إذا كانت البيئة أو بالأحرى الأرض التي هي أحد مكوناتها, هي التي يحصل الإنسان منها على كل مقومات عيشه, فإن حمايتها تعد السبيل الأقوم للحفاظ على حياته. لذلك, فإن الخطوة الأولى في هذا السياق, تمثلت في دعوة الإسلام إلى عدم الإسراف, ومن ثم استنزاف الموارد الطبيعية و تبديدها: ( كلوا و اشربوا من رزق الله و لا تعثوا في الأرض مفسدين) "البقرة:60", ثم نهى عن الفساد في الأرض: (لا تعثوا في الأرض مفسدين)"الأعراف:74".
وكذلك الحفاظ على بقية العناصر الطبيعية من ماء و هواء, اللذين أولاهما الإسلام عناية كبرى. و مرد ذلك كونهما عنصرين أساسيين يتوقف عليهما وجود الإنسان و النبات و الحيوان و استمرار حياتهم: ( وجعلنا من الماء كل شيئ حي ) "الأنبياء:30".
و بالتوازي مع هذه الدعوة بترشيد استعمال الموارد الطبيعية, و النهي عن عموم الفساد في الأرض لمختلف عناصر البيئة, فإنه وعد المفسدين فيها بالخسران, و توعدهم بسوء القرار: ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار ) "الرعد:25".
و إلى جانب القرآن الكريم فإن الرسول (ص) حث بدوره على حماية البيئة و مكوناتها. و ليس أدل على ذلك من وصاياه التي أوصى بها جيشه في غزوة مؤتة و هو يتأهب للرحيل: « لا تقتلن امرأة و لا صغيرا رضيعا, و لا كبيرا فانيا, و لا تحرقن نخلا, و لا تقلعن شجرا, و لا تهدموا بيوتا ». هذا في الحرب, و من أولى و أحرى في السلم, حيث تزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على أديم الأرض و من ثم الحد من أثر بعض الظواهر الطبيعية مثل الإنجراف و التصحر و الجفاف... وفي هذا الإيطار يقول الرسول (ص): « ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان له صدقة ». و انسجاما مع هذا التوجه, فقد سار الصحابة على نفس الدرب و على رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال في هذا السياق: « لا تعقروا نخلا و لا تحرقوه, و لا تقطعوا شجرة مثمرة, و لا تذبحوا شاة و لا بعيرا إلا لمأكلة».
و عموما, فإن القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة تزخران بدعاوي الحفاظ على البيئة و مكوناتها الحية وغير الحية, انطلاقا من الإنسان و الحيوان و النبات, و صولا إلى الماء و الهواء و الأرض, التي تهدف إلى تعزيز مفهوم علاقة الإنسان بالبيئة التي تقوم على الوفاق و التكامل بدل الصراع و التنافر , الذي يدفع بدوره نحو التمديد في استخدام مختلف الموارد الطبيعية عبر الزمان و المكان, ومن ثم حماية حقوق الأجيال المقبلة في التمتع بتلك الخيرات. و هنا يبرز مفهوم التنمية المستدامة الذي تتعالى الأصوات حاليا منادية به كحل للحفاظ على ما تبقى من موارد كوكب الأرض و ترشيد استعمالها.