مناهج العلوم و الرياضات "بعبع الطلاب"
ضرورة إعادة النظر فيها لتواكب تكنولوجيا العصر وتكشف عن المبدعين والمبتكرينالأهرام-صلاح غراب:
◙ د. رضا مسعد: الفهم والبحث والاستقصاء والمشروعات المصغرة البديل المناسب لتطوير تدريس الرياضيات
◙ د. محمود حسن عوض: حتمية تجاوب مناهج الرياضيات وتربوياتها مع معطيات التطور المتسارع وخلع ردائها التقليدى
◙ د. فادية ديمترى يوسف: رسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الترقيات المتراكمة على الأرفف مصدر مهم لتطوير العلوم
◙ د. مدحت النمر: تفعيل مُختبر العلوم الحقيقى والافتراضى لتوفير بيئة لتنمية المعرفة لدى الطلاب
------------------------------------
ظهرت الحاجة الملحة لتطوير تدريس الرياضيات والعلوم مع تدنى ترتيب مستويات التحصيل الدراسى لتلاميذ المدارس المصرية فى المسابقات الدولية، وتأكدت تلك الحقيقة مع صدور تقرير التنافسية الدولية عاما بعد عام، واحتلال التعليم المصرى موقعا متأخرا به لا يليق بمصر الحديثة، مصر الحضارة والتاريخ. ولنا فى السبق الذى حققته دول نامية مثلنا، ومنها سنغافورة، وفنلندا، وكوريا الجنوبية، المثل والقدوة.
فقد توقفت تلك الدول عن التطوير الجزئى المؤقت، واتجهت إلى تبنى نظام تعليم جديد وجرئ يقصر عليها الطريق، ونجحت فى تحقيق أهدافها، واحتلت مقدمة الترتيب الدولى لأفضل دول العالم فى الرياضيات والعلوم لسنوات متتالية وأصبح من الضرورى إعادة النظر في مناهج العلوم والرياضيات لتواكب تكنولوجيا العصر وتكشف عن المبدعين والمبتكرين.
بداية، يقول الدكتور رضا مسعد السعيد، أستاذ تعليم الرياضيات بكلية التربية بجامعة دمياط، إن تطوير المناهج الدراسية بمفهومها الشامل الحديث يعدّ المدخل الحقيقى لتطوير التعليم والقائمة على التميز- تميز المعلم، والتلميذ، والكتب الدراسية، وطرائق التعليم والتعلم، والامتحانات والتقييم-هى أهم المداخل المعاصرة الناجحة فى تطوير تعليم الرياضيات بمراحل التعليم قبل الجامعى، وهى مناهج ممتدة بجميع المراحل التعليمية تتميز بعمليات تعلم وتقييم نشطة وفعالة، وتسمح للتلاميذ باختيار المسار المناسب لهم، كما تقدم لهم خبرات جديدة تتحدى طاقاتهم الكامنة، وتسمح لهم بانتقال آمن من مرحلة تعليمية إلى أخرى.
ويشير إلى أن تصميم مناهج التميز فى الرياضيات يقوم على خمسة مبادئ هى التحدى العقل والاستمتاع الوجدانى، والاتساع الفكر والعمق المعرفى، والتقدم المستمر والتطور الدائم، والشخصية الفاعلة المشاركة، والاختيار الحر لمواد وأنشطة التعلم، والتلاصق، والتماسك، والملاءمة مع المناهج الدراسية الأخرى.
ولعل نظام التعليم والتعلم STEM القائم على الأنشطة الابتكارية، والفهم، والبحث والاستقصاء، والمشروعات المصغرة، والتعلم الذاتى، والمطبق فى تدريس العلوم والرياضيات، فى الكثير من دول العالم، خاصة أمريكا، والمستخدم حاليا بمدارس المتفوقين فى العلوم والتكنولوجيا بمصر، يكون بديلا مناسبا فى المستقبل القريب لتطوير تدريس الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا المعاصرة فى جميع مراحل التعليم قبل الجامعى.
ويوضح الدكتور محمود محمد عوض، أستاذ تعليم الرياضيات بكلية التربية بجامعة أسيـوط، أن التغيرات المتسارعة والمتلاحقة فى شتى المجالات العلمية، والمعرفية، والتكنولوجية، التى يشهدها العصر الحالى، فرضت نفسها على طبيعة المعرفة الرياضياتية اللازمة لمواجهة معطيات وتحديات القرن الحادى والعشرين، حيث لم يعد يقاس التفوق الرياضياتي بكم المعرفة الرياضياتية لدى الفرد، وإنما يقاس بقدرة الفرد المتعلم على توظيف تلك المعرفة فى تنشيط قدرات الدماغ، وإمكاناته الخارقة، وكذلك توظيف تلك المعرفة فى التعامل مع المفردات التكنولوجية المعاصرة التى انتشرت فى مختلف ميادين الحياة، مما يتطلب مراجعة مناهج الرياضيات لكل المراحل التعليمية وتطويرها، حتى تواكب طبيعة العقل البشرى ومتطلباته، كل ذلك لإعداد جيل مفكر مبدع متمكن من المعارف والمهارات الرياضياتية التي تمكنه من المشاركة الفعالة فى مسيرة تقدم المجتمع الإنسانى وتطوره.
وقال من هنا، ظهرت اتجاهات عالمية حديثة فى تعليم الرياضيات تنادى بضرورة إعادة النظر فى مناهج الرياضيات المدرسية، وإدخال قوائم جديدة للمهارات الرياضياتية الأساسية، ويؤكد ذلك ما دعا إليه المجلس القومى لمعلمى الرياضيات فى الولايات المتحدة الأمريكية (NCTM 2000) في وثيقة: «معايير مناهج الرياضيات المدرسية وتقويمها» من أهمية وجود معايير جديدة للنظام التربوى يتطلبها سوق العمل، وتفرض شكلاً جديداً على إعداد الفرد ليصبح مفكراً فعالاً يتعامل مع الأشياء المعقدة، ويكون باحثاً مطوراً لذاته، ويستوعب المواقف غير المألوفة فى بيئته.
ويؤكد أن الرياضيات عنصر حاكم فيما يجرى حالياً- وفيما هو متوقع مستقبلاً– من مستحدثات علمية وتكنولوجية، ولذلك فإن مناهج الرياضيات وتربوياتها لا بد أن تتجاوب مع معطيات التطور المتسارع، وتخلع عنها رداءها التقليدى، فالطلاب فى حاجة إلى رياضيات أكثر نفعاً فى مسالكهم المعيشية، وأكثر تنشيطاً لأدمغتهم، ويسهم تعلمها فى إعدادهم لمواجهة تحديات المستقبل.
ويرى أن مناهج الرياضيات الحالية بمراحل التعليم قبل الجامعى تحتاج إلى إعادة نظر في جميع عناصرها مع ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية الرائدة فى هذا المجال، مثل تجارب اليابان، وأمريكا، والسويد، وكندا، وماليزيا، وسنغافورة، والبرازيل.
وترى الدكتورة فادية ديمترى يوسف، أستاذ المناهج وطرق تدريس العلوم بكلية التربية بجامعة المنصورة، أن تطوير مناهج وطرق تدريس العلوم بالمراحل الدراسية المختلفة أمر يسير لكل من يبحث فيه. فقط عليه أن يرجع إلى رسائل الماجستير، أو الدكتوراه، أو أبحاث الترقية المتراكمة على رفوف المكتبات الجامعية، والتى تحمل الكثير من المقترحات والإبداعات، مثل تنمية التفكير بكل أشكاله وأنواعه لدى الطالب، وربط المناهج بسوق العمل، والفروق الفردية لدى الطلاب، مما يجعلها مصدراً مهما لتطوير مناهج العلوم.
وتطرح تساؤلا عن كيفية التطوير فى مدارس إما مكدسة بالتلاميذ فى التعليم الأساسى، أو خاوية منهم فى التعليم الثانوى؟ كيف أطالب بتطوير تدريس العلوم فى ظل إهمال الأنشطة الصفية واللاصفية، والتربية الرياضية والموسيقية التى تنمى الحس الجمالى لديهم، فضلاً عن تشجيع المواهب والفروق الفردية، وجميعها أساسية لتدريس العلوم والمناهج الدراسية بصفة عامة؟
وتوجه نداء إلى الرئيس السيسى، بما له من مصداقية لدى أفراد الشعب، بأن يتبنى فوراً فكرة إنشاء شركة مساهمة مصرية لتمويل إنشاء المدارس، يسهم فيها جميع طوائف الشعب المصرى، وهيئاته، ومؤسساته العامة والخاصة، يكون رأسمالها المصرح به فى حدود 100 مليار جنيه بقيمة اسمية للسهم الواحد 1000 جنيه وبدون حد أقصى لعدد الأسهم، على أن تدار هذه المدارس بأسلوب اقتصادى يتيح أرباحاً فى حدود 10% سنوياً، على أن يكون دور الحكومة تقديم الأرض، وتحمل أجور العاملين.
من جانبه، يقترح الدكتور مدحت النمر، أستاذ المناهج وطرق تدريس العلوم بكلية التربية بجامعة الإسكندرية، لتطوير مناهج العلوم فى مرحلة ما قبل التعليم الجامعى العمل على الإيمان بأن الهدف المحورى للتعليم هو تنمية التفكير العلمى، وتشكيل لجان قومية لتصميم المحتوى الدراسى لمناهج العلوم بالتعليم قبل الجامعى بحيث يكون مرجعاً ثرياً وجذاباً ومثيراً لاهتمام المُتعلم ومُحفزا لتفكيره وتساؤلاته فيما يحيط به من الظواهر الكونية، ويميز فيها كيف تُستنتج القوانين، وتتولد النظريات (وهذه كانت جوهر التوصيات التى رفعتها اللجنة القومية لتطوير مناهج العلوم والرياضيات إلى وزارة التربية والتعليم فى ورشة عمل 2-4 فبراير2016).
وطالب بضرورة أن يوفر المحتوى الدراسى الفرصة الكافية للمُتعلم للقراءة العلمية المُمتعة المُرتبطة بحياته لتحقيق الفهم العميق للأفكار والتنوع والتكامل والتوازن والجمال التى يمكن ملاحظتها فى الكون بأسره، ووجود دليل متميز للمعلم يساعده على إثراء المعرفة العلمية، وتعميق المداخل التدريسية وأساليب التقييم، فضلاً عن المراجع العلمية والمصادر الإلكترونية المتوافرة، وتفعيل مُختبر العلوم الحقيقى والافتراضى لتوفير بيئة لتنمية المعرفة، والتفكير من خلال ممارسة عمليات ومهارات البحث العلمى، وتوفير التنمية المهنية المُستدامة وعالية الجودة لمُعلمى العلوم، وجدية التمسك بحضور الطلاب، وردع الغش، ومواجهة تدخل أولياء الأمور فى فنيات العملية التعليمية.