رأيت جرذاً يخطب اليوم عن النظافة وينذر الأوساخ بالعقاب وحوله... يصفق الذباب
أحمد مطر
بين أنفاس الضّواري
و نداءات الجواري
كان جرذ يتمطّى فوق أرباحٍ و غار
ناسياً كلّ الغبار
في سراديب المجاري
كان يحيا و التّرابيس المتينة
يتغذّى بخوابي النّائمين
و بلاليعُ المدينة
شاهداتٌ سيرة الجرذ الأمينة
منذ إقلاع السّفينة
كان يحيا في جحورٍ من حجار و رخام
و يغالي بالصّلاة وبالصّيام
بين ساقٍ و مُدام
و قعودٍ و قيام
و دعاءٍ كي يطول الدّاء في أرض الجذام
يمتطي الأشباح في جنح الظلام
و ينادي
فتلاقيه الأيادي
كان ذاك الجرذ في وادٍ وقد كنّا بوادي
ذات ليلٍ أومأ الجرذ إلينا
فانتشينا...
و مشينا...
و رمينا من يدين
كلّ شيءٍ...و مضينا...
و إلى الوكر الرّخاميّ ارتقينا...و ارتقينا
و على سطح الجبال
تحت أعناب الدّوالي...
....طلع الجرذ علينا
و دخلنا الوكر ما بعد انتظار...و رأينا
و عرفنا أين جهد النّمل يحظى بالضّياع
أين أنّات الجياع
و مجانيق القلاع
و طفيليات أعوام الصّراع
و على وقع الصّداع
اجتنبنا كلّ أنواع الأحاسيس السّقيمة
و تناسينا الجريمة
و انشغلنا بالغنيمة
حين أرخى الجرذ عينيه اللّئيمة
آمراً بدء الوليمة
و سكتنا بصنوف قد تفي كلّ الجراد
و تغذّي كلّ فئران البلاد
و تمدُّ آفاقاً لدعم الاقتصاد
و أكلنا و شربنا و تجاهلنا ترانيم الجهاد
و جلسنا بعد ساعاتٍ وخيمة
و شكرنا لفتة الجرذ الكريمة
و زعمنا أنّ أوكاراً قديمة
أنجبت تلك الجرابيع العظيمة
فانتشى الجرذ و مالَ
و تعالى...ثمّ قالَ:
جدّنا قد ورّث الشيء الكبير
ورّث الأموال و الفرش الوثير
غير أنّ الصّدق و الأخلاق طُهراً ... والضميرا
وِرثُنا الأسمى بأيّام المجارير المريرة
و أضافا...
كلّ شيء جاء من فضل النّظافة
فبجهدي و اغترابي...
و عذابي ...
و وقوفي وجه أطماع الذّئاب...
و قراعي للقذارة...
و التزامي بالطّهارة
و صراعاتي لتدعيم الإمارة...
أكرم الأعلى علينا بستارة
و اكتفينا بكفاف العيش في هذي المغارة
غير أن البعض ممن تعلمون
تحت وجه الشّمس... جهراً...ينهبون
فتصوّر...بعضهم يقتات من قمح الصّوامع!
من بواريد المدافع....
من فتات ٍ و قواقع...
ينهبون النّمل نهباً دون أخلاقٍ و رادع!
نخّروا كلّ الدّعائم
بين مجرورٍ و جازم
وسّخونا بالغنائم...بالفظائع... بالمراتع
و بأشكال الذّرائع
و كما تدرون لا خوفٌ و لا منعٌ و مانع
وا أسافا
أين أيّامٌ يموت الجّرذ كي يلقى كفافا
و برغم الجّوع لا يرضى من الغير القطافا
أين جرذان النّظافة!...
و هنا أحسست فعلاً باكتفائي
قُبِضَت عيني و ثارت في دمائي
حشرات الاستياء
و ظلال الجرذ تجثو من ورائي
أكل الجرذ حبوبي...
وجيوبي...و سكتنا
و اكفهرّت في دروبي
كلّ أبواب الهروب
و ثبتنا...و صمتنا
و اقتنعنا بالخرافة
و نسينا كيف كان الجرذ ما قبل الخلافة
غير أنّي لا أرى أيّ ظرافة
حينما تلقى زحام
بين جرذان القمامة...
...يتغنى بالنظافة!!!!
آفةٌ بل أيّ آفة
أن ترى جرذاً رماديّاً... يباهي بالنّظافة