ما هي أفضل طرق تحفيز العاملين لإنجاز أعمالهم؟المدير الناجح هو الذي يعرف كيف يحفز العاملين ويحمسهم للحصول على أفضل ما لديهم في بيئة العمل، لكن كثيرا من المديرين يخفقون في اختيار الطريقة المناسبة لذلك.
عندما جمعت كَيت سوليفان موظفيها لحضور اجتماع طارئ بناء على طلب الإدراة العليا، بدا التجهم ظاهرا على وجوه جميع من في غرفة الاجتماعات.
كان ذلك في عام 2008، مع بداية الأزمة المالية العالمية، وكان مدير سوليفان يُعلن عن تسريح بعض العاملين في دار النشر التي تعمل بها. وقد جُمدّت الرواتب، وسُرِّح من العمل واحد من بين كل عشرة موظفين.
"هذا الخطأ منكم أنتم"، قالها ذلك المدير للعاملين حسبما تتذكر سوليفان، وأضاف المدير: "لكن باستطاعتكم أن تحتفظوا بوظائفكم وذلك بأن تجتهدوا أكثر في عملكم."
رغم ذلك، وبدل تحفيز الموظفين وإلهامهم، وصلت معنويات الموظفين إلى أدنى مستوياتها. وتصف سوليفان الوضع عقب ما جرى بالقول: "واجهتُ أوقاتاً صعبة لأجعل الموظفين الجيدين يقومون بأعمالهم."
كانت سوليفان تدرك أن ترهيب العاملين لن يجعلهم ينجزوا مهامّاً أكثر. لذا، حاولت تغيير حالتهم المزاجية خلال اجتماع لاحق مع أفراد فريق عملها. وأوضحت لهم أن قسمها يدرّ ربحاً جيدا، وقالت لهم: "حان وقت المجد. إنها فرصتنا لنبيّن أننا الفريق الأكثر تميزا."
كانت سوليفان، التي انتقلت منذ حينها لتصبح مديرة لدى دار نشر "تي كي سي" في نيويورك، محظوظة، فهي لم تخسر أي فرد من أفراد فريقها الخاص خلال تلك الفترة الصعبة.
توازن صعبإن خلق الدوافع يظل معادلة صعبة بالنسبة لكثير من المديرين. وغالباً ما تؤدي أفكار ذات نوايا حسنة، بغرض تحفيز العاملين، إلى تبعات سلبية. حتى أنها قد تنافي الأخلاق، أو تحمل تهديداً، لكنها ليست نوايا غير طيبة. لا يصل أحد تقريباً إلى منصب مدير وهو يتقن تماماً كل المهارات اللازمة لتحفيز الآخرين. فما الذي يمكن عمله؟
هل تستعمل أسلوب الجزرة أم العصا؟ غالباً ما يؤدي التهديد والوعيد مع العاملين إلى عواقب وخيمةغالباً ما يعود الأمر إلى التدريب، حسب قول ديبرا سيرسي، خريجة كلية الإدارة في جامعة فلوريدا أتلانتيك، والاختصاصية بمجال السلوك التنظيمي. حينما يتدرج الناس في المناصب العليا في العمل، يزداد في العادة عدد الأشخاص الذين يصبحون تحت قيادتهم، فيتوجب عليهم إيجاد وسائل لتحفيز الموظفين بهدف تسيير أمور العمل. وسيؤدي هذا حتماً إلى وقوع أخطاء.
تقول سيرسي: "ليس معنى أنك قادر على خلق فكرة تعادل مليار دولار في شركتك أنك ستكون مديراً جيداً."
وقد وقعت شركة جنرال إلكتريك في هذا الخطأ بعد تطبيقها البرنامج الذي يطلق عليه اسم "منحنى الحيوية"، حسبما تقول سيرسي. وهذا البرنامج يتطلب إجراء تقييم سنوي لأداء العاملين، وتسريح 10 في المئة منهم من أصحاب الأداء المتدني.
وقد لاقت هذه الفكرة انتقادات واسعة لاعتمادها بشكل كبير على تقييم الأداء الذي يمكن أن يكون معياراً غير مكتمل الجوانب، ولم يستحسنه العاملون الشباب على نطاق واسع. واضطرت الشركة في النهاية للتخلي عن هذا النهج.
إن البحث عما يحفز العاملين لبذل جهد إضافي في العمل يمكن أن يكون تحدياً لكثير من الشركات. وقد توصلت دراسات عديدة عن العاملين من مختلف بقاع العالم إلى وجود صلة بسيطة بين الراتب والقناعة الوظيفية، أي أن المال لن يشتري الحافز على الدوام.
لكن تأملوا أسلوب شركة "والت ديزني" في مكافأة العاملين أصحاب فكرة تحقيق ربح أكثر من خلال مدينة الألعاب الترفيهية "ديزني لاند"، والذين اقترحوا إبقاء أبواب المدينة مفتوحة طيلة أيام الأسبوع.
وفي أيام عيد ميلاد هؤلاء الموظفين، جعلت الشركة شخصية "ميكي ماوس" تظهر أمام بيوتهم محملة بالهدايا والنقود أيضا. وعندما أدرك الموظفون أن مدينة الألعاب يمكنها أن تحقق مزيدا من المكاسب عند إبقاء أبوابها مفتوحة لساعات متأخرة من الليل، ونجحت تلك الفكرة، ظهرت شخصية ميكي ماوس مرة أخرى أمامهم، لكن في هذه المرة وهي تحمل مفاتيح سيارات فيراري جديدة هدية لهم.
التدريب على تحسين المهاراتيمكن لتحديد أهداف أو أرقام مبيعات محددة أن يأتي بنتائج عكسية. وقد تعلمت الإدارة العليا لبنك "ولز فارغو" الأمريكي العالمي هذا الدرس القاسي بعد أن طبقت المؤسسة نظاماً صارما يقوم على أساس الوصول لعدد طموح من العملاء كل يوم وإقناعهم بفتح حسابات جديدة لدى البنك.
كان المطلوب من العاملين غير واقعي إلى درجة أن الموظفين، نتيجة لإحساسهم بضغط العمل للوصول الى تلك الأهداف المطلوبة، ابتدعوا حسابات وهمية لزبائن لم يوافقوا على الإطلاق على فتح حسابات لدى البنك. ولاحقاً، وافق البنك على دفع مبلغ 110 ملايين دولار أمريكي لزبائن تعرضوا لمثل تلك المواقف.
بعضٌ من أكثر المديرين إلهاماً يكونون مثالاً يُحتذى به للعاملين لديهموليس من المرجح أن يؤدي الترهيب أيضا إلى نتائج مرجوّة. فعندما انضمّت ألينا باسينا إلى شركة ناشئة تحقق نموا سريعا في وادي السيليكون، أعطتها مديرتها، وهي نائبة رئيس الشركة، قائمة لزبائن مرتقبين. ولأن القائمة كانت تعود لربّ العمل السابق لمديرتها، ولوجود بند في عقدها يمنع المنافسة، تقول باسينا إنه طُلب منها إجراء الاتصالات الأولية، التي لم يكن باستطاعة مديرتها القيام بها.
كانت باسينا، وهي محامية تحت التدريب، تعلم أن طلب مديرتها يعد عملا منافيا للأخلاق، ولذا رفضت القيام بذلك. وقد هددتها مديرتها بطردها من الوظيفة ما لم تمتثل لطلبها.
وتقول باسينا: "تراجعت عن أداء هذه المهمة، فأنا من الأشخاص الذين يملكون في العادة الكثير مما يحفزهم لأداء مهام عملهم، وفجأة وجدت نفسي بدون أي محفز للقيام بأي شيء." وأضافت: "فقدت احترامي لمديرتي، وفقدت ما يحمسني في وظيفتي."
لم تمتثل باسينا للطلب. وبدلاً من ذلك، استقالت من الوظيفة، وهي تشغل الآن منصب المدير العالمي لقسم المواهب والموارد البشرية لدى شركة "جوبّاتيكال"، ومقرها في إستونيا. وتساعد الشركة في إيجاد وظائف للعاملين في الخارج.
وتقول باسينا: "لن تجد أبداً ما يدفعك للعمل بسبب الخوف من أن يطردك شخص ما من الوظيف. ولن تعمل بجدّ على الإطلاق لصالح شخص لا تحترمه."
الغاية والاحترامإذاً، كيف تُلهم الآخرين؟ أولاً، عليك أن تحدد بالضبط ما يحبط العاملين لديك، حسبما تقول سيرسي.
الأمر الآخر هو التعامل مع الآخرين، وهو أمر حاسم حسب قول ديفيد رادين، مدير تنمية الإدارة بمعهد ديل كارنيغي لتدريب المديرين في الولايات المتحدة. وغالباً ما تركز دورات تدريب المديرين على أنظمة الإدارة والتشغيل، لكن رادين يقول إنه ينبغي عليها أن تركز على الجانب الإنساني في قيادة الآخرين، وكيفية التعامل مع الموظفين.
يقول رادين: "أنت لا تصبح مديراً بسبب منصبك، ولكنك تصبح مديراً لأن الآخرين يريدون أن يحذوا حذوك."
كما يمكن لأسلوب تكليف الآخرين بمهام عملهم أن يحفزهم للعمل بجدّ، ويتملكهم شعور جيد بتحقيق الهدف والغاية منه. وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن العاملين الذين يؤمنون بإنجازهم لمهمة كجزء من فريق عمل قد حلّوا مشاكل أكثر، وتذكروا أكثر مما تعلموه، وعملوا لوقت زاد بنسبة 48 في المئة عن غيرهم.
لكي تكون مديراً ملهماً، ضع نفسك مكانهم وتأمل كيف تريد أن يكون رئيسك في العمل، كما يقول أندرو فاس، المؤلف والاستشاري في بيئات العملويقول رادين: "كمدير، لا تركز على ما ينبغي تفاديه، أو على الأساليب الخاطئة لتحفيز العاملين. وعوضاً عن ذلك، تأمل فيما ينبغي عليك أنت القيام به."
يعني ذلك، في بعض الأحيان، أن تكون مثالاً يُحتذى به بدلاً من إلقاء الخطابات. غالباً ما تكون المحاضرات التي تهدف إلى تحفيز الموظفين بدون أثر يُذكر، أو يُنظر إليها على أنها غير صادقة، كما يقول رادين.
كان المدير التنفيذي لشركة مارفل كومِكس، إيزاك بيرلماتر، أحد المديرين الذين انتهجوا هذا النهج. وبعد الإفلاس الكامل للشركة عام 1996، أصبح بيرلماتر بطل تخفيض النفقات. وقد ألهم الآخرين ليحذوا حذوه عن طريق تطبيق الأمر على نفسه، حتى أنه كان يفتش عن دبابيس الورق في صناديق القمامة، ويقوم بإعادة استعمال أوراق المراسلات القديمة كدفاتر ملاحظات.
وفي عام 2009، اشترت شركة ديزني شركة مارفل كومِكس بقيمة 4.2 مليار دولار أمريكي.
يسعى أندرو فاس، وهو باحث واستشاري كندي في مجال الإدارة، إلى الحد من الممارسات التي تنطوي على انتهاك لحقوق العاملين في أماكن العمل، وبناء أجواء عمل مواتية من الناحية النفسية، تسودها ممارسات إيجابية وصحيحة.
ولكي تصبح ذلك المدير الذي يمكنه إلهام الآخرين، عليك أولا أن تتأمل في نفسك، وكيف تريد أن يكون رئيسك في العمل عند التعامل معك، حسبما ينصح فاس.
ويقول فاس: "عليك أن تصبح قدوة، وذلك بأن تدرك كيف تريد أن يكون رئيسك في العمل. وعندما تدرك أي مدير تريد لنفسك أن تكون، سيكون باستطاعتك تطبيق ذلك على الآخرين."