الإعجاز المعرفي في قصة يوسف عليه السلامحقيقة الحسد من منظور علمي :
يعد موضوع الحسد من المواضيع التي دخل فيها الكثير من الناس في خطأ وفي إتباع ما يسمعوه من الآخرين بدون تفكر فيه، وهذا معاكس لوعظ حبيبنا محمد صلوات الله عليه لنا حين وعظنا بأن لا نكون إمعة والإمعة هو الذي يتبع ما يسمع بدون تفكر فيه. يبين هذا الموضوع الحقيقة بشأن الحسد عن طريق التفكر في القرآن الكريم وفي أحاديث الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وليس عن طريق إتباع أهواء و اجتهادات أناس لا يرجعوا إلى كتاب الله لمعرفة فيما إذا كان اجتهادهم صحيح أم لا.
يبين لنا الله عز وجل في كتابه حقيقة الحسد، وذلك يكمن في قصة يوسف عليه السلام حيث يقول الله عز وجل أنه في قصة يوسف عليه السلام وإخوته آيات للسائلين "لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ" (سورة يوسف – آية 7). أي أنك تسأل والله عز وجل يهديك إلى الجواب في قصة يوسف وأخوته. وإذا تفكرنا في آية رقم 4 من سورة يوسف: إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" نجد بأن يوسف عليه السلام رأى رؤية من المولى تبشر بقربه إلى الله عز وجل، أي أن الله أسبغ نعمه على عبده يوسف عليه السلام.
وحينما أخبر يوسف عليه السلام أباه يعقوب عليه السلام بأنه رأى هذه الرؤية فكان جواب يعقوب عليه السلام هو: "قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" (سورة يوسف – آية 5). ومن هذه الإجابة التي ذكرها المولى في كتابه يمكن فهم الحسد، حيث أن يعقوب عليه السلام قال لابنه أن لا يخبر أخوته عن هذه النعمة خوفا من أنهم سيحسدوه، والحسد في اللغة يعني تمني زوال النعمة.
ومن ثم يقول يعقوب عليه السلام:" فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا" أي أن إخوتك نتيجة لهذا الحسد سيسعوا بطريقة مادية لإيذائك، ونعلم أنهم قاموا بذلك عندما ألقوا يوسف في البئر. إذا يعلمنا الله عز وجل بأن الحسد هو تمني زوال النعمة والسعي بطريقة مادية لإزالة هذه النعمة، وليس مثل ما يفهم معظم الناس الحسد بأنه يتم عن طريق أشعة خفية تصدر من العين وهو الشيء الذي الإسلام منه بريء.
على سبيل المثال إذا اشترى إنسان سيارة جديدة وشخص حسده أي تمنى زوال هذه النعمة عنه فإنه سيسعى بطريقة مادية لإزالتها مثل أن يذهب في الليل لتحطيم السيارة. ومن هنا تأتي الآية الكريمة رقم 5 قي سورة الفلق (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، أي انك تطلب حماية الله من شر الحاسد المادي أي أنك تريد أن يضع الله الأسباب في طريق الحاسد لمنعه من تنفيذ الشر المادي، مثل أن يحدث الله شيء يمنع الحاسد من الوصول للسيارة.
مثال آخر، إذا أعطي إنسان منصب مدير في شركة ما فإن حاسده سيحاول أن يزيل هذا المنصب منه عن طريق قول الأكاذيب على هذا الشخص، وأنك عندما تطلب حماية المولى من ذلك "وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ" فإن الله إذا أراد فإنه سيكشف أكاذيب هذا الشخص لكي لا تؤذي هذه الأكاذيب الإنسان المحسود.
ويربط يعقوب عليه السلام الحسد وأثره المادي بالشيطان "إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"، ويمكن فهم ذلك عن طريق معرفة بأن قرين الإنسان (شيطانه) يوسوس له بصوت مطابق للصوت الذي يفكر به الإنسان في عقله ويسمعه أفكار في عقله مثل وسوسة قرناء أخوة يوسف لهم بأفكار يسمعوها في عقلهم تقول لهم بأن يوسف لا يستحق النعمة التي أسبغها الله عليه وأنه إذا تخلصتم منه فسيخل لكم وجه أبيكم. وهذا الأمر هو مثل عندما يأتي للإنسان الحاسد أفكار من قرينه في عقله تقول له بأن يؤذي إنسان آخر ليأخذ نعمة أسبغها الله عليه منه.
هناك حديث للحبيب محمد أساء الكثير من الناس فهمه وهو الحديث الوارد في مسند الأمام أحمد حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العين حق، ويحضر بها الشيطان، وحسد ابن آدم". حيث أنه يمكن الآن فهم هذا الحديث الشريف بأن العين حق أي أن العين هي بداية الحسد لأنها ترى النعمة التي أسبغها الله على شخص ما وليس أنها مصدر أشعة وهمية تضر الآخرين. ويقول الحبيب بأن الشيطان يحضر بها أي أن قرين الإنسان (شيطانه) يوسوس له بصوت يسمعه الإنسان في عقله بعد أن يرى هذه النعمة وكأنه يحدث نفسه بأفكار تقول له على سبيل المثال بأن هذا الشخص لا يستحق النعمة التي أحلت به وانك أفضل منه فلماذا لا تذهب وتزيل هذه النعمة، ويقول الحبيب بأن العين يحضرها حسد ابن آدم أي رغبته في إزالة النعمة عن الإنسان الذي يحسده.
يبين المولى عز وجل خطورة الفهم الخاطئ للحسد والإيمان بأن شيئا مخلوقا له القدرة على أن ينفعك و يضرك مثل حجر أزرق أو الدق على الخشب في آية رقم 106 من سورة يوسف "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ"، حيث أنه إذا تفكر الإنسان في هذه الآية الكريمة فإنه يأتي إلى السؤال التالي: كيف لإنسان أن يكون مؤمنا بالله و في ذات الوقت مشركا به؟
يكمن الجواب في الذي بينته في هذه المقالة بحيث أنه يمكن لإنسان أن يكون مؤمنا بالله و لكنه أيضا يؤمن بأن مخلوق سواء بشر أو حجر يستطيع أن يضره وينفعه فإنه بذلك يكون مشركا بالله عز و جل لأن الشرك هو إعطاء من قدرة الخالق لمخلوق لأن الوحيد القادر على نفعك و أن يصيبك ببلاء هو الله عز وجل. فنلاحظ خطورة الفهم الخاطئ للحسد والذي ينتج عنه عصيان للمولى، وضيق نفسي،خوف دائم، وعدم القدرة على التركيز في العمل وفي الحياة بشكل عام.
منقول