من حكم عمر بن الخطاب رضى الله عنه "من أكثر من شيء عرف به، ومن مازح استخفّ به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته" قيل "إنما سمى المزاح مزاحا لأنه يزيح عن الحق"
ومن أقوال بعض الأدباء "الضحك بلا سبب من قلة الأدب" فالمزح هو الدعابة ونقيض الجد، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "المزاح استدراج من الشيطان، واختداع من الهوى" كما روى الطبرانى عن أبى هريرة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "القهقهة من الشيطان والتبسم من الله".
ولهذا ينصحنا عمر بن عبد العزيز بقوله "امتنعوا عن المزاح تسلم لكم الأعراض" مضيفا "اتقوا المزاح فإنه حمقة تورث ضغينة" وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله "امنعوا الناس من المزاح فإنه يذهب المروءة ويوغر الصدر" ففى أمثال العرب "المزاح سباب الحمقى" وقيل "لكل شيء بذر وبذر العداوة المزاح".
قال سعيد بن العاص "لا تمازحنّ الشريف فيحقدنّ عليك، ولا الدنيء فيجترئ عليك" فقد قال أحد الحكماء "إنما المزاح سباب إلا أن صاحبه يضحك" وفى مأثور الحكم قيل "المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب" لأنه كما قيل "إذا مازحت عدوّك ظهرت عيوبك" وعلى هذا الأساس أوصى يعلى بن منبّه بنيه فقال "يا بنيّ إياكم والمزاح فإنه يذهب بالبهاء ويعقّب الندامة ويزرى بالمروءة" وحذّر بعض الحكماء بقوله "إياكم وغمزة المزاح فإن فيها الموت المتاح" كما حذّر عمر بن عبر العزيز قائلا "إياك والمزاح فإنه يجر إلى القبيحة ويورّث الضغينة".
بطبيعة الحال هذا بالنسبة لمن يغلو فى المزاح ويقصد إذاء خصمه أما المزاح الخفيف الذى لا يؤذى وفيه طرافة وخفة ولا يحمل مقصدا خبيثا ولا نية فاسدة أو مؤذية، وإنما للترويح والترفيه فى صيغة عامة لا تتعلق بشخص معين أو عائلة أو مجتمع، أو قبيلة أو ما يحمل طابع التخصيص، فهو لا يحمل أذى ويندرج فى ما رواه أنس عن الرسول عليه الصلاة والسلام: "روّحوا القلوب ساعة فساعة" هذا ما يتعلق بالمزاح.
أما الضحك فقد قال على بن أبى طالب رضى الله عنه "لا تخلطوا العلم بالضحك فتمجّه القلوب" وكما ذكرت فى بداية كلامى عن القهقهة بصوت مرتفع فهو مكروه لكن كما قال على بن أبى طالب رضى الله عنه "من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر"
وكما قال الإمام الغزالى "الدعابة والتظرّف نوع من المحبة" وفى المثل اللاتينى "ساعة ضحك فى اليوم أكثر منفعة من زجاجة الدواء" وهذا ما فصّله بوضوح العالم الفرنسى "بيير فاشيه" "الضك يؤدى إلى توسيع الشرايين والأوردة وينشط الدورة الدموية ويعمّق النفس ويحمل الأكسيجين إلى أبعد أطراف الجسم، ويؤدى بنفس الوقت إلى زيادة إفرازات الغدد والهرمونات".
فنصيحة صاحب المثل الآتى "لتكن البسمة على شفتيك قبل الكلمة" هى شفاء لصاحبها ولغيره أى لمن ابتسم ولمن قبل البسمة فالتبسم صدقة كما روى البخارى عن أبى ذرّ والترمذى وابن حبان "تبسّمك فى وجه أخيك لك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل فى أرض الضلال لك صدقة وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك فى دلو أخيك لك صدقة".
ومما ذكرت يستحب الأخذ بنصيحة سعيد بن العاص لابنه "اقتصد فى مزحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجرئ عليك السفهاء، وإن التقصير فيه يفضّ عنك المؤانسين ويوحش منك المصاحبين"، ومن الأمثال الصينية "الرجل الذى لا يعرف كيف يبتسم لا يحق له أن يفتح متجرا"؛ قال "شكسبير" "إذا ابتسم المهزوم فقد المنتصر لذة النصر" وقال هوراس "لا بهجة بلا حب وضحك، عش وسط الحب والضحك".
وفى المثل العالمى "اضحك تضحك الدنيا معك، ابك تبك وحدك" وقد قيل "ما أروع أن تقابل الناس بابتسامة عنوان الشعور والشعور عنوان الإنسانية، ولو أن الشيطان ابتسم لما طرد من الجنة" لكن كثرة الضحك تميت القلوب" قال على بن أبى طالب رضى الله عنه "روّحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان".
فالنتيجة أن المزاح والضحك هما شفاء وترويح وعلاج وترفيه إذا استعملا بحكمة وقلّة، أما إذا كثرا ولم يستعملا بطرفة ورفاهة فلا يجديان نفعا. وبعبارة أخرى إن استعملا فيما لا ينفع ولا يفيد بل يضر ويجلب العداوة والبغضاء فبئس ذلك؛ فنصيحتي: اقتصد فى مزحك وضحكك ولا تقصّر يا ابن آدم.