“كانت رسالة قوية في العمق” على هذه العبارة أجمع كل المراقبون الذين أخضعوا للتحليل عملية تل أبيب التي حدثت إبان معركة حجارة السجيل، وتركت لما يقرب من عام لغز كتائب القسام الذي تم الكشف عنه بعد استشهاد المجاهد القسامي محمد عاصي في أكتوبر الماضي.
وبمناسبة الذكرى الأولى لهذه العملية ينشر موقع القسام الرواية الرسمية وبأدق التفاصيل عن العملية، والتي جاءت نتاج جهد من الإعداد والتجهز امتد لسنوات قام به القائد القسامي والمعتقل حاليا في سجون الاحتلال “أحمد موسى”، الذي بدأ بالتحرك منذ عام 2006م لتشكيل خلية عسكرية قسامية بالضفة.
فعقب خروج المجاهد أحمد موسى من السجون الصهيونية أواخر عام 2006 بدأ بتشكيل خلية عسكرية بدرجة عالية من الأمن والسرية، بعيد عن أعين أجهزة المخابرات الفلسطينية في الضفة المحتلة وكذلك بعيداً عن جهاز “الشاباك” الصهيوني.
ونظرا للمعيقات التي تحد من عمل المقاومة من قبل أمن السلطة و”الشاباك” جرى تشكيل الخلية بصورة بطيئة، وكان الهدف من تشكيلها الرد على أي حملات عسكرية يشنها العدو على قطاع غزة، وبعد حرب “معركة الفرقان” عام 2008- 2009 على قطاع غزة، بدأت الخلية تعد نفسها لتنفيذ عمليات جهادية ضد المحتل.
البدء بالعمل
عكف المجاهد احمد موسى “قائد الخلية” بعد انتهاء الحرب على شراء الأسلحة والذخائر وبدأ بالتدرب عليها، ثم انطلق يبحث عن أفضل الطرق لجلب المتفجرات وصناعتها، وآلية التفجير عن بعد، إلى أن نجح في صناعة المواد التي استخدمت في عملية تل أبيب.
بعد عام 2010 قام المجاهد أحمد موسى بتنظيم عدة مجاهدين بغية تنفيذ عدة عمليات جهادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وجرى تحديد عدة أهداف وهي:
- مطعم “وكزنو” البحر الميت قرب منطقة عين جدي في مدينة أريحا ويرتاده جنود الاحتلال.
- كنيون مغتصبة “شاعر بنيمين” قرب القدس.
- محطة حافلات للجنود والمغتصبين المتطرفين في مغتصبة “كريات أربع” في مدينة الخليل.
- محطة حافلات قرب قرية سنجل في مدينة رام الله يرتادها جنود العدو.
ووصل إلى هذه الأهداف المجاهد أحمد موسى وهو متنكر بزي للمغتصبين الصهاينة، يضع طاقية متدينين يهود على رأسه، ودخل على كيبوتس عين جدي وهو متنكر بزي رجل أجنبي وهذا ما أزعج المخابرات بعد الكشف، وكانت هذه الأهداف جاهزة لتنفيذ عمليات بداخلها ولكن الخلية كانت تنتظر قراراً ووقتا مناسباً.
صناعة العبوات
أما في بداية عام 2012 فقد أجرى قائد الخلية أحمد موسى تجارب عديدة في صناعة التحكم والتفجير عن بعد، وبعد جهد متواصل استطاع أن يصنع جهاز تحكم دقيق وقام بواسطته بتفجير عبوتين ناسفتين قرب بلدة بيت لقيا غرب رام الله، كما صنع مواد متفجرة وجهز عبوات ناسفة عندما شعر أن العدو يلوح بحرب ضد غزة.
كان من العبوات التي صنعها عبوات فجائية يمكن تقديمها كهدية تنفجر عند فتحها تلقائياً، إضافة إلى العبوة التي استخدمت في العملية حيث صنعت بشكل دائري وكان قطرها 30 سم، وارتفاعها 15سم، وطليت باللون الأحمر والأخضر، وتم تثبيت جهاز تفجير عن بعد عليها.
في شهر نوفمبر من عام ذاته قام العدو الصهيوني باغتيال القائد البارز في كتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري، وعقب هذه الجريمة أعلنت الكتائب النفير العام في صفوفها للرد على الجريمة، وأطلقت معركة حجارة السجيل، وضربت “تل أبيب” والقدس المحتلة بالصواريخ .
في اليوم الثاني من الحرب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “خالد مشعل” يعلن أن الرد على جريمة اغتيال الجعبري سيكون مفتوحاً وسيشمل الأراضي المحتلة عام 48، وبعدها خرج القائد صالح العاروري يطلب من الضفة الوفاء بالواجب، عندها أعلنت الخلية بأنها سترد في الوقت والمكان المناسب، وفي المكان الأكثر حيوية للكيان الصهيوني (الرد في العمق).
تحديد الأهداف
ثم حددت الخلية التي ضمت كل من: الأسير أحمد موسى، والأسير محمد مفارجة، والشهيد محمد عاصي، عدة أهداف للرد على جريمة اغتيال القائد أحمد الجعبري وكانت خطة الرد تقوم على تنفيذ ثلاث عمليات:
العملية الأولى: عملية تفجير قرب وزارة الحرب الصهيونية في تل أبيب.
العملية الثانية: عملية تفجير حافلة عن طريق استشهادي في مدينة حيفا.
العملية الثالثة: اغتيال رئيس بلدية “موديعين” ردا على اغتيال الجعبري .
تحرك الخلية
وبعد التخطيط تحركت الخلية من أجل التنفيذ فتم تدريب المجاهد “محمد مفارجة” على كيفية وضع العبوة في تل أبيب قرب مقر وزارة الحرب، وتم تكليف المجاهد محمد مفارجة بالذهاب إلى الشارع الذي تقع فيه وزارة الحرب ووضع حقائب وهمية داخل حافلات صهيونية، وقد نحج في وضعها دون أن تثير الحقائب الشبهة.
وفي اليوم السابع من الحرب تم تحديد مؤتمر لعقد تهدئة في القاهرة برعاية مصر والأمم المتحدة بان كي مون، عندها اتخذ المجاهد أحمد موسى قرار أنه إذا فشلت مساعي التهدئة بوقف الحرب فإن العدو سينتظر في أي وقت لحظة تفجير حافلة في تل أبيب، أوعز المجاهد أحمد موسى للمجاهد محمد مفارجة البقاء على أتم الجهوزية من أجل تنفيذ عملية تل أبيب، خاصة بعد أن ألقى القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف خطابه الذي فتح فيه جميع الخيارات أمام المجاهدين للرد على جرائم الاحتلال “كسر كل قواعد الاشتباك”.
أدق التفاصيل
في صباح الأربعاء 21/11/2012م وفي الساعة الثامنة ونصف صباحاً من نفس اليوم خرج المجاهد أحمد موسى بسيارة محمد عاصي إلى موقع اللقاء بينهما حيث كان عاصي يرصد ويتأكد من عدم وجود كمائن للمحتل على الطريق.
انطلق أحمد بسيارة عاصي ومعه الحقيبة التي بداخلها العبوة الناسفة وتوجه صوب المكان الذي تم تحديده للقاء المجاهد محمد مفارجة وكان على جانب الطريق في بلدة “بيت لقيا” ثم أخذه وأوصله في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً عند شارع “443″ وهناك وتسلم “مفارجة” الحقيبة التي بداخلها العبوة والتي تزن 17 كجم، ويتم التحكم فيها عن طريق أحمد موسى من الضفة الغربية.
مضى مفارجة وركب سيارة من نوع “بولو” تحمل لوحة صفراء (لون لوحات سيارات الصهاينة)، وكانت متجهة نحو حاجز بلدة بيت عصيرة وبعد اختراق الحاجز، استقل حافلة رقم “111″ المتوجهة من بلدة النبي عون إلى تل أبيب، ومكث في الحافلة ساعتين حتى وصل إلى محطة الحافلات الرئيسية في تل أبيب.
بعد وصوله إلى تل أبيب ركب مفارجة حافلة أخرى تحمل رقم “142″ والتي تتجه نحو شارع “قاردن” الذي يحد وزارة الدفاع الصهيونية بالإضافة لمحكمة العدل العليا، وفي الساعة 11:50 صباحاً نزل “مفارجة” من الحافلة وفي اتصال “مموه” أبلغ “موسى” أنه وضع العبوة وغادر الحافلة”.
تفجير الحافلة
بعدها وفي تمام الساعة 11:55صباحاً قام الأخ أحمد موسى بتفجير الحافلة من بلدة بيت لقيا عن طريق التحكم عن بعد، بينما كانت تسير على بعد 40 متراً من وزارة الحرب الصهيونية، وقد أدت العملية إلى جرح 29 صهيونيا، بينهم سبعة في حالة الخطر الشديد.
في تمام الساعة 12 منتصف النهار، أعلن الكيان الصهيوني عن تفجير حافلة في تل أبيب، وبعد أن باشرت سلطات الاحتلال بالتحقيق في أعقاب حدوث العملية قامت بمطاردة “محمد مفارجة” في شوارع تل أبيب مما أدى إلى اعتقاله بعد خمس ساعات.
وقد أعد احمد موسى بياناً مصوراً للعملية لبثه على وسائل الإعلام إلا أن الظروف الأمنية حالت دون ذلك، وقد صادر العدو الشريط والبيان عند اعتقال “موسى”.
ثم بدأت سلطات الاحتلال بالبحث عن باقي أعضاء الخلية ، وحال اعتقالهم دون تنفيذ باقي عمليات الرد.
خضعت هذه العملية للتحليل من قبل الصحافة الصهيونية، حيث اعتبرتها أنها جاءت استجابة لخطاب القائد ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻀﻴﻒ، والذي كان خطابه ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟـ”ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ ﺍﻟﻨﺎﺋﻤﺔ” ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ “ﺗﻞ ﺃﺑﻴﺐ”، وقالت أيضا “العملية تمت دون سابق إنذار والسبب هو السرية القوية التي عملت في ظروفها الخلية”.
أما صحيفة “هآرتس” العبرية فخطت على صدر صفحتها الأولى مانشيت عريض “لقد عادت ملحمة الباصات”، بينما وصفها الشاباك بأنها أدق عملية نفذت منذ 8 سنوات، بينما قال مسئول كبير في الكيان أن عملية تل أبيب “أسقطت منظومة أركان إسرائيل الأمنية، وأن حماس استطاعت ضرب تل أبيب من غزة ومن الضفة في آن واحد”.