ميدان العدوان لا يخدم (إسرائيل) هذه المرة
د. عدنان أبو عامر
بدا واضحاً فور اندلاع العدوان فجر الثلاثاء 7/7، الذي أسمته (إسرائيل) "الجرف الصامد"، أنها تسعى لتحقيق عدد من الأهداف والأغراض العسكرية، أهمها:
1- اغتيال ما تطاله من القيادة السياسية لحركة حماس.
2- ضرب النواحي اللوجستيّة، وإحداث شلل استراتيجي في القطاع.
3- تدمير قواعد إطلاق الصواريخ، ومخازن السلاح، ومستودعات الذخيرة.
4- القضاء على ما يمكن من البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية.
وقد سبق هذا العدوان، ما قامت به أجهزة المخابرات الإسرائيلية طوال فترة التهدئة بين حماس و(إسرائيل) منذ انتهاء حرب 2012، بإجراء حملة شاملة لجمع معلومات أمنية حول البنية التحتية للفصائل المسلحة، لأن نجاح أو فشل المعارك الميدانية، يعود بالأساس لدقة المعلومات الاستخبارية، والحرب على غزة باتت حرب معلومات واستخبارات أكثر من أي وقت مضى.
في هذا العدوان، لم ينجح جيش الاحتلال الإسرائيلي في مفاجأة حماس بهجوم مباغت، على غرار الحربين السابقتين، بحيث تكون ضربة افتتاحية لعملية متواصلة، يتلوها ضرب الأهداف المحددة على يد الاستخبارات الشهور الأخيرة، وتشمل نشطاء ومقرات قيادة، ومعسكرات تدريب، ومخازن سلاح، وهو ما لم يدفعه للإعلان أن المهمة أنجزت بنجاح، لأن مفعول المفاجأة لم يتحقق.
في المداولات الأمنية والعسكرية، قال الإسرائيليون أن الحرب ستأخذ شكلاً قاسياً، لكن سريعاً جداً؛ عبر عملية جويّة على أمل أن تنتهي الحرب إلى واحد من احتمالين:
1- نجاح الضغط العسكري والتجويع والحصار في ضرب حماس، وإضعاف سيطرتها، وأن يساعد هذا الوضع الصعب خصومها على "الانتفاض" في وجهها.
2- أن تقبل حماس، بشروط (إسرائيل) لاستعادة التهدئة، على غرار صيغة "الهدوء مقابل التهدئة"، وتبقي يدها طليقة في شن العدوان والاغتيالات متى شاءت، وأينما أرادت.
ويبدو واضحاً حتى كتابة هذه السطور أن رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" لا يريد الاستمرار في العمليات حتى تحقيق الأهداف المعلنة، ويؤيده في ذلك وزير الجيش "موشيه يعلون"، لأنهما يخشيان الأسوأ، من تورطهما في مستنقع غزة عبر عملية برية مكلفة.
وقد ظهر جلياً خلال الساعات الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، أن الخطّة الميدانية العسكرية قامت على ثلاثة عناصر أساسية:
1- القوّة الجوّية الضاربة التي قصفت "بنك الأهداف"، وتعمدت إيقاع عدد كبير من الشهداء للضغط على حماس، وتحميلها المسؤولية عن الدماء النازفة.
2- القصف المدفعي الثقيل تمهيداً لدخول قوّات بريّة من المشاة والمدرعات والدبابات.
3- استدعاء 40 ألفاً من جنود الاحتياط لدخول المعركة، ليس بهدف احتلال القطاع، بل إمكانية تقطيعه لعدّة محاور، والتعامل مع كل محور على حدة، لـ"تطهير" المناطق التي يتم الدخول إليها، من منصّات الصواريخ وشبكات الأنفاق ومخازن الأسلحة، ثم التوغل لحين تطهيرها كلياً، فالانسحاب.
ويمكن استنتاج حدود انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، أو سقفها الزمني عبر عنصر أساسي يتمثل بتحقيق أهدافها المباشرة، وهو أمر صعب للغاية خلال وقت قصير، ويأمل الجيش تحقيق القدر الأكبر منها.
ويمكن ملاحظة أنه بعد 6 أيام من اندلاع الضربة الجوية، تراجع شبه الإجماع الإسرائيلي على المضي قدماً ضد حماس حتى النهاية، بعد أن بات التردد والتخوف من النتائج التي قد تأتي على غير ما يبيت الجيش ويخطط، بل وقد تكون النتائج قاسية جداً ميدانياً في ضوء احتمالات تحول غزة إلى حقول ألغام تحت أقدام جنوده.
ولذلك سيظهر اعتماد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على ذات المفاهيم المستندة لـ"بلطجة" القوة والتدمير والخراب، على شكل القصف الجوي المكثف، مما قد يتسبّب في تدمير أحياء فلسطينية، واستهداف عناوين البنية التحتية، من طرق وشبكات مياه وكهرباء، وكأنّ الجيش أراد القول للفلسطينيين في غزة: "هذا مصير مَن يحاول المس بإسرائيل..هذا هو الثمن".
لكن الرياح في ميادين المواجهة والقتال داخل غزة لم تسر بما يشتهي قادة الجيش الإسرائيلي، رغم أنه رمى بثقله الحربي المعروف في هذه المعارك المتدحرجة، وانقلبت الأمور رأساً على عقب، وسقطت نظريات ومفاهيم قتالية، وتراجعت أهداف وآمال وتطلعات سياسية وإستراتيجية إسرائيلية، لم تأت في حساباتهم على الإطلاق.
أخيراً..فإن السبب الأساسي في إرباك حسابات جيش الاحتلال الإسرائيلي يعود إلى حقيقة أن المواجهات على الأرض، بيّنت قدرة المقاومة الفلسطينية في غزة على مواصلة القتال بمنتهى الثقة بالنفس، رغم "رعب الصدمة والتدمير الهائل للبنية التحتية"، والمذابح الجماعية ضد أطفال غزة ونسائها.
فلسطين أون لاين