( النص بين فكر كاتبه ووعي قارئه )
يبدو لي أن تصنيف النص الأدبي من حيث كونه تناول مباشر أو رمزي في طرح الفكرة أو المضمون عامل
هام من عوامل تحديد نوع القراءة التي يقرأ بها
فالقراءة الشارحة على حسب فهمي لاتصلح لتبيان المضمون من وراء نص رمزي الدلالة
بيد أنها تصلح وبجدارة مع النص الموجه إلى القارئ بطريقة مباشرة صريحة لالبس فيها ولاتورية
ونجد من خلال فهمي لتحليل أنواع القراءات من قبل القارئ للنص أن فهم النص يعتمد في الأساس على :
1 ـ النص نفسه كجهد لكاتبه يحتوي مضموناً فإن لم يكن كذلك فلا طائل من وراء قراءتنا له أصلاً
فقد يكون النص عملاق وساحر بحيث يغرق القارئ في جنباته فلا يستفيق من قراءته إلا وقد تشرب
فكر الكاتب الذي ضمنه فيه ولأسلوب الكاتب وبيانه الأثر الكبير في ذلك :
( إن من البيان لسحراً ) وقد يكون سطحي يعيش القارئ خارجه وهو يقرأه ولايغوص فيه لأنه في الأصل ضحل لايحتاج إلى
الغوص لضحالة مضمونه وتفاهة فكرته
2 ـ ثقافة القارئ ومشربه ونظرته للأشياء وأدواته في التحليل والفهم والربط والإدراك وغيرها من
العمليات العقلية النفسية في نفس الوقت وهي عمليات عليا متلاحقة أحياناً ومتداخلة أحياناً أخرى
فالقارئ لايقرأ بعقله ووعيه فقط بل تتداخل أثناء قراءته للنص عوامل نفسية عديدة كما تؤثر حالته
المزاجية أيضاً على تلك القراءة كما أن القراءة الأولى لقارئٍ ما لنصٍ ما قد تختلف اختلاف كبير عن
قراءته الثانية له وقد تكون الظروف المحيطة حول القاري أثناء قراءته للنص كالهدوء أو انتشار
الضوضاء أو سعة مكان القراءة أو ضيقه أو ... من العوامل المؤثرة في نتيجة تلك القراءة
فنحن أمام نص وضع فيه كاتبه عصارة فكره في مضمون مغلف بأسلوب استخدم فيه الكاتب الكلمات
وطوعها لخدمته وقارئ أمسك بالنص يقرأه ليستخرج مكنوناته ويشرح سطوره وكلماته محاولاً فك
الشفرة بين فقراته وإيجاد الروابط بين عباراته بهدف استخراج ذلك المضمون الذي غلفه الكاتب
وبين المرسل ( الكاتب ) والمتلقي ( القارئ ) هناك العديد من العوامل المتداخلة والمؤثرة في نتيجة تلك
القراءة التي قام بها القاري
وسيظل النص عصي على أن تكون له قراءة واحدة أو فهم واحد حتى من قبل نفس القارئ له
بل قد تصل بعض النصوص التي تمكن أصحابها من كتابتها بطريقة احترافية غاية في الدقة والإبداع أن
تكون لها بالفعل أكثر من مضمون حقيقي وذلك مانقول عنه النص الذي أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد
فنحن أمام مبدع تولد من رحم إبداعه نصاً يحمل فكره محاولاً بواسطة عرضه على القارئ نشر ذلك
الفكر بأساليب مختلفة ونص يحمل روح كاتبه وفكره ونظرته للأمور ولايمكن بأي حال من الأحوال أن
يفتك عنه وعن سمات شخصيته وثقافته
وقارئ يظن بأدواته في القراءة ومخزونه الثقافي وقدراته الذهنية من تحليل وربط واستنباط وفهم
وغيرها من العمليات العليا أنه قادر على فك تلاصمه وفهم مغزاه في لحظة قراءته له
لكن يظل النص الجيد عصي على أن يفهم من قبل قارئه كل الفهم
حتى القرآن الكريم كلام رب العالمين الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تجد التفسيرات له متعددة
فالآيات واحدة وثابتة لاتتغير ولكن التفسيرات لها من قبل قرائها ستظل مختلفة ومتعددة لأن :
( كل إناءٍ ينضحُ بما فيه ) فالنص ثابت في مكانه ولكن الاختلاف في فهمه يتأتي من اختلاف زاوية الرؤيا التي ينظر إليه
منها القارئ .
إسماعيل إبراهيم