خير اللهم اجعله خير
أحمد زحام
كانت أمي إذا ضحكت كثيرا تقول :
- خير اللهم اجعله خير .
واليوم ضحكت أمي كثيرا وبعدما ضحكت سكتت ونظرت إلى وجهي ثم قالت :
- خير اللهم اجعله خير .
وكان اليوم يوم سوق ترتدى أمي فيه جلبابها الأسود ، وتأخذ إنتاجنا من بيض ودجاج وبط إلي السوق ، وتبيعه .
نركب عربات تجرها الحمير، نسلك طرقا غير مرصوفة ، تخاف أمي على بيض الدجاج داخل قفص الجريد ، تدفئه تلفه بقماش من الصوف ، تقربه إليها وتحتويه بذراعيها ، وتنبه سائق العربة اكثر من مرة أن يسوق على مهل وكان سائق العربة لا يسوق على مهله أبدا .
وكنت اجلس في جوار أمي ، أري الأشجار وقد اصطفت في طابور طويل بطول الترعة لتحيتي كما يصطف رجال شرطة المدينة في طابور العرض ، فكنت ارفع يدي الصغيرة بالتحية للأشجار شجرة ، شجرة .
وكان ركاب العربة يتحدثون بكلام ويضحكون ، وكانت أمي تضحك وتقول :
- خير اللهم اجعله خير .
أقول لأمي :
- أريد أن أكون كبيرا اصبح صاحب عربة تجرها الحمير أسوق على مهلي واذهب إلى السوق وحيدا أبيع البيض والدجاج والبط وتجلسين في البيت معززة مكرمة تلبسين كل يوم ثوبا بلون وتضحكين وتقولين :
- خير اللهم اجعله خير
تقول أمي :
اليوم يوم سوق نبيع البيض ، واشترى لك جلبابا ،وطاقية ،وحذاء ،ولا تتسخ قدماك بعد اليوم وإذا أردت دراجة اشترى لك واحدة صغيرة من سوق الحوائج القديمة في المرة القادمة ان شاء الله .
قلت :
- لا أريد جلبابا ولا طاقية ولا حذاء ولا دراجة .
سألتني آمي باستغراب :
- ما تريده اشتريه لك . ماذا تريد ؟
قلت بابتهاج :
- حمارا .
ضحكت أمي ضحكة كبيرة حتى رأيت أسنانها البيضاء ، وبعدما انتهت من الضحك قالت :
- خير اللهم اجعله خير.
في السوق جلست أمي في الصف مع البائعين من النساء والرجال .
عند الحائط وضعت قفص الجريد أمامها ، وأخذت ترفع قماش الصوف من فوق البيض ، فسمعت كما سمعت أمي، وكل الحاضرين من البائعين والمشترين عددا من النغمات تكون لحنا صغيرا قادما من القفص المصنوع من الجريد ، فانحنينا جميعا فوق القفص ، فرأينا فراخا صغيرة يغطيها ريش ناعم اصفر ما زال قشر البيض يغطى ظهرها ، وكانت الفراخ الصغيرة ذات اللون الأصفر تحاول الخلاص منه .
وما هي إلا لحظات حتى كان القفص يزدحم بها ، فضج الجميع بالضحك في آن واحد ماعدا أمي التي أخذت ترفع قشور البيض وتلقى بها خارج القفص ، وتقول :
- خير اللهم اجعله خير .