مقالة مهمة حول الجيواقليمية Regional Geo 2011 للعالم العربيف الجغرافيا الإقليمية إلى تحديد شخصية الإقليم، وإبراز التباين الإقليمي في
الوحدة المكانية المختارة، مثل العالم العربي، أو العالم الإسلامي، أو إقليم البحر
المتوسط، وهي في ذلك تؤكد مبدأ الارتباط Correlation، الذي يثمر في فهم العلاقات التأثيرية والتأثرية Cause Effect Relationships، بين الإنسان وبيئته، بمعنى أن الجغرافيا الإقليمية
تشتمل على دراسة كل الظاهرات الجغرافية الطبيعية والبشرية في إطار مساحة معينة من
سطح الأرض، أو وحدة مكانية واحدة وهي الإقليم Region، الذي يمثل جزءاً من سطح الأرض، له مميزاته وخصائصه،
التي يكتسبها من عدة عوامل جغرافية، تعمل مجتمعة على تكوين الشخصية الإقليمية
للمكان، فتجعله يختلف عن سائر الأمكنة.
وتعد الأقاليم الجغرافية نتاجاً للعلاقة المتبادلة بين الإنسان وبيئته، سواء
كانت أقاليم كبرى Macro Regions ، أو أقاليم صغرى للغاية Micro Regions. وكلما كان الإقليم صغيراً كلما كان
محدداً بدقة، بينما إذ تضخم الإقليم كان التعميم هو السمة الغالبة في تحليل
الظاهرات المختلفة.
ويمكن تقسيم الأقاليم إلى نوعين رئيسين هما:
1. الإقليم المتجانس Region Homogeneous
ويُعرف بالإقليم المنتظم المنسق
Uniform، وينتمي هذا
الإقليم إلى الفروع الأصولية، التي تتناول بالدراسة تحليل وتوزيع الظاهرات
الطبيعية أو البشرية فوق مساحة محددة من سطح الأرض، ومن أمثلته الأقاليم
التضاريسية، أو النباتية، أو غير ذلك من الأقاليم التي تتجانس فيها الظاهرات
الجغرافية، ولا ريب في أن تقسيم العالم إلى أقاليم متجانسة وسيلة لتسهيل دراسة
العالم دراسة إقليمية، تأخذ في الاعتبار كل العناصر داخل الأقاليم المكونة
لشخصيته، حيث يصبح من الممكن دراسة العالم دراسة إقليمية على أساس نوع من أنواع
الأقاليم المتجانسة.
2. الإقليم الوظيفي Region Functional
يتميز هذا النوع من الأقاليم بمجموعة خاصة من الظاهرات لا يشاركه فيها إقليم
آخر. ومن أمثلة الإقليم الخاص: إقليم دلتا النيل في مصر، أو إقليم السهول الأطلسية
في المغرب، أو إقليم أرض الجزيرة في السودان. ومن أبرز الأقاليم الوظيفية في الوقت
الحاضر الأقاليم الحضارية أو أقاليم المدن.
3. الدراسة الإقليمية
تعني الدراسة الإقليمية إمكانية تقسيم حقل الجغرافيا إلى أجزاء منفصلة اسمياً
لكنها متصلة جوهرياً. وتختص الجغرافيا الإقليمية بدراسة أي إقليم على أنه وحدة
جغرافية، بهدف إبراز شخصيته الجغرافية وتحديد السمات المميزة له. ولتحقيق ذلك تتم
دراسة أي إقليم من خلال إطاره الطبيعي الممثل في الموقع، والتركيب الجيولوجي،
وأشكال السطح، وعناصر المناخ، إضافة إلى الجانب البشري من حيث تأثيره في بيئته
وتأثره بها.
والدراسة التالية توضح العوامل الطبيعية والبشرية، التي تتناولها الجغرافية
الإقليمية عند دراسة أي إقليم.
أ. العوامل الطبيعية
وتشتمل دراسة العوامل الطبيعية للإقليم على العناصر التالية:
(1) الموقع Location
من الأسس الطبيعية الرئيسية التي يهتم بها الجغرافي، وعادة ما يبدأ في دراسته
لأي إقليم. وتتعدد أنماط المواقع الجغرافية ومن أهمها الموقع الفلكي Situation، ويحدد هذا النمط من المواقع الخصائص المناخية السائدة
في الإقليم، ويُعد الموقع الجغرافي من أهم أنماط المواقع، وترجع أهميته إلى أنه
يؤثر بصورة مباشرة في المظاهر البشرية والحضارية، وبخاصة فيما يتعلق بالتوزيع
الجغرافي للسكان، وكثافتهم، وتركيبهم، وتحركاتهم، ومستواهم، ونشاطهم الاقتصادي،
ولتأكيد ذلك كان الموقع الجزري للجزر البريطانية دور كبير في تطور سكان هذه الجزر
واختلافهم حضارياً بشكل واضح عن سكان جمهوريات آسيا الوسطى رغم وقوع النطاقين على
نفس دوائر العرض تقريباً.
وتتباين طبيعة الموقع الجغرافي حتى في الدولة الواحدة، ففي المملكة العربية
السعودية تختلف النطاقات المطلة على الخليج العربي في الشرق، حيث تتركز حقول
النفط، عن الأجزاء الداخلية من البلاد، وخاصة في نطاق هضبة نجد. وفي جمهورية مصر
العربية تختلف كذلك الأقاليم الواقعة في وادي النيل اختلافاً واضحاً، في كافة
المظاهر الطبيعية والبشرية، عن الأقاليم البعيدة عن الوادي.
والموقع الجغرافي عنصر غير ثابت، حيث تتغير أهميته من فترة لأخرى نتيجة لعدة
عوامل، أهمها تطور وسائل النقل المختلفة وبخاصة النقل البحري، الذي أعطى أهمية
كبيرة لموقع المحيط الأطلسي وجنوب القارة الأفريقية، كذلك أكسب شق قناة السويس
البحرين المتوسط والأحمر أهمية كبيرة، كما أعطى للعديد من الموانئ أهمية كبيرة،
لموانئ بورسعيد، والسويس، وجدة، وعدن، ومالطة، وتغيرت كذلك أهمية موقع السواحل
الغربية للأمريكتين بعد شق قناة بنما.
أمّا بالنسبة للموقع الإستراتيجي فهو ينقسم إلى قسمين:
الأول: موقع الدولة أو الإقليم وسط منطقة التوتر الدولي، مثل العالم العربي، وأوروبا،
وجنوب شرق آسيا، حيث يقوم الصراع بين الدول الكبرى على السيطرة عليها لما تتمتع به
من موارد طبيعية ومصادر ثروة ضخمة من جهة، ولأهميتها في سهولة الخروج إلى البحار
الدولية والمحيطات من جهة أخرى. ونتيجة لهذا، تعرضت هذه الأقاليم لحروب عدة، فقد
شهدت أوروبا العديد من الحروب، أهمها الحربان العالميتان الأولى والثانية، ومر
العالم العربي بحروب عديدة، وكذلك جنوب شرق آسيا، التي مرت بسلسلة من الحروب،
استمرت ما يقرب من ثلاثين عاماً.
الثاني: وتمثله المضايق البحرية، التي تصل بين مسطحين مائيين، مثل مضيق جبل طارق، وباب
المندب، والبسفور، والدردنيل، وقناة السويس، وقناة بنما، ونظراً لأهميتها
الإستراتيجية، أصبحت محط اهتمام الدول الكبرى، وبالتالي أصبحت الدول، التي تقع
فيها هذه المضايق عرضة للغزو الاستعماري والاحتلال الطويل، مثل مضيق جبل طارق
وقناة بنما.
وكان للموقع الجغرافي دور مباشر في تمتع العالم العربي بتكامل بيئي، أسهم في
تحديد ملامح شخصيته الجغرافية، وفي تفاعله مع الأحداث والقوى العالمية طوال
التاريخ.