حكاية الفلاح الفصيح
سماح أبو بكر عزت
احتفلنا يوم التاسع من سبتمبر أصدقائى بعيد الفلاح، وهو اليوم الذى وقف فيه الزعيم أحمد عرابى الذى لُقب بـ«زعيم الفلاحين» عام 1881م، أمام قصر عابدين يعرض مطالب الشعب على الخديو توفيق.
واليوم أحكى لكم، أصدقائى، قصة أشهر فلاح فى التاريخ، الفلاح الفصيح.. فمصر كانت دوماً مهد كل حكمة وحضارة على مرِّ التاريخ..
وقعت أحداث قصة الفلاح الفصيح فى عهد أجدادنا الفراعنة وبالتحديد فى عهد الدولة الوسطى فى الأسرة الثانية عشرة.
وبطلها هو «خونانوب»، فلاح طيب نشيط من سكان «واحة الملح»، أراد السفر لوادى النيل ليبيع ثمار الواحة ويشترى حاجاته..
أعد قافلته من الحمير المحمَّلة بالغاب والملح والأخشاب، وبينما خونانوب يسير على حافة النيل يقود قافلته، شاهده فلاح آخر يُدعى «تينخت»، وبسرعة فكر فى خطة شريرة يستولى بها على حمير «خونانوب» المحملة بالخيرات من المحاصيل. كان منزل «تينخت» يقع على حافة النهر الضيقة، فكان الماء يغمر طرفاً منه والشعير يغطى الطرف الآخر، وضع «تينخت» قطعة قماش فردها على حافة النهر فامتد طرفاها بين الماء والشعير، ومشى الفلاح الفصيح على قطعة القماش، وأكل حماره من الشعير، وكان هذا ما أراده الماكر «تينخت» فانقض عليه واستولى على حميره بما تحمله من محاصيل بحجة أنها أكلت من الشعير دون وجه حق. توسل خونانوب قائلاً له إن الذنب ليس ذنبه، لكنه لم يستجب له، فلم يجد خونانوب حلاً سوى أن ينقل شكواه لكبير الأمناء يتوسل إليه، كتب 9 شكايات أو شكاوى (جمع كلمة شكوى) أُطلق عليها «شكاوى الفلاح الفصيح».
وقد تتساءلون أصدقائى أين العدل إذن؟ لماذا لم يُنصف هذا الفلاح المظلوم ومعه كل الحق، ولماذا طال به الوقت وشعر بالظلم والألم ولم يرجع له حقه من أول شكوى كتبها؟ الحقيقة، أصدقائى، أن الحاكم الكبير أعجبته فصاحة الفلاح خونانوب فأخبر الملك أن فى رعاياه فلاحاً فصيحاً، فأمر الملك حاكمه أن يكتب كل شكوى ويرسلها إليه على أن يمنح خونانوب تعويضاً، ولاقت شكاوى الفلاح الفصيح إعجاب الملك ففيها التشبيه الرائع، والخيال الخصب والسلوك القويم، وأيضاً فيها من الحكمة والمرح، فهى ليست عبارات بليغة فقط لكنها تحمل حكمة المصرى القديم، البعيدة النظر، العميقة الأثر.. يقول فى إحدى الشكاوى:
«لا تنظر للغد قبل مجيئه، فلا أحد يعرف ما سيأتى به من خير أو شر، عليك أن تفعل الخير ولا تنتظر مقابلاً».
كتب الفلاح الفصيح خونانوب شكاياه التسع على أوراق البردى فى أربع مخطوطات فى أربعمائة وثلاثين سطراً..
وبعد أن أتمها رد له الملك حميره بما حملت، والفضل يرجع لحكمته وذكائه وإصراره على الدفاع عن حقه.. فما ضاع حق وراءه مطالب..