ضريبة الفسادهذا ليس عنوان ضريبة جديدة او حديثة ولكنها ضريبة ندفعها جميعا كل يوم, سواءا رضينا ام لم نرضى, ضريبة تمارس علينا ليل نهار, ندفعها صباحا ومساء وتتراوح نسبتها حسب الافراد والنشاطات, ندفعا احيانا نقود واحيانا ندفعها من ارواحنا وشبابنا, ندفعها نحن بالنيابة عن انفسنا وعن ابائنا واولادنا واحفادنا, نجدها في كل مناحي الحياة, ندفعها سواءا كنا مقيمين او مغادرين, سواءا كنا منتفعين من الفساد ام متضررين منه, ندفعها وندفع ثمن الفساد في بلادنا وفي مكان في العالم, تصديقنا لقول ربنا عز وجل : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
ما اقوله ليس تجديفا ولا تنظيرا وليس تشاؤما وانما قول من احس به ولمسه, وجدت ان الناس تعيش في زمن اصبح فيه الفساد يسري كما يسري الدم في العروق واصبح جزءا منا, يعشعش فينا ونربيه فينا صغيرا وكبيرا.
اصبح الفساد هو محرك الاساسي للاقتصاد واصبح الدافع للتنمية واصبح هو القوة الخفية التي تحرك وتسرع الامور, من غير الفساد لايمكن للاموال ان تستقطب ولا للمشاريع ان تنجز, وعلى هذه قس جميع المشاريع في عالمنا العربي والعالمي, و ليس العيب في الفساد نفسه اوالعدالة الاجتماعية اوالاخلاق, حيث انه وجود الفساد جزء من الطبيعية الانسان مثلها مثل بقية الاخلاق السيئة التي يعاني منها الانسان كالشهوة الجنسية والاستغلال والتكبر والانانية وحب الذات والبخل والطمع والتهور والجهل والدناوة والحقارة وكره النفس والناس, وغيرها الكثير من الطباع الحيوانية التي وضعها الله فينا لحكمة بناء وتعمير الارض, وعليه فليس العيب في الصفات نفسها, وهي ان فهمناها واستوعبناها وتحكمنا بها محركات للمجتمعات وسبل من التقدم والنجاح وهي اداة هامة في بناء وعمارة الارض.
العيب عندما تصبح هذه الصفات هي المسيطرة, عندما نسمح لاخلاقنا السيئة ان تسيطر علينا, وان تصبح انفسنا تسيطر علينا وان تصبح مصالحنا الذاتية هي الدافع وراء اعمالنا ونشاطاتنا.
ما السبب برايكم, وما هو هذا الذي يجعلنا جميعا لانفكر الا في انفسنا وذواتنا, بسببها نتجاوز كل الخطوط مقابل تحقيق مصالحنا الانانية, نتجاوز كل المعايير للاستحواذ على الاموال والموارد والمنافع, ونصبح كمن يريد ان يضع الدنيا وما فيه في بطونه, وبطنه لايستوعب رغيفين ساندويش وجسده لايحمل ان يبلس لباسين فوق بعضهما او ان يغير لباسه في اليوم مرات عديده وقدرته غير كافية لزوجة واحدة وقصوره يستمع بها خدمه وحدائقه يستمع بها حرسه, وسياراته يستمتع بها سائقوه وامواله يستمتع بها بنكه ومرابوه.
فكرت كثيرا قبل ان اكتب, حيث اني دائم البحث عن الحلول لهذه الاحجية وقدرت انني يجب ان ابحث باديء ذي بدء عن المشكلة واسبابها, وعليه صرت انظر الى العالم واجري المقارنة بين هذه الشعوب والبلدان, وكما يقول المثل ان معرفة المشكلة هو نصف الحل, وعليه فقد بحث في الشعوب التي تعاني الفساد فوجدت ان الفساد موجود في كل مكان وبنسب متفاوتة وحسب معايير الامم المتحدة ولجانها العالمية, وهو موجود بكثرة في البلدان الامية والنامية, ونسبة كبيرة منها هي البلدان الاسلامية, وقد تعمدت الامم المتحدة ولجانها ومؤسساتها عن اغفال مؤشر خطير في قياس نسبة الفساد وهو معيار الاخلاق, وجميع الدول التي تعاني الفساد بنسب كبيرة هي مجتمعات همجية سواء كانت اسلامية او غير اسلامية, تتصارع بين بعضها من اجل عظمة كلب وتترك بلادها للاخرين ليخرجو ثرواتها ومكتسباتها, بحثت في اطلس العالم فلم اجد بلادا فقيرة بمواردها, فقيرة بما لديها, ولكن وجدت بلادا جاهلة بما لديها, غير قادرة على معرفة ثرواتها, بلاد تبحث عن موارد غيرها, تريد الدنيا بلا مقابل, تريد السرقة والاستحواذ وقتل الاخرين, بدون ان تبحث عن ثروتها التي تحتها.
رايت ساسة هذه الدول عبارة عن وكلاء وشركاء للصوص خارجيين, يبحثون عن رزقهم من افواه الاخرين, عطلو الزراعة والتجارة والصناعة واستخراج المعادن واستبدلوها بالوظائف والمناصب, دمرو الارض الزراعية لينشؤا القصور, استخرجو المياه وبنوا السدود لتكفي حاجات مسابحهم وتنظيف انفسهم, ينظفون انفسهم ليلا نهار من الخارج ولايعتنون بنظافة انفسهم من الداخل.
وجدت الحضارة في بلاد البوذيين والملحدين والكفار وعباد النار وعباد البقر وعبدة الشياطين وفي كل مكان ولم اجدها عند المسلمين او عند السود الافارقة, وجدتها عند البيض والصفر والحمر ولم اجدها عند الوجوه الكالحة او البنية او السمراء او السوداء.
ما السر وما السبب في ذلك, السبب في ذلك كله ترك كنوز الذات والبحث في سلال قمامة الاخرين, وهي تصديق لقول الله جل وعلا : { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ,
نعود لموضوع اسباب مشكلة الفساد: فجميع البلدان التي لديها مشكلة فساد تعود في الاصل لغياب الاخلاق, وغياب الاخلاق مرتبط بوجود منظومة من الاخلاق التي تضبط المجتمعات, واستبدال منظومة الاخلاق بدستور وقانون وانظمة وتعليمات, تحاسب السارق اذا سرق وتمت ادانته وتحاسب القاتل اذا قتل واثبتت بالادلة والقوانين, هذه الانظمة والقوانين ترعاها الدولة والحكومة والمؤسسات العامة والخاصة, وتسهر وتنفق المليارات من اجل تطبيقها او التغاضي عنها بحسب المنتفع والمتضرر منها.
تسهر ليل نهار لتناقش الدستور القوانين وتحاول ان تبدع في الحالات والتعليمات والانظمة والتشريعات لكي تغطي جوانب الحياة باكملها وتخلق المناصب والهياكل الادارية وتبني لها المحاكم والسجون والمعتقلات.
وتخلق مؤسسات الجباية وادارة شؤون الافراد والاجانب والحدود, وتتطور الجيوش وتعدها بكل جديد ومتطور لكي تكون حصنا يحميها من اعدائها, ولكن الفاجعة في كل مكان ان من يقوض ويدمر بلاده هم الشعوب بانفسها.
ان الانظمة التي بنت نفسها بالانظمة والقوانين والتشريعات والامن الناعم والساخن والقوات والجيوش, اشبه بمن بنى بناء من رمل تاخذه الرياح او الامواج في لحظات.
كم هي الدول التي تتبنى الاخلاق في اعمالها, وتبنى نظاما تكون مرجعيته الاخلاق, كم من الدول تبث حلقات عن الاخلاق, عن الكرم والشهامة والطيبة وحب الخير وحب الوالدين ومراعاة حقوق العباد, كم هي المسلسلات التي تتحدث وتثني على ذلك, كم هي الاغاني التي تحث على الكرم والطيبة وعزة النفس, كم هي المسابقات التلفزيونية والمهرجات الخاصة بالاخلاق, اين هي دور المؤسسات الخاصة بالعدل والمصالحة بين الناس والازواج وبر الوالدين ورعاية وتاهيل المعاقين والاقل حظا, اين هي معايير العدالة الاجتماعية واين نحن منها, تفتح القنوات التلفزيونية والانترنت والفيس بوك, وتجد كل شي الا الاخلاق ( الا ما ندر) نصلي في المسجد ونترك اخلاقنا خارج المسجد, نقف كالصف المرصوص وفينا المرابي والحرامي والمغتصب والقاتل والظالم والاكل لحقوق اهله واخوته, نطلب العدل من المحكمة والقاضي والمحامي ولا يوجد اي معيار للعدل سوى الشهادة والواسطة والمحسوبية والعائلة والعشيرة ومن يدفع اكثر.
غياب الاخلاق هو سبب ظهور الفساد واستشرائه وسيطرته على جميع نواحي الحياة يمارسه الفقير والغني والشيخ والملحد, والرجل والمراة, والطفل والشاب والرجل والشايب.
ومن امثلة الفساد التي لانعيرها اهتمام ولكنها تؤثر فينا وندفع مقابلها من جيبونا واولادنا: التربية والتعليم ففي المدارس والجامعات افسدناها بمدرسين وادارات سيئة تمارس التعليم والتربية السيئة, مما دفعنا لاخراج اولادنا من المدارس الحكومية واخذناهم للمدارس الخاصة وليس لانها افضل اخلاقيا ولكن لانها الاخف سوءا, والتعليم فيها افضل, وقس على الصحة, تم حيث تدمير قطاع الصحة بادارات لاتعرف معنى للصحة والاخلاق, واصبحنا نرى الفساد في العلاج والدواء والمعاملة, واصبحنا نذهب للمستشفيات الخاصة بحثا عن الكفاءة والمعاملة الافضل. الاوقاف والمقدسات, حيث اصبح ياتيك خطيب لايحمل شهادة ولكن يحمل واسطة واصبحت تحلف يمينا كاذبة لتتمكن من الحج, وغير مهنتك من مهندس الى لحام او ميكانيكي للتتمكن من الحج, وهنالك من يبيع الفيز بالالف الدنانير, واصبحت كلفة الحج بكلفة شهر عسل في مونت كارلو, واصبح الجمارك تضبطك اذا احضرت سشوار بينما البضائع والسجائر المهربة في كل مكان, تذهب للامن لتشتكي فتوضع بالنظارة انت والمشكي عليه وتبحث بعدها عن اي واسطة لاخراجك واخراج غريمك من النظارة. يسرق مدراء شركات التامين الشركة وتتحمل انت تعويضهم. تذهب للبنوك لتاخذ قرض ب خمسة الاف دينار تحضر 3 كفلاء وترهن البيت والسيارة وغيرك ياخذ قرض بالملايين بورقة احالة عطاء. تعاني البلاد من قلة الاموال والموارد عندنا من الالاف دونمات الارضي متروكة لا للبيع ولا للاستثمار , نعاني من ازمة مواصلات والشوارع مكتظة بالسيارات الخاصة, لعدم قدرتنا على توزيع باصات وخطوط على الارامل ومنتفعي صندوق المعونة, نذهب لشرم الشيخ للتنزه ونترك مئات الكيلومترات من الشواطي السائبة بانتظار قدوم المستثمرين لتطويرها. ينبع الغاز والبترول من جميع البلدان المجاورة باستثناء بلادنا, يزرع الغور في الجهة الغربية منه بمنتجات تصدر للعالم جميعه ولا يتستطيع مزارعنا تلقيط البندورة لقلة سعرها وسيطرة التجار على السوق, تشتري الخبز الكبير ب 16 قرش للكيلو ولا تجده ومن نفس الطحين يباع الخبز صغير ب 25 قرش والكعك بدينار ونصف, تتقاعد على الخمسين وبراتب 50% من الراتب ويلاحقك الضمان ليل نهار لينمعك من العمل وغيرك يتقاعد على الاربعين وبراتب افضل من راتب عمله وتفتح له الوظائف والاعمال
هذا فيض من كثير نسال الله العفو والعافية.
منقول