الأماكن الطبيعية الأشد فتكا في العالم
bbc :
يعاني معظمنا من مشاكل الطقس، مثل العواصف أو أشعة الشمس الحارقة، لكن هناك أماكن في العالم تشعر وكأن الطبيعة الأم تلاحقك من أجل أن تفتك بك، سواء كان ذلك في شكل عواصف قاتلة أو انفجارات بركانية.
فأي مناطق الخطر على الأرض هي الأكثر فتكا بالبشر؟
دعونا نقسم عوامل الطبيعة إلى أربعة عناصر لمعرفة الأماكن الأكثر فتكا في الأرض.
الماء
للماء أخطار واضحة بالنسبة لنا، لأننا لسنا مستعدين بالشكل الكافي للتعامل مع البيئة المائية. ورغم كفاءتنا في التعامل مع القوارب، إلا أن المنظمة البحرية الدولية ذكرت أن 1,051 شخصا لقوا مصرعهم في البحر عام 2012، رغم أن نسبة قليلة من تلك الحوادث وقعت كنتيجة مباشرة للأمواج.
وتعد بعض المناطق المائية أخطر من غيرها، ويعود السبب وراء ذلك إلى الخصائص الجغرافية الفريدة التي تعزز قوتها، فقد اكتسب مضيق سالتستراومن في النرويج سمعة مخيفة لأن فيه أقوى التيارات على الأرض، وهو ما دفع العلماء لدراسة هذه الدوامة الأكثر قوة في العالم بعناية شديدة، وأصبح بإمكان السياح عبورها بقوارب مطاطية مع قبطان ذكي.
وربما تكون للمياه على اليابسة قوة أكبر لا يستهان بها، فبالنسبة لأولئك الذين يعيشون على الساحل، يشكل فيضان مياه البحر خطرا كبيرا. وجزر المالديف، وهي مجموعة من الجزر المنخفضة والمرجانية في المحيط الهندي، تسمى أيضا "الجزر الزائلة" لأنها عرضة إلى حد كبير لارتفاع منسوب مياه البحر. وتزيد المخاطر كل عام مع استمرار تغير المناخ.
ويصل الخطر للذروة عندما ترتفع مستويات المياه فجأة خلال تسونامي، أو عند اشتداد العواصف.
ويطلق اسم تسونامي على التحرك المفاجئ للمياه بالشكل الذي يؤدي إلى موجة هائلة أو سلسلة من الأمواج التي قد تكون لها آثار مدمرة. وتحدث معظم ظواهر تسونامي ـ 71 في المئة حسب دائرة الأرصاد الجوية الوطنية الأميركية ـ في المحيط الهادي.
وهناك أنظمة دولية للتحذير من وقوع تسونامي والتخفيف من آثاره لحماية الناس. لكن في بعض الأماكن، يصدر التحذير من تسونامي قبل وقوعه بعشرين دقيقة فقط، لذلك ينتهي تسونامي بإزهاق العديد من الأرواح.
معظمنا غير مستعد بالشكل الكافي للتعامل مع البيئة المائية
وفي عام 2004، قضى تسونامي الأكثر عنفا في التاريخ الحديث على 280 ألف شخص في 15 دولة، بعدما ضرب زلزال ساحل سومطرة بإندونيسيا. وكان عدد القتلى مرتفعا للغاية بشكل لا يمكن استيعابه. ومع ذلك، كان عدد من لقوا حتفهم نتيجة فيضانات الأنهار أكبر من ذلك بكثير.
ويعتقد أن فيضانات الصيف على نهر يانغتسي في الصين عام 1931 قتلت ملايين الأشخاص، رغم أن السجلات الرسمية تقلل عدد الضحايا. وفي ذلك العام، سقطت ثلوج كثيفة أعقبتها أمطار غزيرة وذوبان للجليد بشكل غير طبيعي، ما أدى إلى ما يقال إنه أسوأ كارثة طبيعية سُجلت على الإطلاق.
واليوم، لا يزال الملايين من البشر يعيشون في سهول معرضة للفيضانات بالقرب من أكبر الأنهار في الصين، وتتزايد المخاوف من حدوث فيضانات مع تغير أنماط الطقس.
الهواء
عُثر على عدد من "البحيرات القاتلة" في أفريقيا، ولكن لم تكن المياه هي مصدر القلق. وتنذر بحيرة نيوس في الكاميرون وبحيرة كيفو على حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية مع رواندا بخطر غير مرئي، إذ تقع هاتان البحيرتان في مناطق ذات نشاطات بركانية تشهد تسربا لغاز ثاني أوكسيد الكربون من تحت الأرض.
وخلال فترة "الثوران"، يندفع ثاني أوكسيد الكربون من قاع البحيرة ليشكل سحابة. ونظرا لأن هذا الغاز أثقل من الهواء، فإنه يهبط دافعا الأوكسجين بعيدا، وخانقا لكل أشكال الحياة في المنطقة. وبعدما أدى الثوران في مناسبتين مختلفتين في ثمانينيات القرن الماضي إلى مقتل 1,700 شخصا و3,500 رأس من الماشية في الكاميرون، ابتكر خبراء طرقا للتخلص من الغاز في البحيرات بأمان وبانتظام، مستخدمين أنابيب وشفاطات.
أما في بحيرة كيفو، حيث يتسرب غاز الميثان أيضا من تحت الأرض، فقد انقلبت كارثة محتملة إلى النقيض، إذ أُنشئ مشروع لشفط الغاز من باطن الأرض واستخدامه لإنتاج الطاقة، وإمداد ملايين السكان بالكهرباء.
ولكن ليست الغازات وحدها التي يمكن أن تقتل، فالهواء نفسه قد يكون بمثابة عقوبة قاتلة عندما تشتد الرياح.
وتعد نقطة كيب دينيسون الصخرية في القارة القطبية الجنوبية هي أكثر الأماكن تعرضا للرياح على وجه الأرض. وربما يكون هذا هو السبب في أنها منطقة غير مأهولة بالسكان. ومع ذلك، تُحدث العواصف الموسمية دمارا كبيرة في مناطق أخرى مأهولة بالسكان حول العالم.
وتتشكل أقوى العواصف فوق المحيطات الدافئة شمال وجنوب خط الاستواء. وهنا، تزداد قوة الرياح التجارية من خلال التغير في الضغط، مما يؤدي إلى أنظمة طقس تُعرف بأسماء مختلفة مثل الأعاصير والزوابع.
الهواء الملوث قد يكون بمثابة عقوبة قاتلة لمن يستنشقه
تعتبر هايتي هي الجزيرة الأكثر عرضة لمثل هذه العواصف في منطقة البحر الكاريبي، إذ أنها تقع على طريق الأعاصير السريع، علاوة على أن المنازل مبنية على السهول القريبة من الأنهار المعرضة لحدوث الفيضانات، مما يعني أن الدفاعات الطبيعية، مثل الغابات، قد تدهورت. كما أن الاقتصاد ليس مستقرا بما فيه الكفاية لتمويل دفاعات ضد الفيضانات، أو أنظمة تحذير منها.
ويفسر هذا السبب في أن أكثر العواصف شدة لا ينغبي أن تكون بالضرورة هي الأكثر فتكا بالبشر.
ويقول يورن بيركمان، خبير في مخاطر الكوارث الطبيعية في جامعة شتوتغارت الألمانية، إن خطوة الأعاصير تكمن في أنه من الصعب التنبؤ بوقت حدوثها.
ويضيف: "من المهم الإشارة إلى أن مسارات الإعصار تغير مكانها على الأرجح، ما يعني أنها ستحدث في بعض المناطق التي لم تشهد أعاصيرا في السابق أو شهدت قليلا جدا منها. وتواجه هذه المناطق خطرا كبيرا لأن الناس والمجتمعات ليس لديها معرفة على الإطلاق، أو لديها خبرة قليلة في كيفية الاستعداد للأعاصير".
ويشارك بيركمان في إعداد تقرير المخاطر العالمية السنوي الذي تنشره الأمم المتحدة، والذي يسلط الضوء على الدول الأكثر تأثرا بالكوارث الطبيعية بهدف تركيز الجهود العالمية لحمايتها.
في عام 2016، تصدرت جزيرة فانواتو القائمة، إذ يتأثر أكثر من ثلث سكان الجزيرة بالكوارث الطبيعية كل عام. وفي عام 2015، ضرب الجزيرة زلزال وثوران بركاني وإعصار شديد في غضون بضعة أسابيع فقط، مما أدى إلى مقتل 11 شخصا، حسب البيانات الرسمية.
ويعد هذا العدد المنخفض نسبيا من القتلى دليلا على الجهود العالمية لحماية الناس من الكوارث الطبيعية. وعلى سبيل المقارنة، كان أكبر عدد ضحايا سقطوا جراء الأعاصير في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1970، عندما تعرضت بنغلاديش لإعصار بولا، الذي قتل ما لا يقل عن 500 ألف شخص.
اليابسة
إذا كان هناك شيء واحد يربط أكثر المناطق دموية في العالم ببعضها البعض، فهو النشاط التكتوني.
تتكون القشرة الأرضية من صفائح متحركة، وعندما تتحرك هذه الصفائح ضد بعضها البعض، تتكون طاقة كامنة. وعندما تنطلق هذه الطاقة، تتصدع الأرض وتنطلق موجة زلزالية تهز سطح الأرض على شكل زلازل عنيفة.
دائما ما تكون المناطق الأقل ثراء في العالم هي الأكثر عرضة لأضرار الزلازل
وكان الزلزال المسجل الأكثر فتكا هو زلزال شانشي في الصين عام 1556، الذي أودى بحياة نحو 800 ألف شخص. وبما أن الزلازل تثير تسونامي، فمن الإنصاف القول إنها توفر للفيضانات فرصة للمنافسة الشرسة على أكثر الكوارث الطبيعية عنفا في العالم.
ودائما ما تكون المناطق الأقل ثراء في العالم هي الأكثر عرضة لأضرار الزلازل. أما المدن، مثل لوس أنجليس وطوكيو، فتستخدم أحدث التطورات المعمارية لجعل مبانيها مقاومة للزلازل ولحماية سكانها. لكن لا تتوافر مثل هذه الإمكانيات لكل الدول الواقعة على "حلقة النار في المحيط الهادي"، حيث ينشط 81 في المئة من أكبر الزلازل في العالم.
وحسب أطلس مخاطر الكوارث الطبيعية الذي أعده محلل المخاطر مايلكروفت عام 2015، فإن ثمانية من المدن العشرة الأكثر عرضة للزلازل في العالم تقع في الفلبين، التي تقع أيضا ضمن حزام الأعاصير.
النار
على الجانب الآخر للعملة التكتونية، يوجد النشاط البركاني، فعندما تتحرك الصفائح بعيدا عن بعضها البعض، تنفث رواسب منصهرة ساخنة من تحت قشرة الأرض لسد الفجوة المتكونة.
ويعد منخفض عفار في إثيوبيا، والذي كثيرا ما يوصف بأنه "أقسى مكان على الأرض"، هو منطقة تلاقي ثلاث صفائح. وربما يحدث معظم النشاط البركاني في العالم في هذه المنطقة.
ويُقال إن متوسط درجات الحرارة السنوي في هذه المنطقة يبلغ 34.4 درجة مئوية، ما يجعلها واحدة من أشد المناطق حرارة على الأرض. وفي ظل قلة الأمطار والتضاريس المليئة بالتصدعات البركانية وحقول المياه الساخنة وأحواض الملح، قد تعتقد أن هذه المنطقة لن يكون بها سكان، لكن الحقيقة عكس ذلك.
وعادة ما يستقر البشر قرب المعالم الجغرافية غير المستقرة، وهذا يشمل الجبال المتفجرة التي تنفث أنهارا من النار. ولعل المثال الأكثر شهرة على ذلك هو مدينة بومبي الإيطالية القديمة التي دفنتها الحمم البركانية من ثوران جبل فيزوف.
لكن العديد من المدن الحديثة تطل على براكين نشطة، فمدينة نابولي الإيطالية تقع على بعد أقل من ستة أميال من جبل فيزوف. كما تقع مكسيكو سيتي على بعد 43 ميلا من بركان بوبوكاتيبتل.
ووفقا لبحث نشرته شبكة "غلوبال فولكانو موديل نتوورك" عام 2015، فإن أكثر من مئتي ألف شخص قتلوا نتيجة مباشرة للبراكين خلال آخر 400 عام. ووضع فريق دولي قائمة بالأماكن الأكثر عرضة للنشاط البركاني، وجاءت أندونيسيا على رأس القائمة.
وقتل بركان جبل تامبورا على جزيرة سومباوا 70 ألف شخص عام 1815، وغيّر المناخ بشكل مؤقت، وهذا يعني أن البركان أدى في النهاية إلى وقوع المزيد من الضحايا بسبب الجوع والأوبئة.
وفي الآونة الأخيرة، أحدث بركان جبل ميرابي دمارا شديدا في عام 2010، وقتل أكثر من 350 شخصا. ومع ذلك، تم إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح من خلال عمليات الإجلاء في الوقت المناسب.
وسيبذل الخبراء قصارى جهدهم للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية، لكن قد يكون نجاحنا في التناسل والتنمية الاقتصادية هو الذي يسبب لنا معظم المشاكل في حقيقة الأمر.