدمت رقصة التمساح قامت الثانية وفاجأتها بمشهد مثلت فيه فن المخابرةـ وتظل الطليعتان تتداولان ذلك إلى أن يحين وقت الافتراق، وتنتهي الزيارة.
في الأسبوع الثاني تقوم طليعة النسر برد الزيارة لزميلتها فيقضيان الوقت بإبداء تلك المشاهد الكشفية الرائعة بالتناوب فيما بينهما.
وإن في هذه الظاهرة لنفعا يعود على الفريقين بتمكين أواصر الود بين أفرادهما ومبعثا على توسيع أفق المعارف الكشفية لإنماء شخصية الطليعة.
الطليعة في المخيم الكشفي
لا تقام المضارب عادة في المخيمات الكشفية على خط مستقيم كما هي الحال في المخيمات العسكرية، بل إنها تنصب متفرقة دون أن يسودها النظام في بقعة أرض تتراوح بين الخمسين أو المائة متر تقريباً، أو تقام بشكل دائرة تحيط بخيمة القائد وهكذا تبقى الطليعة تتمتع بحياة مستقلة في خيمتها التي تقوم بعيدة عن البقية وعلى مسافة تمكنها من سماع صوت القائد، وإن بإمكان العريف أن ينفرد لوحده في خيمة خاصة تنصب بالقرب من خيمة أفراده وإن انسب الفرص التي تتيح للطليعة أن تظهر شخصيتها هي المخيمات، إذ أن عريف الطليعة أثناءها يكون مسئولا عن نظام وترتيب مضارب طليعته وعند انتهاء المخيم تخصص الطليعة المتفوقة بالترتيب ومراعاة الأنظمة بشيء يميزها عن الأخريات.
وإننا لننصح أن يترك لكل طليعة شأنها كلما سمحت الظروف لإعداد طعامها بنفسها ولكننا نلاحظ أن ذلك لا يمكن في المخيمات الكبيرة التي تدوم أسبوعاً فأكثر.
وإن نتيجة تعهد الطليعة إعداد طعامها تأتي حسنة يوم تقيم مخيماتها ليلة واحدة أو ليلتين، وبهذه الواسطة نقدر أن نوفر على أنفسنا نقل جميع معدات الطبخ.
وعندما ينفخ البوق مؤذناً بحلول الطعام أثناء المخيمات الكبيرة ليجمع العرفاء أفرادهم وليجعلوهم الواحد تلو الأخر ثم ليأتوا إلى المكان المعد لتسلم الطعام، أو لتقف الطلائع حول القائد على شكل دائرة وليأخذ كل نصيبه، وفي المخيمات الصغيرة يفضل استعمال الصافرة على بوق لأنها أقل إزعاجاً وأخف على السمع.
ولئن كان الطعام مشتركاً بين الطلائع تكلف في كل يوم طليعة لتأمينه كما يعهد إلى أخرى بتقديمه وتوزيعه بينما تأخذ غيرها بتأمين نظافة المخيم وبذلك تؤمن الأعمال في المخيمات من قبل جميع الطلائع ويتمرن الكشافون على أشياء ليس لهم بها عهد من قبل وان الفرق التي مر على تأسيسها أربع أو خمس سنوات يمكن للقائد أن يصرح لها بإقامة مخيمات يومية، على أن لا يكون هذا حقاً مشروعاً من حقوقها، بل تساهلاً من القائد ومكافأة لها على مثابرتها واجتهادها في الحقل الكشفي.
المصدر : مدرسة الجزيرة الإبتدائية