لعبة الموت

من ايام قليلة توفى الله احد اصدقائى القدامى فحضرت الغسل والجنازة والدفن وجميع اجراءت تكريم الميت ولأننى دائما ما الاحظ واتتبع الناس فى كل المواقف فقد لاحظت اثناء الغسل ان هناك من يتحدث عن ثروة المتوفى وكم ترك لاولاده والرصيد الموجود بالبنوك وفيلا الحى السابع بالعبور وكثير من هذه الامور وهناك من تحدث عن السيارة الفارهة التى تركها ومن من اولاده سيأخذها وهكذا وقد حضر الكثير من المعزيين اجراءات الدفن وكانت وجوههم يرتسم عليها الحزن والالم الشديد لفراق المتوفى وتمت اجراءات الدفن ونزلى صاحبنا الى حيث الثوى الاخير تاركا كل شيئ من حوله فى هذه الدنيا فكم من مرات كثيرة وقف هذه الوقفة معزيا لاناس يعرفهم وما لبث ان انتهى الدفن واخذ الله امانته حتى قام الشيخ الذى يدعو له ونحن نأمن من خلفه وندعو للمتوفى والوجوه عابسة حزينة فهناك من يفكر فى النهاية وهناك من يفكر فى التوبة وهناك من يعتزم ان يرد للناس حقوقهم وهناك من يرى انه يجب عليه ان يؤدى مناسك الحج هذا العام حتى اذا مات يكون قد غسل ذنوبه وهناك من ذرف الدموع ليس حزنا على الفقيد ولكن حزنا على حاله بعدما رأى صديقه فى التراب وهو فى سن الخمسين تأملت كل هؤلاء حتى ما ان فارقنا المقابر وادينا العزاء وتفرق الجمع واذا بمن كان حزينا مكلوما يشعل سيجارته ويأخذ صديقا له بالاحضان مهللا (فينك يا راجل واحشنى) وتعلو الضحكات وآخر يتحدث بالمحمول مع شخص يقول له (بلاش تقبض العمال ولاد ال........ )النهاردة وخلى الفلوس فى البنك واخذ كل من كان يذرف الدموع فى النميمة والكلام عن افعال المتوفى ده كان بتاع حريم ها ها ها الله يرحمه بقى ... ده كان واخد منى فلوس ياله بقى الله يرحمه .. ياعم ده كان بخيل جلدة الله يرحمه بقى .. ده كان مدوخ مراته وعياله وما صدقوا خلصوا منه ها ها الله يرحمه بقى .. وهكذا توالت القفشلت والتعليقات من هذا النوع فى اركان المقابر حتى انصرف الجميع راكبين سياراتهم
الى ان جاء العزاء ليلا فحضر العزاء الكثير من اهله ومن الغرباء والاصدقاء والمقربين بالبدل الانيقة والكرفتات الشيك والاحذية اللامعة والبرفانات الأصلية وكأنك فى مسابقة للموضة ويدخل كل شخص متأبطا زوجته بالفساتين السوداء (المحزقة لامؤخذة ) والبرفانات الحريمى التى تخبل العقل تفوح فى ارجاء المكان وعند الاقتراب من القاعة تنفصل الزوجة عن بعلها لتذهب لقاعة السيدات . كل هذا والقرآن يتلى واثناء التوقف ما بين القراءة والقراءة تسمع من نفس اللذين حضروا الدفن كلامهم مع اهل المتوفى بأنه كان بارا بأهله وأنه كان يتصدق ورجل الخير والبر والاحسان وانه كان لا يرد محتاج وينصر المظلوم والضعيف وهكذا تطرح قصائد الغزل فى اخلاق المتوفى .
يالسخرية القدر االى هذا الحد وصل بنا الامر من سباب الى نفاق ورياء الحديث يقول اذكروا محاسن موتاكم يا بشر
لقد اصبح المتوفى فى دار الحق وانتم لازلتم فى دار الباطل اتقوا الله حتى يجعل لكم مخرجا .