تأليف : رادوي كيروف
ترجمها عن البلغارية: ميخائيل عيد
هل أعرّفكم بالجد بركان؟ إنه يعيش في جبلٍ عالٍ. يستكين في فوهته العميقة، كي لا يصيبه هواء الجبل بالبرد.. وهو ككل شيخ هرم يسعل ويشخر، غليون تبغه هو منقار يدخن به ويدخن، ويدخن، وكأن آلاف غلايين الناس تدخن.
يصيح:
ـ آخ، إنني أدخل الألف الثالث! آخ، سوف يهلكني هذا الروماتيزم! يصفر صدري ليلاً ونهاراً بسببٍ من الشيخوخة. آخ، أين ذهبت حُميا الشباب؟
إن الجد بركان يتذكر مجده. لقد طمر ثلاث مدن وثلاثمائة قرية بالحمم. كان شاباً وقوياً حينئذٍ. أمّا الآن فلا ينفعه شيء، وهو يمضي من سييء إلى أسوأ.
لكن الجد بركان لم يكن وحده هنا. إن لـه حفيداً، هو بركان صغير في جوف الأرض، يعدو في الشقوق والكهوف المظلمة. ياله من بركان صغير كثير الحركة! (لا يقف شيء في سبيله). يرى نهراً تحت الأرض فيغوص فيه. يصيح به الجد بركان:
ـ سوف أجن بسبب منك!
ثم يكتشف مغارة، فاذهبْ وابحثْ عنه.
ويصيح به جدّه:
ـ أنت غير مطيع!
يقرر البركان الصغير أن يظهر على السطح أحياناً... وتعلو عندئذٍ فرقعة ممطوطة!..
يصفعه الجد بركان صفعة موجعة على خده الساخن بالحمم.
يصمد بشجاعة فلا يغضب ولا يشكو.
يصرخ:
ـ صفعتك يا جدي مثل قرصة البعوضة.
يغضب الجد بركان:
ـ ياله من ولد لا يفهم. فبدلاً من أن يصير رجلاً ويكبر يزداد طيشاً على طيش. سأشبعك ضرباً ذات يوم.
ـ ما القبيح الذي أفعله يا جدي؟ ألم تكن طائشاً مثلي في شبابك؟
تنهد الجد بركان وقال:
ـ كان الأمر مختلفاً حينئذ. كانت الأرض غير متعلمة وبلهاء. أما الآن فثمة تلفزيون، وسينما، وثقافة....
قال البركان الصغير:
ـ أمّا أنا فأحب اللعب!
ـ لا لعب! يجب أن تكبر وكفى! يجب أن تصبح عظيماً جداً. يجب أن تصير بركاناً قوياً ومخيفاً، فإذا انفجرتَ دمّرت بالحمم قارّة كاملة، فلا تكتفي مثلي بدمار ثلاث مدن وثلاثمائة قرية.
قال البركان الصغير بعناد:
ـ أنا لا أريد أن أفعل السوء. لماذا أُعاقب الناس الطيبين؟
ـ أهكذا تحاكم الأمور! يبدو أنك محتاج للضرب! يجب أن تصير بركاناً أولاً. والبركان اسمه بركان لأنه يطمر الناس بالحمم لا بالحلوى.
لقد أتعبتْ هذه النقاشات الجد بركان فنام وشخر كالمذبوح.
لم يعد يظهر سوى دخان غليونه المتصاعد نحو السماء.
أما البركان الصغير فكان قد ضجر من تعليمات جده ومل الإصغاء إليها فمضى في عتمات ماتحت الأرض باحثاً عن أصدقاء أوفياء.
قال وقد غاب عن سمعه صوت جدّه:
ـ سأذهب إلى مكان بعيد.
وفي شق عميق وجد سبعة مناجذ تلعب... كانت تلعب ثم تحفر أنفاقاً. بدأ البركان الصغير يلعب معها... ماعاد يخاف جده الذي نام نوماً عميقاً، وقد اتصل نومه طوال قرن كامل.
قال أحد المناجذ فجأة:
ـ البحر غير بعيد يا أصدقائي. فلنذهب جميعاً إلى شاطئ البحر. فلنحفر نفقاً يوصل إلى البحر.
قالت المناجذ الأخرى:
ـ أجل.... سيكون ذلك رائعاً! تعال معنا أيها البركان الصغير، ألست موافقاً؟!..
قال البركان الصغير :
ـ أنا موافق! سأذهب معكم حيثما تذهبون.
وشرعت المناجذ تحفر النفق. وهم يجيدون الحفر جداً.
صار شاطئ البحر يقترب كل يوم... والبركان الصغير وراءهم..
حفروا طوال أيام كثيرة تحت الأرض. وفجأة صاح أحدهم خائفاً:
ـ يجب أن نوقف الحفر! نحن الآن تحت قاع البحر. أحس بأنفي رطوبة البحر.
وكفّت المناجذُ عن الحفر في الحال.
قال البركان الصغير مندهشاً:
ـ أنا الآن، إذاً، تحت البحر!
صرخت المناجذ:
ـ تحت البحر، تحت البحر!
قال البركان الصغير :
ـ هل تعرفون بماذا أفكر يا أحبّائي! جدّي يريد أن تدمر حممي المدن والقرى. أليس الأفضل أن أثور في البحر؟ سأصنع جزيرة جميلة..
صاحت المناجذ:
ـ مرحى، مرحى للبركان الطيّب!
وارتفع عمود ناري فوق البحر. بدأ الماء يتحول إلى بخار، وغامت السماء، تكومت الحمم فصارت كومة كبيرة وسط الماء، فظهرت الجزيرة.
ومضت سنوات كثيرة ونما العشب فوقها، وغنت الجداجد في الأمسيات.
ونمت أشجار مختلفة... وغردت الطيور في الأجفان الكثيفة.
سأقول لكم يا أطفال إن عطلة المناجذ الصيفية انتهت فعادت أدراجها... فمدرستها التي تحت الأرض تنتظرها...
والآن هل ستسألون عن الجد بركان؟ها، ها، ها!
لقد قرصته ذبابة مؤذية فاستيقظ قبل أن ينام مائة عام.
نظر إلى الجزيرة واستغرب وغضب:
ـ ياه... يالحفيدي الشقي! لم أستطع تعليمه الشر.
وبدلاً من أن يقضي على الحياة صنع حياة من حممه.
وعاد الجد بركان إلى النوم.
لا أعرف كم عاش بعد ذلك.
رأى الناس في المدن والقرى أنه ما عاد يدخن غليونه فوق الجبل العالي. صاحوا جميعاً:
ـ خمد البركان!
وظل الرجال يذمّونه طوال قرون، وظلت النساء تلعنّه.
أما جزيرة البركان الطيب فيذهب إليها الأطفال كل صيف ليلعبوا ويرتاحوا.
يغنون هناك ويدبكون، ويصرخون:
ـ كان البركان الصغير طيباً جداً...
ـــــــــــ.
ملحوظة:
- المناجذ: نوع أعمى من الجرذان... مفردها خلد.
من منشورات اتحاد الكتّاب العرب