تلاهي عضو نشيط
العمر : 43 عدد الرسائل : 270 نقاط : 6353 ترشيحات : 0
| موضوع: اثنتان وثلاثون سنة على مذبحة صبرا وشاتيلا: كي لا يتكرر هدر الدم الفلسطيني دون عقاب 23/9/2014, 15:54 | |
| الكاتب : علي هويدي لم تستطع أية منظمة من المنظمات الدولية حتى الآن، سوق أي من مرتكبي مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين إلى المحاكم الدولية، لجنة مستقلة واحدة تشكلت مباشرة بعد ارتكاب المذبحة من رجال قانون بارزين من أمريكا (ريشارد فولك)، وبريطانيا (براين بيركوسون)، وفرنسا (جيرو دولابرادال)، وألمانيا (ستيفن وايلد)، وإيرلندا برئاسة المحامي الإيرلندي شون ماك برايد والتي سميت اللجنة باسمه، مهمة اللجنة التحقيق في خروقات "إسرائيل" للقانون الدولي أثناء غزوها لبنان في العام 1982، وقدمت اللجنة تقريرها في العام 1983 وخصصت فصلاً كاملاً حول المذبحة، وَوَجدت بأن "إسرائيل" ساهمت في التخطيط والتحضير للمذبحة، ولعبت دوراً في تسهيل عمليات القتل من الناحية الفعلية، وبالتالي تتحمل المسؤولية الأولى عن المذبحة، فهي مسؤولة عن حماية السكان طبقاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي وقع عليها الاحتلال وأصبحت ملزمة له بمحاكمة الأشخاص مرتكبي هذه الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم، وقد صنفت المذابح التي ارتكبها الاحتلال على أنها "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأن مرتكبيها أو المساهمين فيها بأية طريقة من الطرق يتحملون مسؤوليتها فردياً، ومن واجب الدول معاقبة الأفراد أو المنظمات المتهمة بهذه الجرائم"، وحمَّلت لجنة التحقيق الدولية السلطات السياسية الإسرائيلية والعسكرية وخاصة شارون والضباط الكبار الذين كانت لهم علاقة بلبنان المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتكبت في صبرا وشاتيلا. واعتبرت اللجنة بوضوح أن ميليشيات الكتائب بقيادة إيلي حبيقة قامت بدور المنفذ للمذابح.هذا المستند أهم تحقيق دولي في مذبحة صبرا وشاتيلا، وإضافة إلى ما بثته قناة بي. بي. سي البريطانية في برنامج "بانوراما" في 17 حزيران/ يونيو عام 2001 وقد اعتمد في حقائقه على شهادات الضحايا وشهادات جنود وضباط وصحفيين إسرائيليين أكدوا تورط السلطات الإسرائيلية ودور ميليشيات الكتائب في المذبحة، كانا كفيلين بسوق مرتكبي المجزرة إلى المحاكم الدولية، وهو ما أعطى حينها القوة في رفع دعوى قضائية من قبل رجال قانون لبنانيين ضد شارون أمام المحاكم البلجيكية وكان سيكتب لها النجاح لولا تدخل اللوبي الصهيوني والضغط على الحكومة البلجيكية اضطرت على إثرها بتعديل بعض قوانينها حتى لا يكون هناك ملاحقة لمرتكبي المذبحة؛ ففي نيسان 2003 قامت بتعديل القانون المعروف بـ "الصلاحيات الكونية" والذي يسمح للمحاكم البلجيكية بمحاكمة مجرمين أجانب بسبب جرائم ارتكبوها خارج بلجيكا. يُعد قبول المحاكم البلجيكية للدعوى انتصاراً معنوياً للضحايا الفلسطينيين بصفة خاصة والفلسطينيين والعرب والمتضامنين بصفة عامة.. والأكثر من ذلك فتح هذا القَبول الباب أمام الفلسطينيين والعرب والمدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني للعمل من أجل إنهاء الحصانة السياسية والقانونية التي يتمتع بها الإسرائيليون التي تؤهلهم للإفلات من العقاب، بعد إهدار الدم الفلسطيني في كل مرة، فكان الحراك القانوني الدولي بعد ارتكاب المجازر المتكررة وآخرها إبان عملية "الجرف الصامد" الإسرائيلية العدوانية على غزة وتحرك حقوقيين باتجاه المحاكم الأرجنتينية لرفع دعاوى قضائية ضد القادة الصهاينة مرتكبي جرائم الحرب في القطاع.وللتاريخ فقد استمرت مذبحة صبرا وشاتيلا من ظهر يوم 15/9/1982 حتى مساء 18/9/1982، بدأتها وحدات الاستطلاع من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الغازية بقتل 63 مدنياً فلسطينياً في اليوم الأول ولتنسحب تلك الوحدات وتسلم مهام استكمال ارتكاب المجزرة لأدوات الاحتلال من جهات لبنانية، كما قال الكاتب والصحفي الفرنسي آلان منراغ مؤلف كتاب "أسرار الحرب على لبنان"، ليقتحم المخيم 350 عنصراً في 16/9/82 ليرتكبوا وعلى مدار 43 ساعة واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين بحق النساء والأطفال والشيوخ من المدنيين العزل.وقد ذهب ضحية المذبحة بين أربعة آلاف وأربعة آلاف وخمسمائة شهيد من 12 جنسية حسب شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو في تشرين أول 1982، و484 من الضحايا لا يزالون بحكم المخطوف أو المفقود، ولم يعد أي منهم حتى الآن حسب المؤرخة الفلسطينية الدكتورة بيان نويهض الحوت في كتابها "صبرا وشاتيلا أيلول 1982"، وتدمير جزء كبير من المخيم.معظم شهداء المذبحة من اللاجئين الفلسطينيين، يليهم اللبنانيون والسوريون والمصريون والإيرانيون والباكستانيون والبنغلاديشيون والأردنيون والأتراك والسودانيون ومكتومو القيد وشهيدة جزائرية هي أمال عبد القادر يحياوي (25 سنة) والشهيد التونسي، صالح ولقبه أبو رقيبة (65 سنة)، وشهيد تنزاني هو عثمان ولقبه عثمان السوداني (25 سنة).اعتادت "إسرائيل" على عدم المساءلة وتتصرف وكأنها دولة فوق القانون ولا تلقي بالاً لأي من المحاكم الدولية أو المعاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة.. وللالتفاف على أي قرار ممكن أن تتخذه الأمم المتحدة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق، اكتفت دولة الاحتلال حينها بتشكيل محكمة كاهانا وتحميل آرييل شارون وزير الحرب آنذاك المسؤولية ومعاقبته بعزله عن قيادة الجيش الإسرائيلي. كثيرون من يتحملون مسؤولية ارتكاب المذبحة، ابتداءً بالإدارة الأمريكية حسب المفكر والكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي الذي يعتقد بأن أمريكا هي من "أعطت الضوء الأخضر للإسرائيليين باجتياح لبنان في العام 1982"، وإنها أي أمريكا "غدرت" بالحكومة اللبنانية والفلسطينيين حين أعطت الطرفين ضمانات بسلامة الفلسطينيين بعد مغادرة الفدائيين بيروت، إلا أن القوات الأمريكية انسحبت قبل أسبوعين من انتهاء فترة تفويضها الأصلية بعد الإشراف على مغادرة مقاتلي منظمة التحرير، قبل أن توفر الحماية للسكان المدنيين.. فوقعت المجزرة، ورفضت أمريكا قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة باستنكار المذبحة".النموذج الذي قدمته محكمة كوالالمبور لجرائم الحرب جدير بالاهتمام، فقد انعقدت المحكمة في 20/11/2013 أي قبل أقل من سنة مدعية على العميد عاموس يارون الذي وجدته بأنه "متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية بصفته القائد العام الإسرائيلي ذي السيطرة العسكرية على مخيمي صبرا وشاتيلا إبان الاحتلال الإسرائيلي إلى لبنان في شهر أيلول/سبتمبر من العام 1982 وذلك بتسهيله وعلمه بالأمر، وسماحه بارتكاب مجزرة على صعيد واسع بحق قاطني المخيمين المذكورين؛ الأمر الذي يشكل خرقا لاتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 وميثاق نورمبرغ للعام 1945 وحكم نورمبرغ للعام 1946 ومبادئ نورمبرغ للعام 1950 وقانون الأعراف والقوانين الدولية والقواعد الآمرة للقانون الدولي العام وقوانين الحرب والقانون الإنساني الدولي"، وبالتالي يستحق العقاب وقد شكلت المحكمة هيئة الادعاء وفريق ادعاء وشهود ومستمع إليهم عن فريق الدفاع، وعلى الرغم أن المحكمة هي محكمة ضمير وحكمها هو مجرد حكم تفسيري لا يتمتع بأية قوة تنفيذية، إلا أن المحكمة قد وضعت حيثيات الحكم والمحاكمة بين يدي المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن، للاستفادة والبناء على مضامينها في ملاحقة مجرمي الحرب من الإسرائيليين.أما عن إعادة الاعتبار للضحايا وللناجين من المجزرة وكي لا يتكرر هدر الدم الفلسطيني من جديد، فلا يكون إلا من خلال محاكمة المسؤولين ومعاقبتهم عن ارتكاب المجزرة وكافة المجازر السابقة واللاحقة أمام المحاكم الدولية، فجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بتقادم الزمن؛ كي يشكل هذا بارقة أمل لإعادة بناء جسور الثقة بين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والشعوب التي تنظر إليها بأنها مُرتهنة للقوى والنفوذ السياسي على أحقية القانون.*كاتب وباحث في الشأن الفلسطينيبيروت في 15/9/2014 |
|