نتحدث اليوم عن فراسة التابعي الجليل “إياس بن معاوية المزني”، وهو حجة العرب في الذكاء والفراسة وحسن الفطنة، فلقد كان ذكياً سريع البديهة مفوهاً قوي الحجة، ولقد شاعت اخباره وقصص ذكائه وفراسته في كل مكان حتى صار يأتيه الناس من كل حدب وصوب ليعرضون عليه مشكلاتهم في العلم والدين، ولينهلوا من فيض علمه وفراسته.
وصار يضرب به المثل في الذكاء والفطنة فيقال: أذكى من إياس بن معاوية.
وقد ذكره الشاعر ابي تمام في بيت شعر مشهور جدا كان يقصد به مدح احمد بن المعتصم فقال:
إقدامُ عَمْرو في سَماحةِ حَاتِم . . . في حِلمِ أحنَفَ في ذَكاءِ إِيَاسِ
وقال فيه الحريري في مقاماته: فإذا ألمعيَّتي ألمعية ابن عباس، وفراستي فراسة إياس.
ولهذا ولاه الخليفة عمر بن عبد العزيز قضاء البصرة، ويوجد العديد من القصص التي تظهر فراسة وذكاء اياس بن معاوية، وخصوصا في مجال القضاء ونصرة المظلومين، ومن اشهر هذه القصص القصة التالية:
كان في الكوفة رجل يظهر للناس الصلاح، ويبدي لهم الورع والتقى، حتى كثر الثناء عليه، واتخذه بعض الناس أمينا لهم يأتمنونه على مالهم اذا سافروا، ويجعلونه وصيا على اولادهم إذا احسوا بدنو الاجل.
فحدث ان استودع رجل مالا عند هذا الرجل الذي اشتهر بامانته، ثم خرج صاحب المال الى مكة، فلما عاد وطلب ماله، فجحده الرجل وانكره، فأتى صاحب المال الى القاضي اياس بن معاوية واخبره بهذا الامر.
فقال له إياس: اعلم الرجل انك تريد أن تأتيني؟
قال: لا
قال إياس: افنازعته عند احد؟
قال: لا، لم يعلم بهذا الأمر أحد.
فقال إياس: انصرف واكتم امرك ثم عد إلي بعد يومين، فمضى الرجل.
ثم أرسل إياس إلى الرجل المؤتمن، وقال له: لقد اجتمع لدي مال كثير للأيتام ولا كافل لهم، وقد رأيت أن أودعه لديك وأن أجعلك وصيًّا عليهم فهل منزلك حصين ووقتك متسع؟
قال: نعم أيها القاضي.
قال إياس: تعال إلي بعد غد، وأعد موضعًا للمال في بيتك، وقوما يحملونه.
وعاد الرجل صاحب الوديعة الى اياس فقال له: انطلق الى صاحبك فاطلب مالك، فإن اعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له: اني سأخبر القاضي إياس.
فذهب الى الرجل وقال له: اعطني مالي، فامتنع عن إعطائه وجحده، فقال له: إذًا أشكوك إلى القاضي، فلما سمع ذلك منه دفع المال إليه فوراً، وطيَّب خاطره.
فرجع الرجل إلى إياس وقال: لقد أعطاني صاحبي حقي، وجزاك الله خيراً.
ثم جاء المؤتمن بعد غدٍ إلى إياس في موعده ومعه الحمالون، فزجره إياس وانتهره وقال له: بئس الرجل أنت يا عدو الله، لقد اتخذْتَ الدين مطية للدنيا، ابتعد ولا تقربني يا خائن.
وهكذا كان التابعي الجليل إياس ابن معاوية يستغل فطنته وذكائه وفراسته في إعادة الحق الى اهله، وإنصاف المظلومين وإقامة العدل بين الناس.
المصدر
- ahmedreyad.com