مدارس علم النفس - التخلف العقلي في ضوء النظريات
أولا : نظرية " الجشطالت " والتخلف العقلي:
من المعروف في علم نفس الجشطالت أن إدراك الكل يعتمد علي إدراك الأجزاء وترابطها , زمن إدراك الأجزاء والعلاقة بينما يأتي الإدراك الكلي بالشئ من حيث تحديد طبيعته وتكوينه0
تطبيق نظرية الجشطالت في مشاكل التخلف العقلي:-
هناك اتجاهان في تطبيق نظرية الجشطالت في تفسير التخلف العقلي:
الاتجاه الأول: ويرتر وشتراوس:-
هل يحدث قصور في وظائف الكائن الحي الادراكية إذا ما أصيب باضطراب ذي دلالة ؟ حاول ويرنر وشتراوس وزملائهما أن يجيبوا علي هذا بسلسة من الأبحاث علي المتخلفين عقليا من الفئات العليا. وكان التخلف في بعض الأحيان من النوع الناشئ عن أسباب خارجية والبعض الأخر من النوع الناشئ عن أسباب داخلية واستخدام الباحثون مجاميع ضابطة من الأسوياء المساوين لهم في العمر العقلي.
وقد أتضح من هذه الأبحاث أن المتخلفين عقليا " بسب خارجي " كانوا باستمرار أكثر عرضة لتأثير إدراكهم بالتغيرات التي أدخلت علي الأرضية وكذلك بدرجة التناقض بين الشكل والأرضية أكثر من زملائهم المتخلفين عقليا لأسباب داخلية وظهر هذا في إدراكهم للأشكال أو رسمها بعد رؤيتها وهذه الفئة الأخيرة كان أداؤها مساويا للأطفال الأسوياء وعلي أي حال اختفت الفروق بين المجاميع بتعديل الظروف التجريبية علما بأن هذه التجارب قد أجريت علي الإدراك البصري والسمعي , والحسي وكذلك التذكر وتعريف المفهومات 0
ويمكن تلخيص نتائج هذه البحوث في أن تنظيم " الشكل والأرضية " هو أحد العوامل الهامة التي تتأثر بدرجة واضحة عند إدخال عدد من العوامل التجريبية 0
وبالرغم من هذه الأبحاث كانت تعتبر علي درجة كبيرة من الوضوح في إجرائها إلا أنها قوبلت ببعض الاعتراضات علي كيفية اختيار العينات وتقسيمها فضلا عن أنه قلما يتفق الباحثون علي كيفية التعرف علي الأقل أبحاثا كلاسيكية تمثل غزوا في ميدان التخلف العقلي والتعرف علي خصائص هذه الفئات ومازالت تحتاج إلي كثير من التأكيد والاستقصاء, و لكن هذا لا يقلل من أهميتها العلمية والتجريبية 0
الاتجاه الثاني لوين ( 1935 ) وكونين ( 1941 ):-
ينبع هذا الاتجاه أساسا في التخلف العقلي من مجموعة من الأبحاث علي المتخلفين عقليا بإتباع طرق مختلفة تماما عن الاتجاه السابق ، بناء علي نظرية المجال التوبولوجية التي قدمها لوين ( 1935 ) وفي علاقة هذه النظرية بالتخلف العقلي جاءت الدلائل التجريبية علي هذه النظرية من مجموعة من ثلاث تجارب التجربة الأولي في التشبع الادراكي أو تشبع السلوك أما في التجربتين الثانية والثالثة فقد أجريتا علي صغار من المتخلفين عقليا وقدرتهم علي الاستمرار في تكملة عمل يكلفون به.
ففي التجربة الأولي:
وجد لوين أن المتخلفين عقليا من الفئة العمر 10 – 11 سنة كانوا يميلون إلي رسم دوائر وخطوط دائرية ( شخبطة ) لمدة أطول من الأطفال الأسوياء في نفس فئة العمر. ولكن لم يكن هناك فرق بين المجموعتين في فئة السن 9 – 10 سنوات.
وعندما لوحظت المجموعات من الفئة السن 8 – 9 سنوات وجد أن الأطفال الأسوياء يستمرون أكثر من نفس السن في رسموهم , ولاحظ لوين أن مجموعة المتخلفين إما أن يندمجوا في مثل هذا العمل أو يتركوه تماما , بينما لوحظت المرونة أكثر في فئة الأسوياء فهم اقل تحديدا في الاندماج من عدم الاندماج وقد فسر لوين هذه النتائج بأن مجموعة المتخلفين ( 10 – 11 ) تشبه مجموعة الأسوياء بوجه عام من فئة السن ( 8-9 ).
وأما التجربتان الثانية والثالثة:-
فقد وجد كوك أن مجموعة المتخلفين عقليا من سن 8 – 9 يعودون مرارا للأعمال غير المتكاملة من أدائهم أكثر مما يفعل الأسوياء من فئة العمر 7 – 8 سنوات حتى بعد إدخال نشاط بديل مهما كان مشابها أو مختلفا عن العمل السابق.
ويوضح كوين ( 1941 ) مظهر " الجمود " عند المتخلفين عقليا في إطار نظرية لوين بأن افتراض أن جمود حدود المناطق النفسية يتوقف علي العمر الزمني كما يتوقف علي درجة التخلف العقلي و اقتراح نوعين من الجمود أحدهما أسماه الجمود الأولي وهذا النوع من الجمود ينشأ عن تلف يحدث للطبقة تحت القشرية في المخ وفي قاعة والنوع الأخر من الجمود هو الذي يطلق عليه الجمود الثانوي وهو الذي ينتج عن إصابة أو تلف في القشرة المخية أو التكوين الخطأ فيه.
ويظهر الجمود الأولي في جمود النظم أو جمود الموقف أما الجمود الثانوي فيظهر كقصور في " الاتجاه إلي التجريد " وهو الذي يؤدي بالفرد إلي موقف تشتيت الانتباه أو سلوك المداومة والذي شبهه جو لد شتين برد فعل كالتستر الذي يوصف الفرد نتيجة له بأنه علي درجة كبيرة من الجمود .
وعلي كل حال فإن خلاصة هذين الاتجاهين هي أننا يجب أن نأخذ الفروق الوراثية أو التكوينية في الاعتبار وعندما توجه فروق في الأداء مع تساوي الأعمار العقلية للعينات فإننا لنستطيع أن نعزوها إلي الدافعية باستمرار 0
ثانيا: نظرية ( هيب ) الفسيولوجية النيورولوجية والتخلف العقلي:
تعتبر نظرية هيب احدي النظريات الجزئية التي تفسر الذكاء والسلوك وتقوم النظرية علي أساس مصطلحات ومفاهيم تعتمد علي تفسير طبيعة تكوين المخ والجهاز العصبي بوجه عام وهذه النظرية بعكس نظرية الجشطالت تري أن العمليات الادراكية غير وراثية بل أن الفرد يتعلمها ويكتسبها خلال حياته 0
ومنها يكون للسلوك مستويان: مستوي السلوك الانعكاسي أو الحسي وهو يصدر عن الاتصال المباشر والتحكم للمساحة الحسية ( ح ) والسلوك الثاني هو السلوك العقلي كالانتباه والإدراك والتفكير وهو يصدر عن المساحة الترابطية ( ت) وهو لا تحدث نتيجة استثارة خارجية مباشرة خارجية مباشرة بقدر ما تحدث كعملية تلقائية داخلية وهذا النوع من السلوك الراقي أو العالي يتضمن عند حدوثه عمليات متوسطة بيئية كالأفكار والتصور0
ويري هيب أن التعلم بهذه الصورة هو نوع من السلوك الراقي يتضمن دوائر اتصال منشطة تمر خلال القشرة السحائية ودوائر اتصال منشطة أخري قائمة علي أساس الانعكاسات المباشرة المختلفة 0
والعمليات العصبية نوعان:
الواردة( الداخلة) وتحدث عن طريق جهاز الاستقبال والعمليات الصادرة ( الخارجة ) وهي إما أن تكون نوعية صادرة عن عضلة من العضلات أو عن غدة من الغدد 0000 , إما أن تكون غير نوعية أو عامة كما في حالة الانفعال 0
والتوصيل العصبي خلال هذه العمليات ينتقل بطريقيتن:
الطريقة المتوازية وهي التي تمر فيها التوصيل من المثير إلي نيورون محدد , أو مجموعة من النيترونات والطريقة الثانية هي التوصيل بالانتشار وهو الذي يتجه فيه التوصيل أو الإثارة إلي عدة اتجاهات ويميز هيب بين الاستثارة وتسهيل التوصيل فهو يري أن الاستثارة من الخارج إلي الجهاز العصبي المركزي , أما تسهيل التوصيل فإنه يتم باستثارة نيورون إلي نيورون أخر يليه في طريق التوصيل وهنا يضيف هيب فكرة " الكف " فهو يري أن هناك نيورنات خاصة تقوم بمثل هذه الوظيفة في الجهاز العصبي 0
وبالرغم من أن نظرية فسيولوجية في طبيعتها إلا أنها حاولت أن تفسر بعض المفاهيم المرتبطة بالذكاء والعمليات الحسية والانفعالات الاخري فالذكاء عند هيب يعتمد علي كل من الوراثة والبيئة ويتطلب وجوده إنشاء " مجموعة نظم " من الخلايا العصبية وكذلك لا بد من تسهيلات للاتصال بين هذه المجموعات من الخلايا 0
وتأخذ نظرية هيب في الاعتبار دور كل من الانتباه , والألفة والحداثة ( الجدة ) في الإدراك والتعليم. ونظرية هيب تؤكد أهمية الخبرات الادراكية أثناء الطفولة المبكرة في تكوين وتقوية ما يراه هيب بأنه ( تجمعات خلوية ) ترتكز عليها أي عملية تعلم في المستقبل ولذلك فإن إثراء حياة الطفولة وبيئته وزيادة المنبهات بها يمكن أن تؤدي إلي تعلم أفضل خلال استخدامها للأشياء التي يراها ويسمعها 00000 الخ , كذلك فإن التعليم المبكر يكون منطقيا ومن اقوي الأسس المنطقية لعلاج التخلف العقلي 0
ويتطلب التدريس للمتخلفين عقليا ( في ضوء نظرية هيب ) تتناول الموقف التعليمي والتركيز علي انتباه المعاق إلي المادة المقصود تعليمها خلال عدة طرق منها:
إبعاد المثيرات غير المنتمية للموقف التعليمي , تجريب طرق حديثة ومواقف جديدة لزيادة الانتباه لدرجة معقولة لا يتشتت مع انتباه الطفل حيث أن تقديم مواد متعددة وكثيرة في نفس الوقت يتشتت معها تفكير الطفل. وعلي النقيض من ذلك فإن تقديم مواد مألوفة جدا للطفل يثير الملل فيهم. ويجب أن تقدم المادة في صورة حية ملموسة بحيث تنتقل من البسيط إلي المعقد , كما يجب استخدام أكثر من قناة حسية واحدة فإن ذلك يكون أفضل فإذا اتيح للطفل أن يري الشئ ويسمعه ويلمسه 000 الخ , كان أفضل مما لو رأي صورته فقط0
وكذلك فإن التدريب والممارسة لازمين , لان هذا يقوي تنظيم التكوينات التي قال بها هيب في نظريته 0
ثالثا: نظرية " أليس " في مسرب المثير وعلاقتها بالتخلف العقلي:
يري نورمان أليس ( 1963 ) أن القصور في تعليم المتخلفين عقليا يمكن تقييمه في ضوء مفهوم مسار المثير ( أو مسرب المثير أو ما يحدثه المثير من أثر ) كميكانزم يمكن في ضوئه تفسير الفروق الفردية في التذكير المباشر بين السوي والمتخلف عقليا 0
فالفروق بين الأسوياء والمتخلفين عقليا يمكن تفسيرها علي أساس أنها فروق في التذكير المباشر , وفي تكامل الجهاز العصبي , فالقصور في التعليم عند الكائنات الدنيا أو المتخلفين عقليا يمكن إرجاعه إلي فقدان صفة الاستمرار بين الحوادث في الموقف التعليمي كنتيجة " قصور " في بقاء مسرب المثير الناتج عن إصابات الدماغ المحتملة أو الأمراض وعدم تكامل الجهاز العصب0
فمن المعروف أن كثير من الاستجابات في مواقف التعلم المختلفة يعتمد بصورة أساسية علي التذكير المباشر والتعامل المباشر مع الموقف 0
وتعتمد نظرية أليس في مسار أثر المثير علي المفهومين: المفهوم الأول هو مسرب المثير ويمكن تعريف مسرب المثير في ضوء مثير يحدث أولا , ثم حدث سلوكي ينتج عنه في النهاية 0
والمفهوم الثاني هو أن تكامل الجهاز العصبي تعريفه بنسبة الذكاء أو أي معامل أخر مناسب لتوضيح الفروق الفردية في هذا المجال , وبالرغم من أن النظرية لا تختص بدراسة التذكير غير المباشر إلا أن الأبحاث المختلفة في التذكير لدي المتخلفين عقليا قد ألقت الضوء علي التذكير غير المباشر " طويل الأمد " وسوف ري أن الأسوياء والمتخلفين عقليا يتساويان في هذا المجال , ومن ثم فإن التركيز علي التذكير المباشر والتعامل مع الموقف التعليمي يلقي كل الاهتمام من هذه النظرية .
وقد استفاد غليس في أدلته من كثير من البحوث النفسية مع الأسوياء والمتخلفين عقليا في مجالات التعليم اللفظي , والاستجابة المرجأة وزمن الرجع والتعلم الشرطي 0
رابعا: نظرية " بياجية " في النمو العقلي وعلاقتها بالتخلف العقلي:-
يري العلامة بياجية أن الذكاء هو القدرة علي التكيف للبيئة وأن تطور ونمو هذه القدرة يمر خلال سلسلة من مراحل النضج وتعتبر نظريته في نمو الذكاء من نماذج النظريات الفريدة في نوعها لأنها مفهوما متكاملا للذكاء في توعيته وتطوره.
فنظرية بياجية التطورية في النمو العقلي تعتبر الذكاء في مراحل نموه يختلف من مرحلة إلي مرحلة أخري ولذلك فإن العمليات العقلية في كل مرحلة تكون مختلفة وتتناسب مع قدرة الفرد علي التكيف في هذه المرحلة فالذكاء عند بياجية هو القدرة علي التكيف وهو يمثل نقطة التوازن بين أثر أفعال الكائن الحي علي البيئة واثر أفعال البيئة علي الكائن الحي فالبيئة تجبر الكائن الحي علي أن يتكيف لواقع الأمور وبالتالي فإن الكائن الحي يغير دائما من البيئة بأن يفرد عليها تكوينات جديدة نابعة منه.
ومن ثم جاءت تعبيرات بياجية في الاستيعاب والتكيف أو الاستراحة ولا بد من وجود توازن في التفاعل بين الكائن الحي والبيئة وعندما تسود احدي العمليتين علي الأخر فإن الكائن الحي يكون غير متكيف.
وتفترض نظرية بياجية ثلاثة مراحل أساسية من النمو العقلي:
أ- المرحلة الحسية الحركية من الميلاد إلي السن الثانية من العمر
( وتتكون من ستة مراحل فرعية ) 0
ب- المرحلة الثانية حسب نظرية بياجية هي مرحلة الذكاء المتصل بالمفاهيم والمدركات الكلية وتمتد من العام الثاني إلي سن 11 سنه والمرحلة الثنية تنقسم بدورها إلي مراحل تطورية فرعية هي:
1- مرحلة ما قبل المفاهيم من 2 – 4 سنوات 0
2- مرحلة الحدث من سن 4 – 7 سنوات 0
3- مرحلة العمليات المحسوسة من سن 7 – 11 سنه .
ج – المرحلة الثالثة وهي مرحلة التفكير الناضج القائم علي استخدام المفاهيم أو المدركات الكلية وهذه المرحلة تبدأ من سن 11 سنه تقريبا .
ويمكننا النظر غلي مشكلة التخلف العقلي من خلال مفاهيم نظرية بياجية فالذكاء تطوري ويتصف بخصائص معينة في كل مرحلة من مراحل نموه وهذه النظرية يمكن أن تثري مفاهيمنا عن التخلف العقلي, ويمكننا النظر إلي قدرات ومعوقات المتخلفين عقليا حتى في أدني مستوياتهم نظرة واقعية في ضوء ما يستطيعون التفكير فيه في ذلك العمر كما أن توقعاتنا عما يستطيعون عمله تكون محدودة بأنواع التفكير المناسب, وانتقال المتخلف عقليا من مرحلة إلي مرحلة يصاحب بظهور عمليات عقلية مختلفة عن المرحلة السابقة التي تركها والتي يمكن لنا أن نتبعها إذا وجدنا الاختبارات التي تقيس الذكاء حسب مفهومات التطور العقلي في هذه النظرية 0
ويري بياجية أن النمو العقلي يتميز باختفاء نظم استجابات معينة أولية للتفكير ليحل محلها نسق ونظم من مستويات اعلي تعقيدا وهو يري أن التخلف العقلي هو العجز عن التقدم من المستويات الأولية إلي مستويات عقلية اعلي أكثر تنظيما.
ومن أهم التطبيقات التي ظهرت نتيجة لنظرية بياجية هي المحاولات التي ترمي إلي إنشاء اختبار تطوري الذكاء يتناسب مع إطار النظرية وقد قامت مثل هذه المحاولات في كندا وسويسرا منذ الخمسينات حيث تكون الأهمية القصوي لنوع استجابة الطفل وليس لزمن استجابته مثلا. كما تمت محاولة إنشاء مقياس مدي صدق مفاهيم بياجية النظرية 0
وللنظرية أهميتها في تعليم المتخلفين عقليا وفي اختيارهم وتقسيمهم وفي بناء مناهجهم وطرق التدريس لهم فاختبار الذكاء الذي يتخذ منه بياجية مفهوما نظريا له أهمية قصوي في اختبار المتخلفين وتقسمهم في المستويات العقلية المختلفة , وكذلك في تحويلهم إلي الخدمات الأكاديمية العلاجية المتخصصة بمثل هذه الاختبارات يمكن الكشف عن مدي استعداد الطفل لأداء عمل ما , أو لتعلمه مادة أو خبرة معينة0
وبالنسبة للمناهج فإن التنظيم الداخلي للمنهج ومحتوياته في المستويات المختلفة يجب ان يتبع تنظيم العلميات العقلية في هذه المستويات وهذا الأمر الذي توصلت إليه نظرية بياجية علي جانب كبير من الأهمية.
وبالنسبة لطرق التدريس , فإن بياجية يؤكد أهمية التعليم الحسي , والتعليم عن طريق العمل , تنظيم العمل بالانتقال من خطوة إلي الخطوة التي تليها أو من مرحلة إلي مرحلة أخري أكثر تعقيدا0
ولا شك أن هذه النظرية تقدم لنا مفهومات قابلة للتطبيق والاستسقاء في ميدان التخلف العقلي 0
خامسا : نظرية " روتر " في التعليم الاجتماعي وعلاقتها بالتخلف العقلي:-
تذهب النظرية إلي أن احتمال حدوث سلوك معين من فرد ما لا تحدده الأهداف والحوافز ( التعزيز ) فحسب بل يتأثر أيضا بواقع الفرد الحصول علي الأهداف 0
وهذه المسلمة تمثل القاعدة التي ترتكز عليها مفاهيم النظرية مثل التوقع وقيمة التعزيز أو الحافز واحتمال حدوث السلوك أو القوة الكامنة للسلوك والموقف0
ويري هيبر ( 1957 ) أن المتخلف عقليا يفشل في التوصل إلي أهدافه بسبب قدرته العقلية المحددة إذا ما قورن بأقرانه من الأسوياء أو المتفوقين , فهو يقابل كثيرا من مواقف الفشل وقليلا من مواقف الفشل وقليلا من مواقف النجاح. ولذلك , فإن المتخلف عقليا لابد أن ( يتأصل ) لديه توقيع معمم ضئيل جدا لتحقيق الهدف. وأن هذا قد يكون السبب في قصور أداء المتخلف عقليا , فهو لسوء الحظ صاحب نسبة ذكاء منخفضة وتوقع معمم ضعيف للنجاح أو التوصل للهدف.
وقد ارجع هيبر القصور في أداء المتخلف عقليا إلي توقع الفشل وانخفاض مستوي التوقع المعمم لديهم .
وفي هذه الدراسات الأولية يمكننا نصوغ عدة ملاحظات بخصوص البحوث مع المتخلفين عقليا في هذا الميدان:-
1- أن المتخلفين عقليا لديهم قصور في القدرة علي إدراك الواقع في الخطأ أو عمل الصواب 0
2- إن الاستجابة اللفظية من جانب المتخلفين عقليا في مثل هذه المواقف تقتضي دراسة واستقصاء 0
3- يستحسن إجراء مثل هذه التجارب علي المتخلفين عقليا بإستخدام السلوك الحركي بدلا من السلوك اللفظي 0
4- يميل المتخلف عقليا إلي استخدام لغته ( لتحقيق الرغبة أكثر مما يستخدمها للتعبير عن الحقيقة)0
ومن هذه الأبحاث يتضح أن نظرية التعليم الاجتماعي يمكن أن تفيدنا في دراسة المتخلف عقليا ببعض التطبيقات:
1- يستجيب الأطفال الصغار في ضوء الحوافز المباشرة الفورية وتحصيل الهدف مباشرة. فيجب أن يكون التدعيم فورا ومباشرا أيضا 0
2- يمكن أن يستفيد الطفل الأكبر سنا بالتدريج من التعرض للخبرات والمواقف في الفصل فيحل الفشل وأسبابه ( بمعاونة المدرس ) بدلا من التألم للفشل ونتائجه أو محاولة تجنب المواقف الجديدة0
3- يجب ألا يكون معيار النجاح في الفصل الدراسي العمل الناجح نفسه, بل الوصل بالطفل إلي المستوي الذهني لتفهم معني النجاح وكيفية الاستفادة من الفشل وان يساعده علي الوصل إلي النجاح , علي أن يؤخذ في الاعتبار مستوي النضج العقلي للطفل0
ملخص المسلمات في نظرية التعلم الاجتماعي وعلاقتها بالتخلف العقلي:-
1- إن النظام الأولي للدافعية عن الكائن البشري يكون بحيث يتجنب الحوادث المؤلمة ويقترب من الحوادث السارة ويسمي هذا النظام بالنظام الهيدروني القائم علي اللذة 0
2- إن تكرار الارتباط بين نواتج الاتجاه نحو الهدف – والبعد عن التهديد أو الألم يحدث بطريقة يخرج عنها نظام متأخر للدافعية علي مستوي عقلي يصلح للحكم علي مدي كفاءة سلوك الفرد , وهو ما يسمي بالاقتراب من النجاح والابتعاد عن الفشل. ( العمر عامل هام في هذه العلاقات وظهرت قيمته في بحوث بيلر ) 0
3- إن قيمة النظام المبكر ( دون التقيد بمستوي النضج ) تحدد الحساسية النسبية للفرد للإشارة ذات القيمة أو السالبة المرتبطة بالنجاح أو الفشل ( ودرجة كفاءة السلوك ) 0
4- إن الميل إلي الاقتراب للهدف يزايد كلما كان الفرد قريبا منه 0
5- إن الميل إلى تجنب التهديد أو الألم يزداد كلما كان الفرد قريبا منه 0
6- إن الميل إلى تجنب هدف يهدد الفرد (بتغير المسافة بين الفرد والهدف ) يتغير أسرع من الميل للاقتراب من هدف إيجابي 0
7- تؤثر قيمه دافعيه الاقتراب والابتعاد في قيمه الميل إلى الاقتراب أو الابتعاد على التوالي ولكنها لا تؤثر في درجة الميل كدالة للمسافة بين الفرد والهدف 0
8- (أ) في الكبار: يكون انخفاض قدرة الاقتراب أسرع عندما يكون الهدف قد تم تحقيقه أكثر مما كان السلوك قد اعترض قبل التوصل للهدف 0
(ب) يصبح الاختلاف أكثر (المعدل النسبي للانخفاض ) بين السلوك المعاق والسلوك المستكمل كلما زاد عمر الفرد 0
9- (إلى الحد الذي يرتبط معه التحكم مع العمر العقلي ) يمكن اعتباره مقياسا لذلك الجزء من قدره النظام المتأخر من الدوافع والذي يقوم على أساس:
(أ) الميل للاقتراب نحو الأشياء التي يتصورها الفرد مؤديه للنجاح 0
(ب) الميل لتجنب الأشياء التي يتصورها الفرد مؤدية للفشل 0
10- وللحد الذي يعتمد فيه مفهوم التحكم L C علي العمر العقلي ) فإننا يمكن اعتباره مقياسا لذلك الجزء من قدرة النظام المتأخر من الدوافع والذي يقوم علي أساس:
أ – الميل للاقتراب غلي الأشياء التي ارتبطت سابقا بالنجاح 0
ب- الميل إلي تجنب الأشياء التي ارتبطت سابقا بالفشل 0
سادسا: نظرية التحليل النفسي والتخلف العقلي:
تستطيع نظرية التحليل النفسي تفسير بعض الظواهر المتصلة بالتخلف العقلي وخصوصا ما ترتبط منها بنظام الشخصية. وبالرغم من قلة عدد كتاب علم النفس الذين حاولوا سحب النظرية إلي مجالات التخلف العقلي لان هذه النظرية قد استأثرت بأسس العلاج النفسي والصحة النفسية. وهي نفسها التي يمكن استخدامها مع المتخلفين عقليا , فكيف السبيل إلي فهم التخلف العقلي في ضوء مدرسة التحليل النفسي 0
ويري روبنسون وروبنسون ( 1965 ) الإطار التالي لهذا التفسير:
من المعروف أن المتخلف عقليا ينمو ببطء وبمعدل أقل في النواحي الجسمية والعقلية العليا ويتبع هذا طاقة جسمية أقل وطاقة عقلية أقل وهي المتوفرة للعمليات العقلية العليا اللازمة التعامل مع مواقف الحياة اليومية وفي تفاعله مع المجتمع وبذلك فأنه يمكن تقبل الفكرة القائلة بأن المتخلف عقليا يميل لان يكون له طاقة كلية لبيدية أقل مما في الطفل العادي 0
مكونات الشخصية:
وبالنسبة إلي التكوين فإن المتخلف عقليا يتأخر لديه تكوين الذات والدات العليا أو أنهما قد يفشلان في التكوين والنمو فتكوين الذات يعتمد علي تبين الحقائق والقدرة علي الفهم والتوقع وتعديل الخبرة والتعميم والتمييز واستخدام الألفاظ فكل هذه العوامل وقصورها في المتخلف عقليا يجعل من نمو ذاته عمليه صعبة وبطيئة ولذلك فإن المتخلف عقليا يكون غير قادر لدرجة كبيرة علي التعامل مع الموقف التي يحتاج فيها إلي للسيطرة علي " الهو " أو
(الذات العليا ) في مواجهة مواقف الحياة العادية ومثل هذه الذات القاصرة غالبا ما يغلب عليها التصرفات الطفليه أو الحيل اللاشعورية البدائية في أنماط سلوكية تنهج طاقة الفرد دون السيطرة الواقعية مما يسبب تصدع بناء الشخصية ككل فالطفل المتخلف لا يستطيع أن ينتقد أعماله لفقد انه البصيرة في تقيم الذات التي تحفظ التوازن مع بقية مكونات الشخصية. كذلك فإن ( الذات الأعلى ) غير ناضجة التكوين: فتتصف بالعنف وعدم الخضوع , والخشونة. فالممنوعات التي يحددها الوالدان تطاع كلية وتقبل تماما , وهذه المرحلة واقل ثباتا عند المتخلفين عقليا , فالفشل في المدرسة لا يمكن أن تسامحه الذات العليا التي لا يستطيع التقييم الواقعي لقدرات الذات العاملة معه في نفس التكوين , وهذا يضع ثقلا أخر فوق الذات القاصر فهو يعمل بين رغبات قوية للهو , وذات أعلي لا يعرف المسامحة , ونقص في إدراك عالم الواقع 0
عملية النمو:-
يمر الطفل المتخلف عقليا بنفس المراحل التي يمر بها الطفل السوي حسب مراحل النمو في نظرية فرويد , ولكن الطفل المتخلف يحتاج إلي فترة أطول زمنيا للتخلص من عادات المرحلة حتى ينتقل إلي المرحلة التالية في النمو0
ففي المرحلة الفمية قد يحتاج الطفل المتخلف للرضاعة فترة أطول من الطفل العادي , ويتأخر التحكم في الأخراج , وتعلم آداب المائدة أو اللبس بدون مساعدة. أن أي تأخير من جانب الأم علي تدريب الطفل علي أحد هذه الأعمال يمكن أن يتسبب عنه تثبيت لمستوي من هذه المستويات في النمو 0