جواد الكريم
سماح أبوبكر عزت
يقولون: لكل إنسان من اسمه نصيب، وجواد كان اسمه والجود والكرم كانا صفتيه..
كان جواد صبياً فقيراً يبيع الزهور ومن ربحها القليل يعيش، لكنه كان يشعر أنه أسعد وأغنى الناس؛ فقد وهبه الله أرق وأجمل إحساس.. يزرع الزهور ويسقيها بحب فتتمايل فى سعادة فوق الأغصان، يغنى لها فتتفتح أوراقها وتمنحه عطرها الذى يشعره بالبهجة والحنان..
فى يوم من الأيام، سار جواد فى شوارع المدينة حاملاً زهوره التى نسقها بعناية.. مرَّ من أمام مخبز المدينة ورأى الفران يقف أمام الفرن شديد الحرارة ليخبز العجين ويصنع الخبز.. كانت قطرات العرق تتدفق بغزارة وتغطى ملامح وجهه وهو لا يزال يعمل بصبر وإتقان، أشفق جواد على الفران وأهداه باقة من زهور الياسمين قائلاً له: يا عمى الفران، لك هذه الزهور، ترويها قطرات العرق التى تملأ وجهك لتتفتح وتمنحك أجمل عطر.. فرح الفران بزهور الياسمين الجميلة وأهدى جواد أكبر رغيف من الخبز الشهى..
كان جواد قد سار كثيراً وبدأ يشعر بالجوع، فجلس تحت ظل شجرة.. وسمع أصوات نقيق وصياح. كانت الفلاحة العجوز التى تبيع الدواجن تستريح بعد أن شعرت بالتعب من الحر الشديد، رآها جواد فتذكر جدته التى كان يحبها وحزن لفراقها، اقترب منها وقال: تفضلى هذا الرغيف يا جدتى، لا بد أنك تشعرين بالجوع..
قالت الفلاحة: كم أنت حنون وكريم.. لنقتسم الرغيف معاً.
لكن جواد أصر على أن تأخذه.. فرحت الفلاحة بهدية جواد وأعطته أكبر ديك قائلة: هذا الديك هدية منى لك؛ فأنت مثله نشيط متعاون تحب الخير لكل الناس..
حمل جواد الديك ووضع فى عُرفِه الأحمر زهرة بيضاء.. فرح الديك بالزهرة وصاح: كوكو كوكو.. أنا أجمل ديك.. لن يسخر منى الطاووس المغرور أو يهزمنى أجمل عصفور.
سمع جواد صوت ناى يأتى من بعيد اتجه نحوه وسبقه الديك.
كان راعى الغنم الصغير يعزف لحناً جميلاً ليجمع الخراف والماعز التى تفرقت وابتعدت تبحث عن الحشائش عند النهر الصغير.. كان جواد سعيداً بعزف الراعى؛ فهو يحب الموسيقى ويشعر أن زهوره تتفتح حين تسمع أنغامها.
رأى الراعى الديك فقال: الله، ما أجمل هذا الديك!
فاقترب منه جواد وقال له: وما أجمل عزفك يا صديقى، الديك هدية منى لك.. فرح الراعى بهدية جواد واختار أسمن خروف فى القطيع أعطاه لجواد قائلاً له: وهذا الخروف هدية لك جزاء كرمك وحبك للموسيقى..
شكر جواد راعى الغنم وسار ومعه الخروف السمين.. رأى الخروف حمار الفلاح بائع الحمام، فبادله التحية ونهق الحمار ووقف، نزل الفلاح وقال لجواد: ما أجمل هذا الخروف السمين، اقتربت أيام العيد ولم أبع اليوم سوى زوج واحد من الحمام ثمنه لن يكفى لشراء حتى ولو خروف صغير..
من دون تفكير قال جواد للفلاح: لا تحزن يا عمى الطيب، الخروف هدية منى لأولادك لتكتمل فرحتهم بالعيد.. احتضن الفلاح جواد قائلاً له فى حماس: بارك الله فيك. وأنزل صندوق الحمام من فوق ظهر الحمار وقال: وزوج الحمام هديتى لك، ضحك جواد وقال: الحمام طائر الحب والسلام. وصنع طوقاً من زهور القرنفل الأحمر زين بها رقبتى الحمامتين.. فغردتا وكان هديلهما أجمل أنشودة تفتحت معها كل الزهور التى يحملها جواد..
سار جواد حتى وصل لقصر السلطان ومن خلف أسوار القصر سمع أجمل صوت يحبه.. صوت الصهيل.
كان حلمه الوحيد أن يمتطى جواداً عربياً جميلاً.. رآه أحد حراس القصر وبهره هديل الحمامتين وطوق الزهور الجميل.
قال جواد بابتسامة جميلة: كل سنة وأنت طيب يا عمى الحارس، أتمنى أن يقبل السلطان هديتى المتواضعة.. قال الحارس باندهاش: وماذا سيهدى صبى مثلك للسلطان؟
قال جواد: هاتان الحمامتان.. هديلهما العذب سيمنحه السعادة ويكون أول صوت يسمعه كل صباح.. وطوق الزهور الذى يزينهما يدخل السرور على قلبه وأريجها العطر يملأ المكان..
فرح السلطان بالحمامتين وقال: ما أجمل هديلهما، إنه أروع ما سمعت من أنغام..
طارت الحمامتان وحطتا فوق ظهر حصان عربى أبيض اللون فصهل فرحاً بهما، اقترب جواد من الحصان ينظر له بحب وانبهار. ضحك السلطان وقال: طارت الحمامتان واختارتا لك هديتك يا جواد.. جوادى الأصيل الأبيض بلون زهور الياسمين.. مكافأة لكرمك ونبل أخلاقك..
كم كانت سعادة جواد بجواده ياسمين، أخيراً تحقق حلمه الذى بدأ بزهرة ياسمين تعلم منها معنى الحب والعطاء والكرم؛ فالزهور تمنح عطرها لكل البشر، لا تفرق بين الغنى والفقير، الأمير والأجير.. وعندما تذبل يظل عطرها يمنحنا البهجة وبمرور الوقت يصبح أجمل ذكرى.