قال مستر جونز:
- من أنت؟ وماذا تفعلين فوق شجرتي؟
- أنا محبوسة وسطها؟ ألا ترى ذلك، ساعدني على الخروج منها وإلا ستستمر العاصفة طوال الليل، أنا ريح الشمال، مهمتي أن أنفخ العواصف وادفعها بعيدا.
وساعد مستر جونز المرأة على الخروج من الأغصان المتشابكة، وكانت يدا ريح الشمال باردتين كأنما الثلج، قالت:
- شكرا لك، لقد تمزقت عباءتي، ولكن لا تشغل بالك، لقد أنقذتني وعلي أن أعطيك شيئا في المقابل.
قال مستر جونز :
- أنا لا أحتاج إلى شيء، زوجتي ولدت للتو طفلة جميلة ، ونحن أسعد زوجين في العالم.
قالت ريح الشمال:
- سوف أكون الأم الروحية لهذه الطفلة، وهديتي بمناسبة مولدها هي ذلك العقد من قطرات المطر.
ومن تحت عباءتها أخرجت المرأة سلسلة فضية، معلق فيها ثلاث حبات لامعة ومتألقة من المطر، قالت:
- يجب أن تضع هذا العقد حول عنقها، لن تبللها قطرات المطر، ولن تتساقط، وكل عام في عيد ميلادها سوف أحضر لها قطرة جديدة من المطر، عندما يكون عندها أربع قطرات ستبقى جافة على الدوام حتى ولو كانت تسير وسط عاصفة من الأمطار، وعندما يكون لديها خمس قطرات، لن يخيفها الرعد أو البرق، وعندما يكون لديها ست قطرات فلن تستطيع أقوى العواصف أن تؤثر فيها أو تدفعها، وعندما يصبح لديها سبع قطرات سيكون في مقدورها السباحة في أعمق الأنهار، وعندما يكون لديها ثماني قطرات سيكون في وسعها أن تسبح في أوسع البحار، وعندما يكون لديها تسع قطرات يمكنها أن تجعل المطر يتوقف عندما تصفق بيديها، وعندما يكون لديها عشر قطرات سيكون في مقدورها أن تجعل المطر ينهمر حين تنفخ فقط من أنفها.
قال مستر جونز:
- توقفي.. توقفي.. في هذا الكفاية لفتاة صغيرة.
قالت ريح الشمال:
- كنت على وشك التوقف على أي حال، ولكن عليك أن تنتبه، لا تدعها تخلع العقد من حول عنقها، وإلا سيجلب لها هذا سوء الحظ، يجب أن أذهب الآن حتى أدفع العاصفة بعيدا، سأعود في عيد ميلادها القادم ومعي قطرة المطر الرابعة.
وحلقت المرأة مبتعدة في السماء وهي تدفع السحب أمامها، وظهر القمر، وعادت النجوم تتألق من جديد.
دخل مستر جونز إلى المنزل ووضع العقد حول عنق الطفلة، الذي كان اسمها «لورا».
وسرعان ما مر العام، وعندما عادت ريح الشمال للبيت الموجود بجانب البحر كانت الطفلة «لورا» تحبو على الأرض، وتلعب مع القطرات الثلاث اللامعة، ولكنها لم تخلع العقد أبدا.
وعندما أعطتها «ريح الشمال» القطرة الرابعة لم تعد «لورا» تعاني من البلل، حتى ولو كان المطر غزيرا، وكانت أمها تتركها في الحديقة داخل عربتها، وكان الناس الذين يمرون في الطريق يتطلعون إليها في أسف وهم يقولون:
- يا للطفلة المسكينة، لقد تركتها أمها في هذا المطر.. من المؤكد أنها ستصاب بالبرد.
ولكن الصغيرة «لورا» كانت دائما جافة تماما، تلعب سعيدة مع عقد قطرات المطر وهي تلوح بيدها لأمها الروحية «ريح الشمال» عندما تمر من فوقها.
في العام التالي أحضرت القطرة الخامسة، وفي العام الذي يليه أحضرت السادسة، ثم القطرة السابعة، والآن لم تعد أعتى العواصف قادرة على إيذاء «لورا»، وإذا سقطت في بحيرة أو نهر فإنها تطفو مثل الريشة، وعندما أصبح لديها القطرة الثامنة أصبح في مقدورها السباحة في أوسع البحار، ولكنها كانت سعيدة داخل المنزل فلم تحاول ذلك.
وعندما أصبح لديها القطرة الثامنة غدا لديها القدرة على إيقاف المطر بمجرد التصفيق بيديها، لذلك أصبحت هناك أيام كثيرة مشمسة، ولكن «لورا» لم تكن تصفق حين تمطر لأنها كانت تحب القطرات الفضية وهي تسقط من السماء.
والآن، أصبحت «لورا» في سن الذهاب للمدرسة، يمكنكم أن تتخيلوا كيف أحبتها زميلاتها هناك، كن يهتفن بها:
- «لورا» .. «لورا».. من فضلك دعي المطر يتوقف حتى نستطيع أن نخرج للعب في فناء المدرسة.
وكانت «لورا» دائما تجعل المطر يتوقف من أجلهن.
ولكن كانت هناك فتاة اسمها «ماجي» دائما ما تقول لنفسها:
- ليس هذا عادلا.. أن تمتلك «لورا» هذا العقد الجميل وأن تكون قادرة أيضا على إيقاف المطر، لماذا لا يكون هذا العقد لي؟
وهكذا ذهبت «ماجي» لمعلمة الفصل وقالت لها:
- «لورا» ترتدي عقدا في المدرسة.
وانتبهت المعلمة لذلك، وقالت لـ«لورا»:
- يجب أن تخلعي هذا العقد من حول عنقك.. هذه هي القاعدة في المدرسة يا عزيزتي.
قالت «لورا»: ولكن هذا سيجلب الحظ السيئ لي.
قالت المعلمة:
- بالطبع لن يجلب هذا أي سوء.. سأضع العقد في الصندوق وأحتفظ به حتى نهاية اليوم الدراسي ثم أرده إليك.
ووضعت المعلمة العقد داخل الصندوق، ولكن «ماجي» شاهدت المكان الذي وضعته فيه، وعندما كان الأطفال منشغلين باللعب، والمعلمة مشغولة بتناول الغداء، أسرعت «ماجي» وأخذت العقد ووضعته في جيبها.
وعندما اكتشفت المعلمة اختفاء العقد صاحت غاضبة:
- من الذي أخذ عقد «لورا»؟
لم يجب عليها احد، وظلت «ماجي» واضعة يدها داخل جيبها وهي تمسك بالعقد، وأخذت المسكينة «لورا» تبكي طوال الطريق وهي عائدة إلى المنزل، وكانت الدموع تنحدر على وجنتيها مثل حبات المطر وهي تسير بجانب البحر، أخذت تردد لنفسها:
- أوه.. ماذا سيحدث لي عندما أخبر أمي الروحية أنني أضعت هديتها؟
ورفعت إحدى السمكات رأسها فوق الماء وقالت لها:
- لا تبك يا عزيزتي «لورا»، هل تذكرين حين دفعت بي الأمواج إلى الشاطئ ولكنك أعدتني للبحر مرة أخرى، لقد أنقذت حياتي، لذلك سوف أساعدك حتى تجدي عقدك.
وتوقف أحد الطيور عن التحليق وهتف بها أيضا:
- لا تبك يا «لورا» يا عزيزتي.. هل تذكرين عندما ألقت بي العاصفة إلى سطح منزلكم، لقد انكسر جناحي ولكنك عالجتني حتى عدت للطيران.. لذلك سأساعدك في البحث عن عقدك.
وأخرج فأر صغير رأسه من الحجر الذي يسكن فيه وهو يقول:
- لا تبك أيتها العزيزة «لورا»، لقد أنقذت حياتي ذات مرة عندما وقعت في النهر، سأساعدك حتى تجدي عقدك.
وجففت «لورا» دموعها وهي تتساءل:
ـ كيف يمكن أن تساعدوني؟
قالت السمكة:سوف أغوص تحت البحر.. وأطلب من أشقائي أن يساعدوني.
وقال الطائر: سوف أحلق عاليا وأنظر للحقول والغابات والطرقات واطلب من أشقائي الطيور مساعدتي.
وقال الفأر: سوف أسير بين المنازل.. وأطلب من أشقائي الفئران أن يبحثوا في كل ركن، وفي كل صوان (مكان) في كل غرفة في كل أنحاء العالم.
وعلى الفور شرعوا في العمل.
ولكن عندما كانت «لورا» تحدث أصدقاءها.. ماذا كانت «ماجي» تفعل؟
لقد وضعت العقد حول عنقها وسارت في العاصفة، ولكن الأمطار أغرقتها تماما، وعندما صفقت بيديها لتطلب من المطر أن يتوقف، لم يلحظ المطر ذلك، بل إنه هطل أكثر من الأول.
كان العقد يعمل فقط من أجل صاحبته الأصلية.
غضبت «ماجي» كثيرا ولكنها ظلت ترتدي العقد، ورآها أبوها فقال لها:
- من أين أحضرت هذا العقد؟
قالت ماجي:
- لقد وجدته في الطريق.
ولم يكن هذا حقيقيا بالطبع. قال الأب:
- إنه أفضل من أن ترتديه طفلة صغيرة مثلك.
ومدّ الأب يده وأخذه من حول عنقها، ولم تكن «ماجي» ولا أبوها يدركان أن الفأر الصغير يسمعهما وهو في جحره الصغير داخل الحائط، وجرى الفأر وأخبر بقية الأصدقاء أن العقد موجود في منزل «ماجي»، ولكن عندما عادوا جميعا كان العقد قد ذهب، باعه الأب بمبلغ كبير من المال لأحد صاغة الفضة، وبعد يومين استطاع الفأر الوصول إلى محل هذا الصائغ، ومرة ثانية جرى لأصدقائه حتى يخبرهم، ولكن عندما جاءوا كان الصائغ قد باعه لتاجر متخصص في بيع هدايا أعياد الميلاد، وكان يبحث عن هدية مناسبة لإحدى الأميرات.
ورأى الطائر العقد، وحلق مسرعا ليخبر «لورا» قائلا:
- العقد فوق سفينة، والسفينة متجهة إلى بحر العرب.
قالت السمكة: سوف نتبع السفينة، وأقول لك عن الطريق الذي ستسلكه، اتبعوني.
وقفت «لورا» على حافة البحر وهي تتساءل في حزن:
- كيف أستطيع أن أسبح في هذا البحر الواسع من دون عقدي؟
وقف أمامها أحد الدلافين وهو يقول:
- سأحملك على ظهري، دائما كنت تلقين لي بالطعام اللذيذ حين أكون جائعا.
ركبت «لورا» فوق ظهر الدولفين، وسبحت الأسماك في المقدمة، وحلقت الطيور فوقهم، وبعد عدة أيام وصلوا إلى بلاد العرب.
- والآن .. أين العقد..؟
قالت الأسماك وهي تسأل الطيور:
- في قصر الملك، إنه ينوي أن يقدمه غدا هدية لابنته في عيد ميلادها
قالت «لورا»:
- غدا هو عيد ميلادي أيضا، أوه.. ماذا ستقول أمي الروحية عندما تأتي لتعطيني القطرة العاشرة وتكتشف أنني لم أعد أملك العقد.
وقادت الطيور «لورا» إلى حديقة الملك، ونامت طوال الليل تحت إحدى أشجار النخيل، كان العشب جافا، والأزهار ذابلة وقاتمة اللون، بسبب الجو الحار، ولأن السماء لم تمطر منذ عام تقريبا.
في الصباح جاءت الأميرة الصغيرة إلى الحديقة لتفتح الهدايا، كان هناك العديد من الأشياء الجميلة، أزهار يمكن أن تغني، قفص مليء بالطيور الصغيرة ذات الريش الأخضر والفضي، كتاب تستطيع أن تقرأ فيه إلى الأبد لأنه لا يوجد فيه صفحة أخيرة، وقط يستطيع أن يهز مهد الطفل، وثوب فضي مصنوع من خيوط العنكبوت، وآخر مصنوع من قشر السمك الذهبي، وساعة في داخلها ببغاء حقيقي يمكن أن يخبرها عن الوقت، وقارب مصنوع من أصداف وردية، وبين كل هذه الهدايا كان يوجد عقد «لورا».
وعندما رأت «لورا» العقد جرت من تحت الشجرة نحو الأميرة وهي تصيح:
- أوه .. من فضلك هذا العقد ملكي أنا..
وصاح الملك غاضبا:
- مَن هذه الفتاة، وكيف دخلت إلى حديقتي.. خذوها وألقوا بها إلى البحر..
ولكن الأميرة التي كانت صغيرة ورقيقة قالت:
- انتظر قليلا يا أبي.
والتفت إلى «لورا» وهي تقول:
- كيف عرفت أن هذا عقدك؟
- لأن أمي الروحية أعطته لي، عندما أرتديه استطيع أن أمشي في المطر دون بلل، ولا تستطيع أي عاصفة أن تؤذيني، أستطيع أن أسبح في أي نهر، وأستطيع أن أجعل المطر يتوقف حين أصفّق بيدي.
قال الملك باهتمام:
- ولكن هل يمكنك أن تجعلي المطر يهطل..؟
- ليس بعد، ليس قبل أن تعطيني أمي الروحية القطرة العاشرة.
قال الملك:
- إذا استطعت أن تجعلي المطر يهبط فسوف أعطيك العقد لأننا فعلا في حاجة ماسة للمطر.
ولكن «لورا» كانت حزينة لأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك قبل أن تحصل على القطرة العاشرة، وفي هذه اللحظة جاءت «ريح الشمال» إلى حديقة الملك، قالت:
- أنت هنا يا ابنتي الروحية، لقد بحثت عنك في العالم كله، أريد أن أعطيك هدية عيد ميلادك، ولكن لماذا لا ترتدين العقد؟
قالت «لورا» المسكينة: لقد حصلت عليه الأميرة.
وعصفت «ريح الشمال» في غضب:
- كان عليك آلا تخلعيه أبدا من حول عنقك.
وأسقطت «ريح الشمال» القطرة العاشرة على العشب الجاف، وسرعان ما ضاعت، ثم هبت مبتعدة، وأخذت «لورا» تبكي، وقالت لها الأميرة الصغيرة في إشفاق:
- لا تبك، يمكنك أن تستعيدي عقدك، أنا أرى أنه يخصك
ووضعت العقد حول رقبة «لورا»، وفور أن فعلت ذلك، سقطت دمعة من عين «لورا» وتعلقت بالعقد بجانب القطرات التسع الأخرى، وبدأت لورا تبتسم، مسحت دموعها، وجففت أنفها، ولكم أن تتخيلوا ما حدث، ما إن نفخت من انفها حتى بدأت الأمطار في النزول، أمطرت وأمطرت، فردت الأشجار أوراقها، ومدت الأزهار بتلاتها،كانت كلها سعيدة وهي تتشرب القطرات المتساقطة.
وأخيرا صفقت «لورا» بيدها لتوقف المطر.
وكان الملك في غاية السعادة، وقال:
- هذا أجمل عقد رأيته في حياتي، هل يمكن أن تعطينا كفايتنا من المطر كل عام.
ووعدته «لورا» بذلك، وقام الملك بإرسالها إلى بيتها في قارب الأميرة المصنوع من الأصداف الوردية، وحلقت الطيور فوقها بينما سار السمك بجانبها. وقالت «لورا»:
- أنا سعيدة لأنني استعدت عقدي.. ولكني أكثر سعادة بوجود هؤلاء الأصدقاء حولي.
ولكن.. ماذا حدث لـ«ماجي»؟
حكى الفأر الصغير لريح الشمال كيف أن «ماجي» سرقت العقد، وهبت الريح وأحدثت ثقبا في سقف بيتها، وأخذت تصب منه المطر حتى بللتها تماما.
•جوان أيكن
في عيد ميلادها الخامس عشر أخذت جوان من أبيها بعض النقود، وذهبت واشترت بها رزمة من الورق من المكتبة المجاورة لمنزلها، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف عن الكتابة وصدر لها أكثر من سبعين كتابا حتى الآن، وهي كاتبة إنجليزية ولدت في اسكس، أبوها هو الشاعر الأمريكي كونراد أيكن، وأمها الكاتبة الكندية جيسي ماكدونالد، وهي مازالت تقيم في إنجلترا حتى الآن، وقد فازت بعدة جوائز أشهرها جائزة إدجار الآن بو، وهي تمنح لقصص الرعب، وهذا غريب، لأنني أحببت كتبها للأطفال، ولكن ذات مرة حاولت أن أقرأ القصص التي تكتبها للكبار فإذا بها مليئة بالأحداث المخيفة والدموية، وكانت دهشتي لأنها تملك في داخلها عالمين مختلفين، أحدهما للأطفال مليء بالخيل والرقة والشاعرية، وعالم آخر مليء بالكوابيس، وأعترف أنني أحببت فقط قصصها للأطفال لأنها جميلة مثل هذه القصة التي بين أيدينا.