عدد الرسائل : 17بلد الإقامة : مصراحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 4481ترشيحات : 0
موضوع: التفويض 7/10/2013, 09:19
التفويض
امسكت بيد طفلتها الصغيرة ذات السبعة أعوام وهى تعبر الشارع لتذهب إلى الميدان القريب حيث يتجمع فيه الشعب الأول وليس الثانى ، هى تستعجل المرور قبل أن تداهما مسيرة الشعب الثانى الآتية حتى لا تعطلها عن بداية الإحتفال ، فهى مؤيدة وتريد أن تلحق بتجمعات المؤيدين حيث الحماية الكاملة وحيث تراقص عطور البارفانات الباريسية على أصوات الموسيقى الصاخبة وتتلألأ ألوان البنطلونات الفيزون الفسفورية على أجساد الفتيات الرشيقات المتحررات ، فجأة حدث هرج ومرج قبل أن تبلغ الجهة الأخرى من الشارع ، الكل يحاول أن يتخذ ساترا ، دوى طلقات الرصاص تصم الآذان ، دخان القنابل المسيلة للدموع يستحيل معها الرؤية أو التنفس ، عربات مدرعة تأتى بسرعة تطارد المعارضين ، لوحت بيدها وهى مبتسمة للضابط المعتلى للمدرعة وقالت له : أنا معكم ... أنا معكم ، المعارضين المختبئين من الرصاص المتطاير ينادونها ويشيرون لها بأن تختبئ هى الأخرى ، هى لا تلتفت لهم ... فمن المؤكد أن الضابط سيعرف انها معه من مظهرها الراقى وأنها ليست تابعة لمن يصفونهم بالأوباش ، الضابط لم يعرها بالاً وحاول أن يدهسها هى وابنتها بالمدرعة ، جرت بأقصى سرعتها وهى ممسكة بيد ابنتها الصغيرة لتأخد ساتر هى الأخرى لتحتمى من هذا الجنون ، وفجأة أحست بثقل جسد ابنتها ، ألتفتت إليها وإذ هى جثة هامدة تهدر من رأسها الدماء ، أحتضنت جسد ابنتها الوحيدة وركعت فى منتصف الشارع ، المدرعة آتية عليها مباشرة بأقصى سرعة ، هرولت إليها بنت فى العشرينات من عمرها غير عابئة بشظايا الخرطوش والرصاص وادخان وسحبهتا من أمام جنازير المدرعة فى آخر لحظة ، أخذهتا وهى مسلوبة الإرادة إلى المكان الذى يختبىء فيه نساء ورجال وأطفال من رسائل الموت المتطايرة فى الهواء . تقدم أحدهم مشيرا إلى ابنتها التى تنزف على صدرها وقال لها : أنا طبيب ... اسمحى لى أن أسعف ابنتك ، تركتها له مستسلمة وهى فى حالة ذهول ، قام بفحصها ... انهمرت دمعة شاردة من عين الطبيب الشاب وقال لها : البقاء لله ... هى من الأبرار بإذن الله ، بكى جميع الموجودين على هذا الملاك الصغير ... إلا هى !!! ، تحجرت الدموع فى عيناها ، وظلت تردد بصوت هامس وعيون شاردة : أنا من أعطيت التفويض بقتلك يا حبيبة قلبى يا "جنى" .